( قريباً من القلب ) فضاء متكامل بالحيوية للشاعر غسان ونوس
الوحدة
الخميس29/11/2012
غسان كامل ونوس مواليد صافيتا إجازة في الهندسة المدنية من جامعة تشرين عام 1981 وصاحب مكتب هندسي خاص . عضو اتحاد الكتاب
العرب منذ مطلع عام 1993 حاصل على جائزة محمود المسعدي في القصة القصيرة من مركز الوطن العربي للنشر والإعلام ( رؤيا ) في الاسكندرية مصر عام 1990 حاصل على جائزة إيبلا للشعر في ادلب بسورية عام 1992 يشغل الآن رئيس التحرير لمجلة الأسبوع الأدبي . له العديد من الإصدارات منها في القصة والرواية والشعر والكتابات الأدبية في القصة هامش الحياة . هامش الموت – الاحتراق ظلال النشوة الهاربة ودوار الصدى – أحمر .. أبيض – الفائز- مفازات خطايا في الزمن الراجع في الضفة الأخرى ( الرواية ) المدار تقاسيم الحضور والغياب أوقات برية وفي ( الشعر ) تضاريس على أفق شاحب موال الأرق وله في ( الكتابات ) حالات شرق وغرب موضوعات ومواقف في الثقافة والأدب شرق وغرب . قريباً من القلب المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر والقاص ونوس تقع المجموعة ب 202 /ص من القطع الوسط الصادرة حديثاً عن دار الفرقد للطباعة والنشر لوحة الغلاف تصميم الفنان الدكتور كمال محي الدين حسن الشاعر يشغل مساحة واسعة من الأدب ففي الشعر الحديث يمثل إرثا هاماً وذائقة شعرية وإحساس مرهف يبحر في اللغة السهلة والتراكيب اللفظية الفصيحة كما يبحر في القصة والرواية يكون عالمه الخاص من خلال عالم القصيدة القديمة والحديثة يقول : لا الثلج أكثر بياضاً من لهفتي ولا أبرد من ترددي في الاقتراب / ولا الدرب أقصر من رغبتي / ولا أسلس من سيالات الرغبة / ولا أصعب من عجزي عن الوصول / ص 27 فالثلج لديه يعني الكثير من التعابير ولا سيما هي الحقيقة بذاتها صافية للرؤية بل حلم يتدفق بالمشاعر والأحاسيس فهو متحول وغير ثابت يتدفق بالصور المضيئة فحالة الصوفية لديه تتطابق تماماً بالرغبات وهي الطريق الأقصر للعبور إلى الجهات واحتمالات مفتوحة للمعنى برؤية ولهفة لأشياء حتمية بلا موعد أو نداء روحي يسعى الشاعر ونوس لا يجاد جمالية المكان المفقود من خلال الألوان ومقاربة الزمن يقول : ما الذي يبقى من الزمن / إن تنحينا جانباً ؟! ما الذي يهم الزمن / إن قررنا التوقف أو درنا في المكان ذاته / حول المركز عينه ؟!/ ففلسفة الأشياء لها بعدها الزمني فنقطة الحياة هي المركز والولادة الأولى هذه التأملات تضعنا في مسألة رياضية منطقية تدور حولها تجاوب لتصل بوضوح وفي حالات تجاذبية وأحيانا تنافرية تتصاعد وتهبط فجأة فالقدرة الكامنة هي الحياة والموت معاً مدها وجزرها وقوانينها فصولها وزمنها العابر. فثنائية الشعر فلسفة لدى بعض الشعراء الكبار لهم أسلوبهم وثقافتهم في الإبداع استطاع ونوس أن يفرض نفسه بروح ملهمة وذائفة شعرية مبدعة على الساحة الأدبية وناقداً في آن فالمكان والزمن واللحظة في تجليات الشاعر تحمل المعاني الشعرية المتدفقة فيضاً ونقاء في القصيدة الواحدة والصور المولدة الخاطفة والمكثفة التي جعلت من اللون وحدة متماسكة ومتناغمة في مشهدية متحركة مما أعطت الصورة والإحساس الجمالي يقول : تستطيع الخضرة أن تلون المنحدر لكنها تعجز عن تحقيق شدة انحداره يستطيع الشلال أن يختصر المسافة بين حافة الجرف والوادي /لكنه سينحسر / . الشاعر يؤسس حداثة شعرية برؤية تعبيرية جديدة وفنية يستمد من عالمه المحيط بطبيعة اللغة المستحبة والشفافة المرتبطة بالبيئة ودلالاتها وأبعادها مصوراً بذلك الطبيعة البشرية الحسية والجامدة والمتحركة وهذه متميزة لدى الشاعر ومنطقه المعرفي يحمل أفق رحب في عمله الأدبي والفني بمفهوم