الفئة: كلمات ملقاة
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: جريدة العروبة-حمص
تاريخ النشر: 2008-03-24
رابط النص الأصلي: 

نَبْضٌ الروح … ومعيار الفصول

كلمة إدارة الجمعيّات-اتّحاد الكتّاب العرب
في اجتماع جمعيّة الشعر بمناسبة عيد الشعر
حمص (22-3-2008م)
عضو المكتب التنفيذيّ
غسان كامل ونوس
السيّدات والسادة:
أحيّيكم تحيّة الربيع والإبداع في هذا اللقاء/الاحتفاء بيوم الشعر العالميّ، الذي تقيمه جمعيّة الشعر في اتّحاد الكتّاب العرب، بالتعاون مع جهات كريمة عدّة، في هذه المدينة العزيزة حمص، ذات الحضور الشعريّ المميّز قديماً وحديثاً؛ هذا الذي يؤكّد الأصالة والتجدّد والتميّز لدى أبنائها الطيّبين.
أيّها الأصدقاء:
الشعر نبـض مستتر يفترّ
وحداء منداح ومفرّ
وبـوح للكائن مرّ
ليس للشعر يوم فحسب؛ شهر أو موسم أو أعوام..
فالشعر معيار الفصول، موزّع الجنى؛ مطراً، وخضرة، وحصاداً، وعرياً نديّاً..
ليس الشعر حبّاً أو فرحاً، قلقاً أو قنوطاً؛
الشعر مورّد الحب، وبوصلة القلق..
ليس الشعر حربة أو راية بيضاء؛
إنّه الإقدام والغفران، الهمّة والتاج والفرقان..
ليس ذنب الشعر إن أسَفَّ القوّالون، وغالى المدّاحون، وتشرّخ النوّاحون، وتبعه الغاوون، الذين يقولون ما لا يحسّون، ويبذلون ما لا يملكون!
ليس ذنب الشعر إن ضاعت بين أعطافه قامات، وتقهقرت عند أعتابه ألقاب، وتمسّحت بظلاله هامات.. إلّا إن كان ذنب الحبّ، أن أخلف العاشقون، أو كانت جريرة النبع، أن عبث بعيونه الواردون، أو كان عتباً على النسغ إن قطعت جذوع، وبترت ضروع..
أيّها الشعراء.. إنّ وراء الشعر ما وراءه، وأمامه ما أمامه.. فلا تهِنوا ولا تستهينوا، ولا تلحّوا؛ فالشعر كريم، لا ينتظر السؤال؛ إنّه عزيز على السلطان، وأصمّ على الرنين، فيّاض في مسارب التّوق والحنين والأنين.. مقبلٌ مدبرٌ كما في الرصيد من غنى وشحّ؛ والرصيد موهبة وتجربة ومغامرة ومعاناة وأدوات.. ومشاعر وأمنيات..!
وإذا كان الوجع خطّ الدفاع الأوّل للعنصر الحيّ ضدّ الخطر؛ فإنّ الإبداع- والشعر أحد تجلّياته الأبهى- هو الميدان الأوّل والأخير للكائن الحيّ، في مواجهة العدم.. إنّه الأنفاس، التي تؤكّد بوجودها أنّ هناك حياة ما تزال، والرموز التي تورّث للأجيال من دون منّة أو تحيّز، وجواز سفر عبر الأزمنة والحادثات..
أليس أبو فراس الحمداني بيننا ما يزال، يبسط يد الهوى، شيمته الصبر؟! وقد كنّا منذ حين عند ضريحه، نقدّم الورد والاحترام!
صحيح أنّ لأبي فراس خصالاً أخرى، تجعله يستحقّ الذّكر الطيب، لكنّ الفارس الشاعر لم تسعفه الفروسيّة بقدر ما خلّده الشعر؛ معبّراً عنها وعن كرامته/كرامتنا وأنفته:
ونحن أناس لا توسّط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وعصيّ الدمع، الذي لا يذاع له سرّ، أفاض الشعر بمكنوناته، وأسدل من خلاله الدمع، الذي من خلائقه الكِبْرُ!
فالشعر يغتني بالأسرار والأحاسيس والبوح بما يخفى، ويجاهر بمواقف الاعتزاز، ويباهي بالصمود والمقاومة، ويحتفي بالسمات الحسنة، وبكلّ ما يعلي من إنسانيّة الإنسان..
هذا الشعر بأمدائه الشاسعة، وفضاءاته اللامحدودة، يضيق بالممدوحين، الذين لا يستحقّون؛ فيكاد يغصّ بالصفات، التي تُسفح، والمزايا التي تراق!
لكنّه يبتهج لممدوح من نوع مختلف، لا يقلّ أنفة وكرامة ومواقف.. ممدوح السكاف الكبير الصديق الشاعر، الذي أثرى، وما يزال، مسيرة الأدب والثقافة مبدعاً ومشاركاً ومسؤولاً..
ممدوح السكاف، الذي يستحقّ أن يقال في مسيرته الأدبيّة (بين الممكن والمستحيل) الكثير، وأن يقال في خصاله الكثير، وأن يكتب عن تجربته الشعريّة الكثير.. وها هي جمعيّة الشعر في عيد الشعر، تخصّص هذا الاجتماع الشهريّ لقراءات في هذه التجربة الغنّية المديدة..
لهذا سأتوقّف عن الاستطراد في الكلام في هذا الموضوع؛ لأقول:
أيّها الأصدقاء:
كلّ عام وأنتم في محراب الشعر قائمون؛ تبدعون، وتتعطّرون، وتنفحون..
كلّ عام وأنتم قادرون على العطاء، والتعاون الجميل، الذي يتمثّل في هذا اللقاء المميّز، بين محافظة حمص، ومجلس مدينة حمص، ومديريّة الثقافة والمركز الثقافيّ العربيّ، وجامعة البعث، واتّحاد الكتّاب العرب بفرعيه في حمص وحماة، وجمعية الشعر، التي بادرت، وسعت، وجدّت، وها هي تنال.. إنّه عنوان معبّر، في مناسبة عزيزة، ترافقت مع مناسبات: عيد المولد النبويّ الشريف، عيد المعلّم، عيد الأمّ، عيد الفصح المجيد. وهذا عنوان آخر للألفة والمحبّة والعيش الكريم.. وحافز متجدّد للإبداع، الذي يعبّر أصدق تعبير، وبأيّ شكل تبدّى، عن معنى الحياة الإيجابيّ، الذي يُفترض أن نبحث عنه بجدّية؛ فقد يكون أقرب ممّا نظنّ، وأقوى ممّا نحسب، وأجدى.
والإبداع الشعريّ درّة الإبداعات وغرّتها، حتّى لو شكا الشاعر، أو تأوّه، أو تبرّم! فالأهم أن تبقى جذوة الإبداع متوهّجة، وعناصره المساعدة متوافرة، وبيئته خصبة..
أقدّم شكري لجميع من أسهم في هذه الاحتفاليّة؛ فكرة وإعداداً وسعياً ودعماً وحضوراً وقراءة وحفاوة..
والشكر الخاصّ لمقرر جمعيّة الشعر، ولأمين سرّها.
والشكر كلّ الشكر لكم أيّها الأصدقاء الأعزة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
***
عضو المكتب التنفيذي
لاتحاد الكتاب العرب
مدير إدارة الجمعيات
غسان كامل ونوس

اترك رداً