الفئة: حوارات
المحاور: سامر أنور الشمالي
توصيف الحوار: لقاء مع الكاتب غسان كامل ونوس
الناشر: جريدة الثورة وموقع القصة العربية
تاريخ الحوار: غير محدد

الأديب (غسان كامل ونوس) يشتغل على نصه بصدق نشعر به ونحن نقرأ أعماله, حتى نتصوره كيف يعيش في الأماكن التي يصورها في أعماله, لاسيما القرية التي يقدمها بحميميتها. بل ونتخيله بين شخوصه الذين هم معارفه وأصدقاؤه. وأيضا نخاله يتكلم في أعماله عن أفكاره المعنية بالهم الإنساني العام الذي يشغل الشريحة الأكبر في المجتمع. وهو حريص على استمرار هذا الحوار بكل أدواته الأدبية. فهو يكتب في عدة أجناس أدبية في محاولة منه لمحاورة الآخر عبر قنوات عدة, ضمن سياق العمل الجاد والهادف.
الكتابة في الشعر أو القصة أو الرواية – وفي أي نوع آخر- عمل مسؤول تلزمه الجدية, ويتطلب الكثير من العوامل التي تثريه‏‏ ‏

-النثر خطو, وربما قفزات تطول, لكن الشعر تحليق‏‏ ‏

* ضمير المتكلم هو الذي تلجأ إليه في أغلب الأحيان, لعرض الأحداث, وتقديم الأبطال. مع العلم أن المتكلمين في سردك هم رجال متشابهون في نظرتهم للحياة. ومستواهم ووضعهم الاجتماعي متقاربان. هذه العناصر تطرح السؤال التالي: إلى أي حد أنت موجود شخصياً في أعمالك?!‏‏
ضمير المتكلم واحد من الضمائر المحدودة التي عليك استخدامها حين تكتب. وهو لا يعبر بالضرورة عن شخصية الكاتب, أو خصوصياته. ربما كان أكثر حميمية من سواه, فيحس القارئ معه أن الكاتب يسارره, أو يبوح له. فينشغل معه أكثر, أو يسايره أكثر. ولكنه خيار يجب أن يكون حسناً. وهذا ما يقرره القارئ المهتم. لكنه ليس الضمير الغالب في كتاباتي فيما أظن. أما مسألة وجودي الشخصي في النصوص, فلا أستطيع تحديدها. ربما يحددها المقربون المعايشون. رغم ذلك, فإن معرفتهم تنصب في الغالب على الجانب المنظور أو الملاحظ خارجياً. لأن من الصعوبة معاينة الأشياء الداخلية, لمن هم خارج الحريق. ولابد من التنويه إلى سؤال: إلى أي حد أستطيع أن أشخص نفسي?! وإلى أية درجة يمكنني التأكيد أن هذا أنا بملامح محددة, وعلامات فارقة?! إن ما أكتب يخرج مني, يلخص أو يجمع أو يفاعل عناصر عديدة: التاريخ الشخصي, والتاريخ الجمعي, والبيئة والقراءات والمعاناة والعواطف المحسوسة أو المشتهاة.. الأحلام والكوابيس, الخيبات وارتعاشات النشوة الخلبية, ربما. إضافة إلى ملاحظات وتحليلات واستنتاجات وانشغالات.. وهذا له علاقة بالآخرين, بالكائنات الأخرى البشرية منها وغير البشرية, بالعناصر المادية, بالعلوم والاحتمالات.. بعد هذا كله, هل يمكن أن نحدد وجودي الشخصي في الأعمال الأدبية, أو عدم وجوده?!. هذا مع الإشارة إلى أن النص حين يخرج, يجب أن يكون كائناً قادراً على العيش من دوني, يجب أن يكون كائناً مكتملاً لا ينتظرني كي أداويه, أو أعرف به, أو أشرح له أو عنه, أو أكون مرجعاً له أو دليلاً. لأنني أفترض أن قارئاً في مكان ما من العالم لا يعرفني, يمكن أن يقرأه. فإذا لم يقدم له شيئاً يكون النص قد ولد ميتاً. ولكن.. هل النص الذي أكتبه منبت عني كل الانبتات?! بحيث يمكن أن يقول قارئ: هذا النص لأي كاتب آخر?!. لن أكون فرحاً إن حصل مثل هذا, فأنا أتمنى أن يكون لهذه الكائنات التي تخرج من بين زفراتي علامات تدل على أنفاسي. بمعنى أن يكون لها خصوصية ما لا تحرمها من الهوية, ولا تتركها من دون نسب. ‏‏ ‏

