الفئة: مقال
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: المهندس العربي
تاريخ النشر: 2016-01-05
رابط النص الأصلي: 

كلمة العدد (180) من “المهندس العربي”

في أثناء ممارسة الحياة المفروضة على الإنسان، ثمّة مساراتٌ وخيارات، تحتاج من الكائن القادر على الحركة، إلى أن يختار مسلكاً يدبّ فيه أو يخبّ، ويتّخذ موقفاً إزاء قضيّة قائمة أو عارضة؛ وبقدْر ما يكون ذلك منطلِقاً من ذاته، معبِّراً عن رأيه، وقناعته، بعد قراءة الأجواء والظروف، سيكون مرتاحاً؛ حتّى لو تطلّب الأمر مقاومة وتضحيات…
ومن المؤكّد أنّ ذلك ليس سهلاً؛ لأنّ للعواطف تأثيراتها، وللرغبات مُراوَداتها، ولقوى مهيمنة أخرى في كلّ زمان ومكان ضغوطات وغايات.. كلّ ذلك؛ إضافة إلى حيثيّات أخرى، قد لا تكون مؤشّراته ترغيباً أو تهديداً، في الاتّجاه الذي يتوافق مع ما يُفترض أن يكون خياراً ذاتيّاً مُرضِياً، وليس كلّ منّا في حال من الاستقلالية والتماسك، تجعلنا نقوم بما هو مناسب، وحتّى هذا المناسب يحتاج أحياناً إلى تقويم أخلاقيّ أو معرفيّ، أو حياتيّ، وقد تتفاوت مستويات مناسبته بشأن الموضوع ذاته من ظرف إلى آخر. وتختلف القدرة على القراءة والتحليل والاستنتاج من شخص إلى آخر؛ كما قد تختلف لدى الشخص نفسه؛ فتنحو تفسيراته إلى تأويلات مغايرة بتأثير نفسيّ أو صحيّ أو بيئيّ، أو اقتصاديّ، وبتدخّلٍ محترِفٍ مزيِّنٍ أو مشوِّه، معلَنٍ أو مخفيّ. وليس هذا تسويغاً لاختيارات غير صائبة، ولا تبرئةً لارتهانات قد تصل بانعكاساتها إلى حدّ الارتكابات. ومن المفهوم أنّ تبعاتِ ذلك تختلف حدّتها، وقد تتبدّل تقويماتنا لهذه التبعات أيضاً؛ فنظنّ أنّها بسيطة، فيما الواقع أنّ ما يترتّب عليها فظيع، ونحسب أنها لا تطالنا؛ فنكتشف أنّنا وقعنا في الجبّ، حتّى من دون دُعاء أعدائنا!
وتتدرّج القضايا وأهميّتها من رأي أو سلوك أو موقفٍ؛ موافقة ومشاركة ربّما أو رفضاً ومواجهة وتضحية، من دون أن يعني هذا التدرّجَ المنطقيّ في الأهميّة.
فحين نختار شخصاً؛ ليكون في موقع المسؤولية، يجب أن نقدّر أنّ ذلك لا يتعلّق بعلاقتنا به، أو بخصومه، وما يمكن أن يقدّم لنا من فائدة خدميّة شخصيّة؛ بل إنّ هناك قراراتٍ وإجراءات وممارسات ستنجم عن ذلك، وسيتحمّل من كان له دور في الاختيار نتائج ذلك. وقد لا تتناسب درجة مسؤوليّته مع درجة مشاركته في وصول ذلك الشخص او عدمه؛ بل قد يكون لمجرّد الإشارة إلى أنّ هناك من هو غير موافق، لسبب أو آخر، قيمة وجدوى!
ولا يعني هذا، أنّ على المرء، في كلّ خطوة، أن يقف مفكّراً حائراً متردّداً في ما سيقوله، أو سيقوم به؛ لأنّ وعيه قد تشكّل، يُفترَض ذلك، وشخصيته قد نمت، وتربّت، وتعرّضت لمواقف وحالات، كان له دور فيها سلباً أو إيجاباً، وصار بإمكانه أن يحدّد الوجهة التي يراها صحيحة؛ بل إنّ هناك من يصنّفه في هذا الجانب أو ذاك؛ بناء على ما سبق. وقد يصحّ هذا المعيار أو يخطئ؛ لأنّ المرء يمكن أن يغيّر من سلوكه، ويبدّل في مساراته خلال مسيرته الحياتية، التي تتعرّض لمطبّات ومنزلقات ومضائق… ولكنّ ذلك يكون حسناً، إذا ما تراجع عن أخطائه، وقرأ خطواته العاثرة، وقرّر أن يتعلّم منها، أو يتوب. لكن قد يحدث العكس أيضاً؛ فيتأثّر الشخص، وكيانه الذي كان قويماً، بالموقع أو بالسلطة والنفوذ؛ فيصبح عرضة لأهواء، وعبداً لشهوات، ويقع في مرتعٍ وخِم.
ومن دون أن نغرق في التوصيف والتحليل، وتحميل المسؤوليّات على من سمح، وتغاضى، وتغافل، ولم يحاسب أو يسائل. لا بدّ من أن نسأل أنفسنا، ما الذي كان علينا فعله ولم نفعله؟! وكيف يمكن أن نقوّم؟! وفي أبسط الحالات: هل نحن قادرون على أن نصوّب موقفنا؟! وهل نشير إلى الخلل والعيوب والنواقص، التي شابت ممارساتنا؟! وهل لدينا إرادة أن نقول رأينا بوضوح وصراحة، وبشكل علنيّ؛ أو حتّى بطريقة سريّة، كما في انتخابات متاحة على أيّ درجة وفي أيّ مستوى؟!
***
غسان كامل ونوس

اترك رداً