الفئة: كلمات ملقاة
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: الموقع الرسمي للأديب المهندس غسان كامل ونوس
تاريخ النشر: 2020-03-24
رابط النص الأصلي: 

كلمة فرع اتحاد الكتاب العرب
في افتتاح مهرجان القصة القصيرة الخامس في طرطوس

أيّها السادة:

لأنّنا مؤمنون بأنّ للقول صداه؛ برغم كتامة الآفاق..
لأنّنا مقتنعون بأنّ لومض الكلمة القدرة على الوصول عبر الأجيال؛ برغم الحواجز والضجيج..
لأنّ لدينا رغبة وأملاً وإمكانيّة.. ما نزال نسعى كي نقول، وتمكين من يستطيع أن يقول، وتشجيع من يريد، وتحفيز من يتردّد..
لأنّنا مسؤولون أمام الكلمة والأسماع والعقول، مسؤولون أمام الوطن والإنسان.. ما زلنا مستمرّين في نشاطاتنا الثقافيّة؛ برغم جور الحاجة، وعربدة القوّة، ووجع الظلم المشرع والغدر الأمرّ..
نريد لاحتراقنا ضوءاً يعبّر، يشير، يحذِّر؛ أو على الأقلّ، دخاناً يشوّش المرمى أمام دقّة القنّاص، علّنا نخفّف من اعتزازه بالإصابة المقتل؛ علّنا نقدّم ما يتجاوز أضعف الإيمان للمقاومين المخارز في كلّ مفازة، والصامدين في عرض الحياة وطولها.. هل نسوّغ لأنفسنا معنى وجودنا.. أو نخفّف من طعنات الصمت الرجيم؟!
نرحّب بكم أيّها الإخوة والأخوات في مهرجان القصّة القصيرة الخامس.. ونحن نحاول أن نشعل شمعة أخرى في وجه الظلام والظُّلامة في أيّة أرض، تتعرّض لاحتلال مباشر أو غير مباشر، مادّيّ أو معنويّ.. وفي أيّ ركن من بيت أو نفس أو تفكير.. مشرعين الصيحات؛ إضافة إلى الأنّات في صدر الشرّ الكامن والمعلن، المدبِّرِ والسائس والمحرّض، المضلّل والمبشّر والمستسلم..!
حاولنا في مهرجان هذا العام أيضاً الاستفادة من تجاربنا السابقة، وتجارب الآخرين، واعتمدنا تعدّدية الأسماء والتجارب والجغرافيا في النصوص القصصيّة؛ كما في النقد؛ حيث ستقدّم نصوص لستّة عشر قاصّاً وقاصّة من محافظات دمشق والرقّة واللاذقيّة وطرطوس، وسنستمع إلى آراء نقّاد قادمين من دمشق واللاذقية وحلب؛ إضافة إلى نقّاد هذه المحافظة الثرّة..
ويشارك في قراءة النصوص والقراءات النقديّة أدباء، لم يطبعوا كتباً بعد، وآخرون نشروا كتباً، وليسوا أعضاء في اتّحاد الكتّاب العرب؛ إضافة إلى أعضاء الاتّحاد.
ونؤكّد، من جديد، حقّ المشاركة في هذا المهرجان لكلّ من يقدّم نفسه مشتغلاً في هذا الميدان.. من دون أيّة حساسيّة أو خلفيّة أو قصديّة، إلّا الجدّيّة والاهتمام والحضور الفاعل؛ منطلقين من أنّنا لا نملك الحقّ، ولا نرغب، في حجب اسم أو تجربة، أو تغييب صوت؛ كما لا يملك هذا الحقّ أحد، وقد يرغب به.. وظلم أصحاب الكار نفسه أشدّ مرارة وأقسى؛ ومنطلقين من أنّنا لا نملك الحقّ المطلق في التقويم المسبق للتجربة أو النصّ، من دون أن يعني هذا أنّنا نعمل في عماء.. ومن دون أن يعني إغفالنا لمسؤوليّتنا، التي تتجسّد في التقويم المرافق أو التالي.. لأنّ مسؤوليّة أيّ نصّ، يقدّم للآخرين، يتحمّلها الكاتب نفسه والمشتغلون في النقد /المكلّفون بدراسته، والحاضرون أيضاً على اختلاف اهتماماتهم وتجاربهم؛ إضافة إلى القائمين على النشاط إعداداً وإنجازاً.. وإذا ما تحمّل كلّ مسؤوليّته، ستكون النتيجة التراكميّة أفضل، من دون أدنى شكّ..