*المكان لديك واضح المعالم, وهو على الأغلب القرية. فما علاقتك بهذه القرية الموجودة في أغلب أعمالك?! الشق الثاني من السؤال: برغم بروز انتمائك للمكان, لا تتطرق للبحر, مع أنك تقيم في منطقة ساحلية!‏‏ ‏

$$لا بد لكل حياة من بيئة. بل إن البيئة تلعب دوراً أساسياً في أسباب الحياة, واستمرارها وفاعليتها. ومن الطبيعي أن تتحدث النصوص عن بيئة مناسبة للكائنات التي تتحرك فيها أو تفكر, أو تمارس طقوسها السرية, أو إعلانها أو بوحها. وليس شرطاً أن تكون البيئة معيشة من قبل الكاتب. قد تكون متخيلة أو متمناة. وهناك نصوص كتبتها لم تكن بيئاتها واضحة المعالم كما نعرفها, ولم تكن قريبة. وهذا ليس معياراً تقويمياً, إلا بقدر انسجام البيئة مع شخصيات النصوص; هذا الانسجام الذي يعني مواءمة بين الانفعالات, أو الأقوال, أو الأحداث, أو الحركة, مع الإحداثيات والعناصر الواردة في النص. دون أن يعني هذا ارتباطاً واقعياً خارجياً مع ما نعرفه من البيئة, بل قد يعني مساوقة نفسية أو انفعالية جاذبة أو نابذة.‏‏ ‏

والقرية/ البيئة التي شهدت الولادة والطفولة والحياة, هي الرحم الثاني الذي يحيا الكائن فيه, يتنفس ويأكل ويشرب ويتحرك وينام, يحب ويقترب ويبتعد, ويشارك في كل طقوس الحضور فيها مع الكائنات الأخرى التي ترافق وتجاور/تعايش, والعناصر الأخرى. إضافة إلى ما تفرضه ظروفها وشروطها من تضاريس ومناخات, وما تطلعه عليه, وتلقنه من معارف وعادات, وتؤمنه من إمكانيات الحركة والقول والفعل والإحساس. وما تضيء, أو تعتم, وما تشح في تقديمه من ماء ومواصلات ودفء وحنان ولباس وطعام ومأوى آمن.. القرية/ قريتي هي هذا الحيز الذي يخصني, بقدر ما أعطاني ومنع عني. أحبه إلى درجة قدرتي على التحدث عنه كثيراً, وبالألوان التي أراها. أعطيته, وكنت وفياً معه أو ناكراً له. لا أدري إن كان فيما أكتبه, وله فيه موقع ودور وأرضية أو خلفية, ما أمتدحه أو أشكوه, يليق بأن يكون وفاء له?!. أما عن البحر, فقد ورد ذكره في بعض النصوص; فهو يبتلع الشمس عند المغيب, ويظهر من فتحات بين ذرا التلال, وتتلألأ مياهه تحت أشعة الشمس بعض الأوقات.. نعم, قد يكون غائباً عن التعامل التفصيلي في النصوص القصصية أو الروائية, لأن الكائنات الأدبية التي تعاملت معها لم تكن بحرية. أما في النصوص الشعرية فأحسب أن له حضوراً أوسع. وفي أي حال فإن البحر موجود بانفعالات الصخب والأمواج والهدوء والزرقة والملوحة, بالعلاقة بين المياه والشواطئ والمراكب والرياح والغيوم الحاملة لمطر عميم, قد لا ينهمر!.‏‏ ‏

*النهايات لديك لا تقدم حلولاً, أو تنبئ برؤية مستقبلية, وأيضاً لا تعتمد على المفارقة أو المفاجأة. فالنهايات تأتي ضمن السياق كاستمرار طبيعي للحدث. فهل تعمل على تشريح حالات معينة بقصد كشفها فحسب?!‏‏ ‏