اللغة الشعرية من حيث تنظيم الوصف تارة بواقعية والسوريالية . والتجريد تارة أخرى ضمن تشكيلة فنية لها خصائصها في الأسلوب يتصف شعره بروح المداعبة الحسية كعمل فني له قيمته الأرثية والأدبية له نظمه وترتيبه ومعاناته فرحه وحزنه الخ . لكن تحليل العمل الفني الفرد سرعان ما يتسع ليشمل أعمال الكاتب كلها لأن الخصائص التي نلاحظها في عمل من أعماله تنتشر في بقية أعماله في معظم الأحيان . لكننا ونحن ندرس هذه الأعمال للشاعر ونوس مجموعة من الأعمال تنتمي لعلاقات أو لفترة زمنية انطلقت من خلالها على الأسلوب المنظم عن طريق التحليل اللغوي وهذه تشكل قدراً لا بأس به من المعرفة يقول : تحاول الشمس أن تتجنب الزهور / التي تحب أن تحترق / تحاول الشمس أن تداوي / الغصون الطرية / التي تلح على أن تلوّح لها / تحاول الشمس / أن تهّدئ حماستك إليها / فلا تكترث بذلك / يبحث الشاعر عن مكان آمن وهادئ جميل لسماع صوت الطبيعة والغناء الدافء بعيداً عن الضوضاء , الشاعر مسكون بالحب والمشاعر الرومانسية فقد استخدم اللغة بطلاقة معبرة وحرية . تروض النفس بروح الفضاءات الصافية الصادقة والرغبة اشد شوقاً للحياة فالتشكيل لدى الشاعر حسي ورمزي للقصيدة المتوالدة والمولدة للكلمات التي تنداح في عمق اللغة وجوهرها شكل منها حالة ذاتية بين الفصول ومفتوحة على الاحتمالات تغرق المعنى ببعض التفاصيل والأفعال والاستفسارات والنفي والخير والأحوال وغيرهما وهي بالضرورة تعد المفصل الرئيسي لبناء قصائده انه يؤسس في أسلوبه الرمزي ترابط وثيق في الفكرة المعنوية والنفسية للصورة الشعرية بشكل عام وغنى في كيفية تكثيف اللغة ودلالاتها في الإيحاء وجدلية العلاقة بين الحداثة من جهة والموروث من جهة أخرى الذي يضفي عليها جمالية المعاني والذاكرة يقول : مهلاً يا أرجوحة الزرقة / لا أستطيع تحمل كل هذه الحيوية / لا تمدي ألسنتك / أظنك تهزئين مني / لأنني لم أنتبه بعد / من حصار الخضرة / هاجس الشاعر دائماً البحث عن المعاني السحرية المتألقة في عالم القصيدة واللغة المنتجة الجميلة للطقوس وهذا من خلال خوض تجربته الأدبية الواعية كونها أصبحت جزء من حياته بل قريبة من القلب ومخزون من الذاكرة الأدبية المبرمجة في التشكيل الرمزي للقصيدة الجديدة حيث يؤكد خياله الخصب في رسم الحياة بكل تفاصيلها بلذة الطبيعة والغوص في أسرارها فهي تعكس حياته الذاتية للشاعر ونوس من خلال البحث للمفردات اللغة الجميلة ليضعها في مكانها المناسب مثل : الحنان الجمال السهول والجبال والشجر والزهور عذراء صافية مطر – شغف منحدر مسافات الوادي – القلب .. الخ ويقابلها أيضاً : حالات انطفاء نهاية الحزن ندم وجراح يبتعد تناثر مرج – احتراق خسائر الصبر النار الحصار وغيرها – وهذا هو فضاء الشاعر المتكامل بحيويته و التضاد عامل مدهش في التشكيل الحاصل وهو العامل الرمزي والزمني للقصيدة إن كان سلباً أم إيجابا فإنه يمزج ما بين الحسي والخيالي . قريباً من القلب نص مفتوح على الأفق بزرقة بعيدة خصبة تتدلى من كأس الغياب بصوفية خمرية واشراقة تبدد الظلام وتؤكد ما مدى صدقية وذوق الشاعر للغة المتوهجة وتؤكد بان القلب يضيء من شمس الحرية والحلم بشوق ولهفة فقد تتجلى قصائده عن الكثير من المميزات والخصوصية في التراث المعجمي وحداثة الشاعر فيها الكثير من الخبايا والقيمة الفكرية والمعرفية المبحرة والمعاصرة في تألق عالم القصيدة عند ( ونوس ) بروح المداعبة وخيال خصب ترتقي إلى علاقات متجلية بالإنسان والوطن والحب والبوح إلى الحرية والمرأة الحضارية وكل قصيدة لديه هي اكتشاف ونضوج وإبداع .
مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية