من طرف واحد!
غسان كامل ونوس
لم أكن أتصور أنني سأعود -بعد هذا العمر- إلى احتراقات الحب من طرف واحد!
لكن هل علاقتنا كذلك؟! لا أعتقد؛ رغم أنه ما من اعتراف أو بوح.. وهل يتطلب الأمر ذلك؟!
وهل هناك ما يمنع من أن تكون لي موئلاً آمناً، وملاذاً رضياً، أو أن أتمنى أن يكون ذلك، وأرغب به وأسعى إليه؟!
وهل هناك ما يمنع أن تبادلني الشعور ذاته، والرغبة عينها؟!
فلسنا من فجّين متباعدين، ولسنا في ذروتين متناوئتين، أو في برجين عاجيين، ولسنا من طينتين متنافرتين، وما بيننا ليس جديداً أو غريباً أو مستغرباً، ولستُ بعيداً عن القلب، ولستُ يائساً ولا قانطاً، ولا أخشى المبادرة، ولا أنتظرها لأسباب أقدّرها، وأعرف أنك ستفعل حين تستطيع، لو كنت تستطيع! ولستُ أخشى الواشين، فليست مشاعري إليك سرية، ولا موقفي نحوك متذبذباً، كالكثيرين سواي، تجاهك وتجاه سواك.. وليست خطواتي إليك مترددة، ولا قناعتي بك مثار شكّ أو تهافت أو تهتّك!!
لكن الضجيج الذي يتعالى بين الأصوات المنكرة، يُضيّع وقع النبرة المحبّبة، ويُفسد طعم البوح الشفيف.. والازدحام المفتعل في الطريق إليك أو إلى سواك، لا يترك مجالاً لصوغ عبارة تليق، رغم أن ما بيننا لا يحتاج إلى عبارات!
إن أصداء العابرين بجلبة وجشع ونهم، ومخلّفاتهم التي تكاد تغصّ بها الدروب والأحياز، تجعل الوصول إليك صعباً، وليس الخوف ما يمنعني، ولا الحياء؛ والحبيب يزار!!
ليست المشكلة فيك، وما من أحدٍ كاملٌ؛ ما كنتَ فيه، وما أقدمتَ عليه، ما بتَّ فيه، وما صرتَ إليه، كل ذلك يدفعني أكثر فأكثر إلى أن أكون مثلك، معك، إلى جانبك، في مسارك، في يقينك، وثباتك، وتضحياتك، وصبرك، وتفانيك.. وعزّتك!
لستُ تابعاً لك ولا لسواك، ولن أكون؛ وأنا واثق أنك لا تسعى إلى أن يكون لك تابعون، ولا ترضى بمن هم مستعدون لذلك، ويتزلّفون حين تكون قويّاً، وأنت القويّ؛ لستُ يائساً، فما زالت لديّ الحماسة، وما تزال القدرة على القراءة والمتابعة، وما تزال القناعة، وفي العمر بقيّة، ما تزال؛ ولستَ آخرَ الخلق، ولا أجملَ الكائنات؛ فيمكن أن يكون الأجمل لم يولد بعد!
ما يُحزِنُ أنني لا أستطيع قول ما أريد، كلِّ ما أريد، وقد لا أريدُ قولَ كلّ شيء، لأنّ ذلك سيتركني عارياً أمام الناس، أمامك، وهذا ما لا أريده، الآن على الأقلّ!
وهذا لا يعني أنني لا أتمنّى أن أكون شفافاً؛ كنت كذلك، وسأبقى؛ لأنني منسجم مع نفسي وأفكاري وقناعاتي، ولا أخاف أن أدفع أيّ ثمن في سبيل ذلك؛ ولا أقوم بعمل أخجل من أن أذكره، أو يذكره سواي تشفّياً أو انتقاماً منّي أو منك!
ما يُقلِقُ أنّ سواي يجهر بمشاعره التي قد تنحدر، بكلمات وأساليب وحالات لا تسرّ، ولا تريح، ولا تليق، وإن كانت تعبّر عن مستوى ضحل في التفكير، وقدر ضئيل من الأخلاق..
ما يُغضِبُ أن كائنات مثلنا ترضى أن يعمّ الخراب؛ بل تدعمه، وتمارسه، وتطلبه، وتجاهر به أو تفاخر.. ويُستَكْثَرُ عَلَيّ أن أهفو إليك، أو أرنو إلى مقامك/مقامي، أو أتطلّع إلى بهائك، أو أستعذب زمنك، أو مآلك/مآلي!!
يعزّ عليّ أن أبعث برسالة، أخاف من قطّاع السبل، ومفوّضي العبور؛ وهل أضمن نوايا الرسول أو سلامة ما يقول؟!
يصعب عليّ أن يكون لك كلّ هذه القدرة على الصبر والظّفر، وتحظى بهذا القدر من الجمال والجلال، ولا أكون أوّلَ المقدِّرين المهنِّئين والمعبِّرين..
لكنّ ما يواسي أنني واثق أنك واثق!!
وما يواسي أنني حاضرٌ للملمّات؛ كنت حاضراً لذلك، ولكل ما يحدث، وما أزال، ولستُ في مخبأ أو جحر، ولست وحدي، الكثيرون مثلي، ممن ليسوا من الراغبين بالرقص في الهواء، ولا السجود في العتمة، ولا من أصحاب الرعونة في الاقتراب والابتعاد، والحب والكره، وليسوا من مُدمني العفونة والتخفّي!!
ما يواسي ثقتي أننا سنلتقي، لأنني جادّ في مسيري، وقد كان قراري، وما يزال؛ وأنني مؤمنٌ بسلامة الحواس والاتجاه والرؤى!!
***