$$النهايات قد لا تقدم حلولاً أو إجابات; أتفق معك في هذا. وليس مطلوباً في رأيي منها ذلك. ولكن لا أوافقك على أنها لا تنبئ برؤى مستقبلية. قد لا تكون الرؤية مشرقة; هذا على الأغلب, لكنها تشي باحتمال ما. وهذا الاحتمال لا يأتي من الغيب, أو يخرج به مارد أو منقذ, أو ساحر. إنه احتمال يمكن أن يخرج به القارئ لدى قراءته النص. وليس ضرورياً أن يكون الاحتمال الذي يتوقعه الكثيرون واحداً. وقد لا يتفق مع ما أريد, أو أطرح. مع هذا, فهو احتمال مشروع. وفي تقديري إن مهمة الأدب عامة والإبداع خاصة أن يجيد طرح الأسئلة, أو تمثلها, أو إطلاقها. وحين تأتي النهاية ضمن سياق العمل, كما تقول في سؤالك, هذا يعني أن هناك انسجاماً في النص بين عناصره, أو وحداته. ولا توجد نهايات مقحمة من المؤلف, أو مقسورة على النص, أو أحد شخوصه. لكنها فضاءات جديدة – أرجو أن تكون كذلك- يستمر المتابع في التخويض فيها اعتماداً على ما جاء في النص, وبالاتكاء على قدراته المعرفية, وإمكاناته في السير في دروب, قد تكون متطلبات الخطو فيها ليست يسيرة. وقد لا تعتمد النهاية على المفاجأة, ولكنها ليست انسيابية تراتبية متوقعة, أو منطقية بمعنى الاستنتاج الرياضي الحتمي. نعم; أميل إلى حالات قد لا تكون مطروحة كثيراً في الأدب. أو متناولة من زوايا أخرى, وأخوض فيها. لأنها تشغلني أولاً, ولكي تثار, أو يتم الالتفات إليها أسباباً وعوارض ونتائج احتمالية منظورة أو متكهنة أو مأمولة أو متوجسة. وهذا لا يعني أن جميع النصوص لها المنحى ذاته, أو نهاياتها متشابهة. بل هناك -كما أزعم- تنوع وميل إلى مشاركة المتلقي في البحث في الحالة وعنها, والمساعدة, ربما, في الوصول إلى اقتناع بالحل أو جدواه. أو التعاون في تحمل النتائج التي قد تكون كارثية.‏‏ ‏

*الرواية لديك تتسع مساحتها لتشكل عدة مواضيع, هل هذا يعود لكونك قاصاً يكتب الرواية?!‏‏ ‏

$$من طبيعة الرواية الاتساع, وقدرتها على استيعاب موضوعات وشخوص وتفاصيل, تتنوع وتختلف وتتعدد, حسب الرواية والراوي. دون أن يعني هذا الملء المجاني, أو الثرثرة بلا مبرر, أو دون أن يؤثر ذلك على العمق والاستكشاف والتحليل الذي يفضي إلى استنتاجات المتلقي مما يحويه العمل الروائي, أو يمكن التكهن به من أصداء العمل. ولا أستطيع الجزم في أمر سر من أسرار كتابتي الروائية, لأني آخر من يحق له التفسير. هذا إن استطعت ذلك. صحيح أنني أكتب القصة القصيرة, ولكن الصحيح أيضاً أن كتابة الرواية ترافقت مع النصوص القصصية الأولى, أو كادت. إن في الرواية إمكانية لامتداد زماني- ليس منطقياً بالضرورة- وتنوع مكاني وفضاء لأحداث وأفكار, تسمح – حسب خيار المؤلف- بتناول موضوعات عدة تخدم المحور الأساس, أو لها علاقة به على الأقل. ومن الأفضل أن تغنيه. وقد يكون التنوع بحد ذاته خيار الكاتب; بل هدفه. مع التأكيد على أن لكل نص روائي مساره أو مساراته, وله محطاته وجهاته التي يراها الكاتب. ويفترض أن يقنع بما يؤدي متلقيه. وهذا يتوقف على الموهبة والخبرة والتوفيق في الأداء, وعلى نوعية المتلقي أيضاً.‏‏ ‏

* من الشائع أن يكتب القاص الرواية- وبالعكس- ولكن كتابة الشعر أمر مختلف نسبياً. السؤال: ماذا قدم الشعر لنثرك? وماذا أخذ?‏‏ ‏