تلك رؤيتنا للعمل الثقافيّ؛ ليس في هذا المهرجان فحسب؛ بل في شتّى النشاطات؛ فلكلّ دوره، ولكلّ رأيه، ولكلّ جهده وإمكانيّاته.. ولا بدّ من مبادرات وتضحيات ومشاركات.. مع أهمّيّة أن نكون متفاعلين لا منفعلين، متحاورين لا محاورين، متفهّمين لا متَّهِمين أو متَّهَمين، مثمِّنِين ومقدِّرين ومحفزِّين لا مهمّشين ومثبِّطين ومدّعين..
لنعترف، أيّها السادة الكرام.. ليس قبول الرأي الآخر هيّناً؛ وخاصّة إذا ما كان ناقداً..
ليست كلّ الآراء الناقدة مقنعة، تلك حقيقة.. ولا يملك أحد القول الفصل والنهائيّ؛ ولا سيّما في الإبداع..
ولكن.. أليس صحيحاً أيضاً أنّنا لسنا كاملين في الأدب؛ كما في الحياة؟! أليس صحيحاً أنّ من يشير إليّ بعين النقد، يلزمني أن أعيد النظر حتّى في مسلّماتي؟! أليس في هذا الكثير من الفائدة، حتّى في الاتّجاهات التي لم يتناولها النقد؟!
أقول هذا الكلام تداعياً من اللقاءات، التي يحضر فيها النقد سرّاً أو جهراً، واستباقاً لما سيلي من آراء وأفكار وقراءات نقديّة.
وأحسب أيّها الأصدقاء أنّ مهرجاننا، يتميّز عن سواه من نشاطات بحضور رأيين نقديّين معدّين مسبقاً لكلّ نصّ قصصيّ؛ إضافة إلى آراء الحاضرين.. ونحافظ هذا العام على هذا التقليد.. مع فارق أدائيّ، تمثّل في أن يقدَّم الرأيان النقديّان في اليوم نفسه، الذي تلقى فيه النصوص؛ لتقديرنا أنّ هذا أجدى.. ولأنّنا وجدنا أنّ الرأي النقدي الشامل لكلّ نصوص المهرجان، وكان يقدّم في اليوم الأخير؛ برغم أهمّيّته، كان يقابل بحضور أقلّ وجاذبيّة أدنى؛ إضافة إلى غياب الكثيرين من أصحاب النصوص المقدّمة.. على أمل أن نستطيع أن ينجز هذا الرأي التقويميّ لجميع النصوص عبر الإعلام لاحقاً.
نكرّر ترحيبنا بكم أيّها الإخوة والأخوات.. شاكرين كلّ من تعاون لإنجاز هذا العمل الثقافيّ المهمّ والأعمال الثقافيّة الأخرى؛ ابتداء من الرعاية الكريمة من القيادة السياسيّة في هذه المحافظة، مروراً بمديريّة الثقافة والمركز الثقافي في طرطوس والعاملين فيهما، والأدباء والنقّاد، الذين لبّينا رغباتهم ولبّوا دعواتنا، ووسائل الإعلام، التي تغطّي مختلف النشاطات؛ وصولاً إلى جمهور الثقافة، الذي نعتزّ بمؤازرته وثقته وحضوره.
آملين أن نضع عبر هذا المهرجان لبنة أخرى في صرح الثقافة، التي هي الحاجة العليا للبشريّة؛ كما قال القائد الخالد حافظ الأسد، التي هي عنوان الانفتاح والشفافيّة والمسؤوليّة، تلك التي يؤكّد على حضورها السيّد الرئيس بشار الأسد..
تحيّة لشهدائنا البررة في كلّ موقع وزمان.. وقد عبرت توّاً ذكرى عيدهم الأغرّ..
تحيّة للثابتين على المبادئ، للصامدين في وجه الضغوط والعدوان، للمقاومين في فلسطين والعراق ولبنان، الذين يجعلون في بعض الأخبار ما يُسمع..
تحيّة لضيوفنا وهم أهل.. بين أهل..
وتحيّة لكم أيّها الإخوة الأعزاء الكرام..
***

طرطوس في 9/5/2004

رئيس المكتب الفرعي
بطرطوس
غسان كامل ونوس

اترك رداً