في الانتظار..!
اعتاد الكثيرون منا على انتظار شيء ما ليتخذ موقفاً واضحاً من موضوع ما، حتى لو لم يكن في الأمر غموض أو إشكال أو مسؤولية، ولا يتطلب سوى تنفيذ القانون الذي يقع في نطاق صلاحياته! وهذا ليس جديداً ولا طارئاً، وهو يتعلق بالتربية أولاً، وبطبيعة العمل، وبعدد آخر من العوامل الشخصية والعامة، وليس آخرها الثقة بالنفس والتوازن النفسي والاجتماعي والاقتصادي، والمناخ العام والنظام والظروف..
وليست المشكلة في تطبيق القانون، فهذا مطلوب ومرتجى ومنتظر حتى لو كان حرفياً؛ بل في عدم تطبيقه؛ وهناك من يتلكأ في تنفيذه، أو يماطل، أو يناور، أو يمايز.. حسب المصلحة والأهواء، ولا يستطيع أحد إلزام أحد بأن يتعامل مع روح القانون، أو أن يتسامح في بعض فقراته، ويتشدد في أخرى؛ فهذا يعود إلى مستوى تفهمه وخبرته وسعة أفقه، إذا لم نقل أهواءه ومصالحه وعلاقاته والأوامر التي قد تهبط عليه، أو التوجيهات أو التلميحات..
وإذا ما واجه مسؤول ما خللاً في قانون، أو ثغرة في إحدى فقراته، أو تناقضاً أو غموضاً.. قد يقف منهزماً أو مقفلاً أو معطلاً، وقد يجيب لدى سؤاله: ليست لي علاقة. وربما يفكر في نفسه: الحمد لله أنها جاءت من القانون وليس مني!
وبدل أن يسعى هذا المسؤول بأية درجة من المسؤولية إلى السؤال والاستفسار والمطالبة الجدية بإيجاد حل، يبقى في لا مبالاته ساهماً أو مرتاحاً، وتستمر حال العطالة بانتظار الرأي القانوني الذي ربما لم يشر إليه أحد رسمياً، لأنهم جميعاً في الانتظار!
لا شك في أن عدم تطبيق القانون سلوك خاطئ، كما هو تنفيذه بشكل غير صحيح، وهذا جزء من الفساد الذي يتخذ ألف لبوس ولبوس، لكن في عدم القيام بالسلوك الإيجابي، كالاهتمام والمتابعة وصولاً إلى المبادرة والإقدام، فساداً أيضاً؛ فإذا سكتُّ عما أعرف من قصور أو خلل، وارتضيت بما لا أستحق، وسعيت وراءه؛ وسكت سواي، وتردد وتغافل، وارتضى وقال: أنا ومن بعدي الطوفان.. كيف سيتم تجاوز الواقع الفاسد أو تفاديه، وكيف ستتم معالجته؟! وإذا ما قال أحد: لماذا تحمل السلم بالعرض؟! وقال آخرون: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق؛ فإن في ذلك سبيلاً إلى قطع الأعناق والأرزاق!
أليس بعض ما يحدث في سورية اليوم من نتائج ذلك؟! فقد كانت تلك الثغور في القانون، أو في تطبيقه، معابر للفاسدين في وضح النهار ربما، كما تلك الفجوات المهجورة أو المحروسة في الحدود، وتلك الثغرات أو سواها، في الأماكن ذاتها أو في سواها، ستبقى معبراً لكل الديدان والحشرات والجراثيم والفيروسات، التي ستنضم إلى بؤر العفونة والصدأ والتآكل التي لم تجد من يطهرها، أو يجفف عنها الموارد، أو يضع في طرق عدواها العثرات الحقيقية، أو يخفف من روائحها أو مناظرها!
ولا شك في أن بقاء مثل تلك العورات التي يراها غير الأطفال إذا كانوا مبصرين، أو راغبين بالإبصار أو قادرين على ذلك، جزء أساس من المشكلة؛ بل الأرضية المثلى لذلك. وهذا ليس وقفاً على ما كان، وذقنا من من آثاره العناء والعذاب والفراق والخسران.. وما تزال صدوعه تخرش البنيان الصلب، وستبقى إلى زمن نرجو ألا يطول.. إذا عزمنا على ألا يستمر ذلك البساط المفروش أمام المنافقين والمناورين والحاقدين من أجل حفنة من إراقة ماء الوجه، وهدر نعمة الحياة..
فلا شك في أن الكائنات الشريرة والقابلة للامتهان والسقوط ستبقى في كل آن، ما بقيت النفس أمارة بالسوء، وما بقي الضلال والفجور والعدوان..، كما ستتواصل طيوب الكائنات الخيّرة مشعة، ما بقيت النفوس الكبار الساعية إلى الحياة الحرة الكريمة بشرف وكرامة، والمكافحة بصمت أو ضجيج لإبقاء الرؤوس مرفوعة، والوطن حضارياً متطوراً عزيزاً مصاناً. ومن المؤكد أن زيادة منسوب الروح الإيجابية وأطياف الأريحية والعطاء بلا حسبان لا تأتي بأمر أو قرار، وهذا الصلاح أو الإصلاح لا يتوقف على زمن أو عصر أو مرحلة؛ لأنه أمر مطلوب دائماً، وملحٌّ دوماً، وربما شعرنا بأهميته أو ضرورته أكثر في هذه الأوقات العصبية؛ لكن الشعور وحده لا يكفي، ولا الأمل، ولا الانتظار، ولا بد من العمل ذاتياً واجتماعياً، طوعياً ووظيفياً، لنصل جميعاً إلى الخلاص المنشود.
***
غسان كامل ونوس