$$الكتابة الإبداعية جمرات من الحريق ذاته, حتى لو اختلف حجم الجمرة أو وهجها, أو شكل دخانها, أو كثافته. الكتابات الأولى كانت نصوصاً تقترب من الشعر ولا تفارق القصة. وما زلت أجد الكتابة في الشعر أو القصة أو الرواية -وحتى في أي نوع آخر- عملاً مسؤولاً تلزمه الجدية, ويتطلب الكثير من العوامل التي تثريه, وتساعده على الظهور بشكل مقنع, في نظري على الأقل. دون أن ألزم نفسي بكتابة جنس أدبي محدد دون آخر. ولا أرى في الأمر مشكلة أو اختلافاً. إنها أدوات تعبيرية متنوعة, أو موجات دخانية لاحتراق لا ينوس. النثر خطو, وربما قفزات تطول, لكن الشعر تحليق. بتعبير آخر, يحتاج النثر, قصة أو رواية, علامات فارقة تقل أو تكثر. في حين, تكفي الملامح الشعرية لإضفاء التأثير. وهذا يتوقف على الملمِّح والملمَّح إليه أي المتلقي, ودرجة التقاطع بين ثقافتيهما. وقدرة الأول على الصياغة الإبداعية, وإمكانية التلقي لدى الثاني. مع الإشارة إلى أن هذا القول في النثر والشعر لا يعني تقويماً لجنس دون آخر, أو تفضيلاً; بل محاولة توصيف مالا يوصف, ربما! مع ذلك, لا أستطيع إلا الاعتراف بأن الأشياء لا تكتمل من دون الشعر. ولا أستطيع القول إن الشعر قدم للنثر, أو النثر أضاف للشعر, أو أخذ منه. لكن الاكتناز بأدوات هذا وعناصر ذاك, سواء أكان ذلك مفردات وتعابير وصيغاً وتخييلاً وتحليلاً.. لابد من أن يكون ثراء, يحتاجه المرء في تمثله أياً من المسارات الأدبية. ويمكنني القول: إن الأمر مرهون بالتوفيق في أداء الجنس الذي تأتي فيه الكتابة الإبداعية. ومما لا شك فيه أن استخداماً لبعض مقومات اللغة الشعرية في نص قصصي أو روائي, تتوقف أصداؤه على مناسبة هذا الاستخدام وموقعه ومداه. فقد يكون مناسباً للبوح أو النجوى, وقد يصبح نشازاً; إذ هو عالة أو دخيل مقحم, وربما كان قاصراً. فحتى في الشعر ليس كل ما يكتب تحت مسمى الشعر شعراً. وقد يتحول الشعر إلى مباشرة وتقريرية ونثر فقير أو فج.‏‏ ‏

* شعرك بوح ذاتي عن معاناة داخلية. مع العلم أن هذا البوح موجود في أعمالك النثرية. فإلى أي حد الكتابة لديك هي تفريغ لهواجس تؤرقك? وهل هذا البوح أدى إلى صلة حميمة مع الآخر, أي قارئك?‏‏ ‏

$$ الكتابة الإبداعية عموماً تعبير عن معاناة تحس, أو تستشعر, أو تشهد, سواء أكانت الأسباب ذاتية, أو عامة. وقد تصيب الآخرين في أي موقع. وبالتالي تكون الكتابة الإبداعية نوعاً من البوح, أو النداء, أو الإضاءة المديدة أو الوامضة. وفي اعتقادي أصل الإبداع حزين. رغم بعض ما يكتب فرحاً, أو ابتهاجاً. فليس من موجبات فرح حقيقي, كما أحس. لا شك في أني قلق مؤرق. أتكئ على الكتابة, أو أفتش عنها, كي أستطيع, أو أتمنى, التوازن الذي ليس لنا صك براءة به, بل إنه مختل منذ الخطيئة الكبرى. ويتكرس اختلاله من خلال الأخطاء التي يرتكبها هذا الكائن /الأرقى/ بحق نفسه, وأبناء جنسه, والكائنات الأخرى, والبيئة التي يعيش فيها. وحين أكتب جراء هذه المعاناة, أو بتأثيرها, لا أفكر في التفريغ الذي سيحصل, هذا إذا ما حصل, لأن هناك الكثير مما يتطلب كتابة, أو يستنهضها. وسأبوح لك الآن بأمر: حين أكتب, لا أفكر في الآخر ككائن مستقل أتوسم اللقاء معه, أو التواصل, أو التعبير عن حاله الخاصة التي قد لا تعنيه. وما يشغلني, قد لا يجد لديه الصدى ذاته من المعاناة. وهذا ليس انتقاصاً من قدره; بل هي مقاربة لحال الكتابة, واحترام لها أيضاً. بمعنى أنها حال متهيأة لها أسبابها وظروفها التي قد تمتد آلاف السنين في الاتجاهين. وهنا مكمن الاحترام الذي لا يتوقف على شخص بعينه, وتجربته الذاتية, حتى لو كانت تجربة الكاتب نفسه. لكن ما من شك في أن لكل كائن معاناة ما من ظروف ما. قد تتقاطع الظروف وتتماشى, وقد تكون مفترقة. وهذا لا يمنع من تقاطع المعاناة كإحساس وشعور, يمكن أن يستقطب منها الآخر ما يناسبه. وهنا تقع حال التواصل الحقيقية. مع الإشارة إلى أن هذا قد يحدث, والجميل أن يتم ذلك, خارج نطاق معاينتنا; في مكان آخر, وفي زمن مختلف, وبعدد غير محدد من السنين. أما هذا التواصل فلا أستطيع تحديده. وهذا يحتاج إلى دراسات إحصائية, ويعتمد على الانتشار, والاحتمالات وقوانينها غير الصارمة, وغير المتوقفة على مكان ووقت معلومين أو محددين. وإن كنت أتمنى أن يكون هذا التواصل محققاً بأكبر نسبة. مع عدم توقفي طويلاً عند هذا. وما يهمني, أن أتمكن من أن أكون صادقاً مع الحالة التي تندفع كالينبوع من ثغرة في السفح بعد اكتناز قد يطول دهراً من السنين, وبروافد متنوعة ومتعددة الطرق والغزارات. ‏‏ ‏

* كيف ترى مشروعك الأدبي بعد تسعة كتب في عدة أجناس أدبية? وإلى ماذا تطمح بأن تضيف إلى هذا الرصيد?‏‏ ‏

$$ بعد تسعة كتب, وست مخطوطات موزعة بالتساوي بين الرواية والقصة القصيرة والشعر, أجد أن العمر جد قصير فيما يمكن أن ينجزه المرء. وأحس بتضيّق المفازة التي يمكن أن أحقق من خلالها ما أصبو إليه. ليس معنى هذا أن ما أريده محدد أو معرف; بل هو كثير وغامض ومتداخل. وما زلت أسعى.. مع أمل أن أتمكن من متابعة الخطو الأدبي الثقافي الذي يتعلق بتحقيق الذات الإنسانية ككائن يليق بالحياة العاقلة; يحترمها ولا يهان بها وفيها. إنني أعتقد, ما زلت, باحترام الكائن الذي يشبهني, يشاركني, ينتظر معي الآتي, ويتخوف من سوء المصير. لذا أحاول أن أبث أصداء معاناتي بهذه الطريقة من التعبير, والتي قد تلتقي بشكل أو آخر, في حين أو آخر, في مكان قريب أو بعيد, الأصداء الأخرى من المعاناة, والتي يمكن أن يعبر عنها الآخرون بطرق لا تنتهي. ‏‏ ‏

* في أعمالك ثمة إشارات إلى الماورائيات والغيبيات, وتساؤلات عن الوجود والكون إلى أي حد أنت مشغول بالجانب الروحي الخفي في الإنسان?‏‏ ‏

$$حين تنحصر الحياة المادية للكائن بين بكاءين: بكاؤه والبكاء عليه, يحاول أن يستنفر كل القوى التي يمكن أن تعينه على تفهم فكرة العيش, أو على الأقل تقبلها; ناهيك عن الاقتناع بها/ بجدواها, وبالسعي خلال مدتها القصيرة, قياساً بقدم الدهر وامتداده. وحين تعييه الماديات والإمكانيات المتاحة في تقديم المطلوب, يلجأ هدا الكائن القلق إلى الماورائيات, أمام لهفة الاستقرار وحاجته, أو ضرورة السعي من أجله في الحدود الدنيا. وأرى من الصعب الحصول على الأجوبة, أمام كثافة الأسئلة, تلك الأسئلة التي قد تقدم, بمجرد طرحها, مبررات الوجود, أو تؤمن متكآت تعين. ألهذا تكثر الأسئلة في النصوص?! أشبه الأمر كالخذروف الذي يحافظ على وقوفه ما بقي يدور, وحين يتوقف عن الدوران يهوي بلا حراك. وأقول لك بشيء من البوح: كنت صغيراً حين كان يخطر ببالي سؤال قارس: لو لم يكن هذا الكون ماذا كان من الممكن أن يكون?! وحين كبرت, لم تخف حدة التساؤل; بل تكاثرت الأسئلة, وابتعدت الإجابات. وصار الانشغال بهذا الأمر وسواه -والكتابة إحدى الانشغالات الأساسية- يؤمن قدراً من المواءمة, يحتاجها المرء للاستمرار بفاعلية. بالتأكيد لست وحدي من يفكر, وينشغل. ربما كان هناك من هو أكثر اقتناعاً مني, وأنا أغبطه على ذلك. إنني مشغول بالظاهر والخفي من مؤثرات الكائنات الحية, والإنسان على وجه الخصوص. هذا المخلوق الذي تغيب عنه أشياء كثيرة, وهذا طبيعي. والطبيعي أيضاً أن يفكر, ويحلل, ويستنتج, ويتوهم, ويأمل.. وليس مقبولاً تجاهل اهتمام الناس بالكثير مما يندرج تحت مسمى الغيبيات. وليس معنى هذا مشاركة في القناعة, بل مشاركة في الاهتمام به, والإحساس والسؤال معهم عنه. بما قد يفيد ربما أو يواسي.‏‏

أسد دواره / سوريا
assad70@yahoo.com
0

#2 غير متواجد لبابة أبوصالح

عضو مميز
PipPipPipPip

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 643
الإنضمام: 20-May 03

تاريخ المشاركة 06 July 2004 – 06:49 AM
مرحبًا ..

أعجبني الموضوع كثيرًا .. rolleyes.gif
سأعود – بإذن الله – ..

و شكرًا لأني قرأتُ هذا الصباح شيئًا له علاقة بوطني الحبيب ..
و يل الغربة .. و يل البعد ..
شكرًأ لصحيفة الثورة !!
و لك أستاذ أسد !!

على هذا الصباح السوري !!
rolleyes.gif
تحياتي .

موقعي الشخصي
http://loubabah.blogspot.com/
0

#3 غير متواجد إبتسام إبراهيم تريسي

عضو مميز
PipPipPipPip

المجموعة: المشرفون
المشاركات: 3603
الإنضمام: 20-May 03

تاريخ المشاركة 11 July 2004 – 12:40 PM
تحية
ولأن المحاور هو سامر أنور الشمالي
فلي وقفة أخرى مع اللقاء .
توقفت هذا الصباح لأشكر الأدباء الثلاثة
غسان كامل ونوس
أنور سامر أنور الشمالي
أسد دوارة
وللصباح الجميل الذي غزته برودة مفاجئة، حملتها أمطار غزيرة أول البارحة جرفت معها التربة .
أقول للبابة
صباحك وطن .
“من يحبوننا لا نغفر لهم ولو رمونا بوردة”.
http://ibtesamterrysy.jeeran.com/
0

#4 غير متواجد assad

عضو مميز
PipPipPipPip

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 163
الإنضمام: 17-May 04

تاريخ المشاركة 12 July 2004 – 06:46 AM
الأختان لبابة أبو صالح وابتسام ابراهيم تريسي :
أشكركما جداً على المرور على هذه الصفحة فصباحكم دائماً وطن
أسد دواره / سوريا
assad70@yahoo.com
0

#5 غير متواجد لبابة أبوصالح

عضو مميز
PipPipPipPip

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 643
الإنضمام: 20-May 03

تاريخ المشاركة 13 July 2004 – 05:01 AM
ابتسام الغالية .. صباحكِ وطن ..
اقرئيه في ( نصوص مفتوحة ) ..

..
الفاضل المبدع غسان .. شكرًا لك على كل شيء تقدِّمه و تقوله ..
..
و للأستاذ أسد ألف تحية ..
..

هذه ليست عودتي التي وعدتُ بها ..
هناك أخرى ..
مع المحبة ..
للأنقياء فقط !!

موقعي الشخصي
http://loubabah.blogspot.com/
0

#6 غير متواجد علي احمد ناصر

عضو مميز
PipPipPipPip

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 846
الإنضمام: 24-November 03

تاريخ المشاركة 14 July 2004 – 06:02 PM
شكرا للأخ أسد استضافة مقابلة الأخ و الصديق الذي يكتفي بمراقبة الموقع دون ترك بصماته الجديدة التي نشتاق إليها، و هي ، المقابلة تنير بعضا من جوانب جوارح الأخ غسان ، ليس كلها بالتأكيد ، تحية و محبة و أشواق……
سامحني خنتك كثير
بعرف ما بقى بكير
يا قلبي.
العمر رح يولي
و الصبر عم يقول لي
شبت من صبرك
و شبعت تعتير
من حبك و حبي!
0

#7 غير متواجد assad

عضو مميز
PipPipPipPip

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 163
الإنضمام: 17-May 04

تاريخ المشاركة 15 July 2004 – 07:57 AM
أشكرك استاذ علي أحمد ناصر على قراءة النص وأرجو أن يكون محرضاً لصاحبه للخروج عن صمته و الذي أرجو أن لا يكون لديه أي مشكلة في تسجيل دخوله إلى صفحات هذا المنتدى لمشاركة
أسد دواره / سوريا
assad70@yahoo.com
0

#8 غير متواجد غسان كامل ونوس

عضو جديد
Pip

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 29
الإنضمام: 22-September 03

تاريخ المشاركة 22 July 2004 – 02:39 AM
الأعزاء: أسد دوارة، لبابة أبو صالح، ابتسام تريسي، علي أحمد ناصر..
أحييكم أجمل تحية؛ حقاً كان في دخولي المنتدى مشكلة، وقد حلت للتو، وها أنا أعود..
شكراً لمبادرة الأستاذ أسد بنشره الحوار هنا، وهي تعبر عن نبل وأصالة وأريحية وثقة، وشكراً لكم أصدقاء الإبداع مداخلاتكم الودية المشبعة بأريج الود والاحترام.
شكراً لكم أستاذ جبير على هذا البستان الإبداعي..
وأعبر عن سعادتي بأية ملاحظة، مهما تكن حول الحوار، أو حول أية نصوص في الموقع..

وإلى تواصل دائم.
غسان كامل ونوس

0

#9 غير متواجد assad

عضو مميز
PipPipPipPip

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 163
الإنضمام: 17-May 04

تاريخ المشاركة 22 July 2004 – 06:26 AM
أهلاً بك استاذ غسان ونوس : هذا الحقل يحتاج لكل يد ليزهر ويثمر فأهلاً بك نبع عطاء
أسد دواره / سوريا
assad70@yahoo.com
0

#10 غير متواجد لبابة أبوصالح

عضو مميز
PipPipPipPip

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 643
الإنضمام: 20-May 03

تاريخ المشاركة 22 July 2004 – 07:15 PM

مرحبًا ..
..
حقيقة إن هذا الحوار ألقى الضوء على استراتيجية المبدِع غسان كامل ونوس ..
و أنا عن نفسي .. أعتقد بأن القارئ عليه أن يعرف الكاتب في مكانين ..
الأول حيث ميدان إبداعه ..
و الثاني حيث هو بدون أقنعة أو قوالب يصنعها ..
..
لا لشيء .. فقط لأننا نحتاج أن نعرف ما سر ذلك الإبداع ..
و من أين ينتح المبدِع أفكاره و كيف يفكر .. ؟!
..
لا أعتقد بأن الحوارات الصحفية مع المبدعين هي مجرد تقدير لهم ..
بل هي أعمق من هذا بكثير ..
لأنها فاصلة مهمة تفتح المجال للمبدِع بأن يشعر بذاته التي طالما أخفاها أو تنحى عنها أو ألبسها سواها .. من خلال ما يكتبه ..
و هذه الفاصلة تضعه في مواجهة لازمة أمام هذه الذات و التي تتحرك دائمًا بسلاسة و تلقائية لا
يعمل لها بوعي ..
لأنها تعمل فيه بوعي !!
..
لن يعرف القاص أي قدرة يمتلكها أو أي إنجاز وصل إليه بدون أن تخترقه أسئلة الصحفي ..
تلك التي تقصد تبيين الرؤية ( التي يتمتع بها ) لغيره .. و توضيحها و الإعثار عليها لنفسه هو شخصيًّا ..
..
على أن يكون الصحفيُّ أهلا لهذا الموضع ..
فهناك عدد كبير من المبدعين يعانون من جهل الصحفي و بساطة أسئلته و افتقاره إلى الذكاء الأسلوبي
أو الحنكة الصحفية و التي تتقن و تكون ماهرة بهذه المهمة أمام المبدِع ..
فيصير لزامًا على المبدِع أن يتحرك و يأخذ كل الأدوار ..
و يقولب السؤال إلى صالح إجابته التي لم ينجح الصحفي أو المحاور في السؤال عنها ..
أو يوحي المبدِع للمحاوِر بما عليه أن يسأل ..

في هذا الحوار وجدتُ صحفيًّا و محاوِرًأ ماتعًا .. و قرأت أديبًا بارِعًا و فيلسوفًا لا تستعصي فلسفته على العامة ..
بل تأخذ بأيدي تأملنا في تلك التركيبة الأنيقة التي تتكون منها شخصية المبدِع غسان كامل ونوس ..
..
أعجبني كثيرًا أحد تعابيره .. و سأستئذن الأستاذ غسان بأن أحتفظ به مبدأ أبثه في مستقبلي حفوظًا له ..
(( لا يروقني حفظ آراء المبدعين الغربيين و الذين نبغوا في فن القصة و الرواية و تحدثوا بذكاء و فطنة عن هذين
الفنين ..
و أفضِّل أن أحفظ لمبدعي العرب أقوالهم و التي تتمخض عن طول تجربة و عظيم خبْرة ..
و هكذا – برأيي – تكون التلمذة و الأستذة ..)

أعجبني تعبيرك الذي تقول فيه :

( النص حين يخرج, يجب أن يكون كائناً قادراً على العيش من دوني, يجب أن يكون كائناً مكتملاً لا ينتظرني كي أداويه, أو أعرف به, أو أشرح له أو عنه, أو أكون مرجعاً له أو دليلاً. )

..
و أعتذر عن إطالتي ..
مع الشكر و التحية ..
user posted image

موقعي الشخصي
http://loubabah.blogspot.com/
0

#11 غير متواجد غسان كامل ونوس

عضو جديد
Pip

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 29
الإنضمام: 22-September 03

تاريخ المشاركة 23 July 2004 – 01:54 PM
أكرر شكري للأديبين الكريمين أسد دوارة، ولبابة أبوصالح.. واعتزازي بكما..
ولست سوى منشغل بالأدب مغرم بالإبداع. وما زلت أجتهد..
ولا بد من التنويه أن من تحاورت وإياه هو الأديب القاص سامر أنور الشمالي، له مجموعتان قصصيتان منشورتان، ومشاركة في مجموعة ثالثة، ومخطوط رواية.. وقد أجرى العديد من الحوارات الأدبية.. وللأديب سامر نصوص منشورة في موقع القصة العربية. وهو من مدينة حمص السورية.

الأخت لبابة: أخجلتني باهتمامك، وكلماتك..
دام إبداعك ونشاطك..
الأخ أسد مباركة جهودك ونشاطك المميز.
ودام بستان المبدعين الأكارم.
غسان كامل ونوس
0

#12 غير متواجد إبتسام إبراهيم تريسي

عضو مميز
PipPipPipPip

المجموعة: المشرفون
المشاركات: 3603
الإنضمام: 20-May 03

تاريخ المشاركة 27 July 2004 – 01:13 PM
صباح الخير
استحوذت لبابة على كل جميل في اللقاء
ولا بد لي من القول أن غسان كامل ونوس ، صوت مميز في مجال القصة والرواية ، ولا شكّ أنّه ترك بصمة في الشعر ، ربّما لم أستطع دخول تجربته تلك ، لأني بعيدة عن عوالم الشعر ، من وجهة النظر النقدية ، وهذا لا يعني أني أستطيع تقييم تجربته القصصية والروائية ، إلا من خلال انطباع شخصي لا علاقة له بالنقد ، وقد تعرفت على المبدع من خلال نصه المميز ـ يدي ـ المنشور في موقع القصة ، وأذكر وقتها أني دهشت لهذا القلم الذي أجهله لأسباب ـ تتعلق بتقصيري ربما ، وبابتعادي عن الساحة الثقافية ـ والتي تخطيت بعض حواجزها من خلال الموقع بتعرفي على مبدعين مجيدين من بلدي ـ ولا بدّ لي من شكر العزيز جبير هنا لأنه سبب تلك المعرفة ـ ولأني أجد نفسي أشكره في كل مناسبة ـ خلال الأسبوع الماضي عرفت غسان كامل ونوس أكثر من خلال قراءتي لرواية له ومجموعتين قصصيتين ، وديوان شعري . شكرا للمبدع الذي أمتعنا بهذا الحوار ، وللأخ أسد ، وللمبدع غسان ـ تمنياتي للجميع .
“من يحبوننا لا نغفر لهم ولو رمونا بوردة”.
http://ibtesamterrysy.jeeran.com/
0

→ الموضوع السابق
أَعـــــــــلام و إِعــــــلام
الموضوع التالي ←

شارك هذا الموضوع

صفحة 1 من 1

لا يمكنك بدء موضوع جديد
لا يمكنك الرد على هذا الموضوع

1 عضو (أعضاء) يشاهدون هذا الموضوع
0 الأعضاء, 1 الزوار, 0 مجهولين

الوقت الآن: Jan 12 2013 08:36 AM

تم إنجاز هذا االمنتدى ، بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون

أعلى | تعريب الدعم العربي لمنتديات الاي بي
صفحة البداية
حذف الكوكيز
اجعل المنتدى مقروء
Style by IPBSkins.ru, Fisana

Community Forum Software by IP.Board 3.1.4

اترك رداً