كلمة اتحاد الكتاب العرب/ إدارة الجمعيات
في تكريم
الأديب عبود كاسوحة 4/3/2008
السادة الكرام:
أحييكم أطيب تحية، وأرحب بكم أجمل ترحيب باسم المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب رئيساً وأعضاء، متمنياً لكم أسعد الأوقات وأكثرها ألفة وجدوى.
الأخوات والأخوة:
أن نكرِّم، يعني أننا نرى ونعرف ونعي ونقدّر، ونعترف بقيمة الآخر، ونثمن إنجازاته.
أن نكرّم يعني أن نحب فنعطي.. أي أننا قادرون ـ أيضاً ـ على العطاء؛ ذلك أثمن من العطاء نفسه؛ ومن الناس من يبخلون بردِّ الجميل، ويتباردون حتى في رد التحية؛ ناهيك عن المبادرة بالسلام والتواصل الأليف المعطاء.
إن التكريم عادة الكرام، ولا سيّما إذا كان هذا التكريم مبدأً وممارسة وغير مرتبط بظرف أو مناسبة؛ بل هو المناسبة/ المبادرة، هو الفعل الإرادي الواعي، وإن كان في حقيقته رد فعل للفعل الأساس الذي قام به المكرَّم دون انتظار الثمن أو السعي إليه أو استمطاره، من دون أن نغفل عن أثر هذا الأمر على المكرَّم والحيّز والآخرين.
وتزداد قيمة التكريم وأصداؤه البهية إذا ما كان المكرّم يستحق؛ فإذا لم يكن الأمر كذلك، لا يستطيع التكريم مهما فُخِّمتْ مفرداته، وزُيِّنتْ عناصره بالألوان والأضواء والرنين، وكائناً من كان القائمون به، تكبيرُ المكرَّم؛ بل ستحل الخسارة المضاعفة، لأن المعنى المضيء لفعل التكريم افتقد إشعاعاته، وناست إشراقته، وغابت جدواه، وهذا شكل من أشكال الإفساد القيمي الهدّام…
أما حين يكون المرء يستحق، فالتكريم واجب، يفرض نفسه ويلح، وتتعزز قيمته، وتترسخ أسسه، وتزهو ملامحه… ومكرمنا اليوم الأستاذ الأديب عبود كاسوحة رجل فاعل مثابر، ذو حضور في الساح الأدبية والثقافية، ولا سيما في ميدان الترجمة؛ يعرف ما يريد، ويسعى لتحقيقه بثقة منبثقة من تحصّله على الأسباب، وتسلحه بالعناصر، والأدوات التي تؤهله للتخويض في بيادر الثقافة العالمية غير هياب ولا متردد ولا مستسهل، فيختار ما يراه هاماً ومفيداً للقارئ العربي، مما هو منشور باللغة الفرنسية، ليبادر إلى ترجمته، أدبياً كان أو سياسياً أو فكرياً، أو سواه..
تدل على ذلك قائمة الكتب العديدة التي صدرت بترجماته أو مساهماته..
وغنيٌّ عن القول إن في فعل الترجمة فضيلة أخرى غير نقل المعارف والأفكار لمن يحتاج إليها، ولن يكون بمقدوره الحصول عليها لولا جهد المترجم؛ إنها فضيلة القدرة على الربط بين قطبين مفترقين اختلافاً أو ابتعاداً أو جهلاً، والتشارك بين جماعتين إنسانيتين في حيزين متباينين؛ إنها الرغبة بأن يكون الإنسان واسطة الخير، والإحساسُ بضرورة مشاركة الآخرين بما اكتنز.. متوافقاً مع قول المعري: “فلا هطلت عليّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا”.
وتتضاعف القيمة إذا ما أُحسن الاختيار، فليس كل ما يثير ذا جوهر، وليس جميع ما ينشر بعيداً عن الأهواء والغايات والمصالح…
وتتعدى حقيقة إنجاز الأديب عبود كاسوحة كل ذلك إلى الرغبة بأن يعرف الآخرُ المختلف عنا لغةً ومواقعَ وأشياء أخرى تجربتَنا الإنسانية العريقة، وقيمنا الأخلاقية، وحقيقة الظروف والوقائع، والحقوق المغيّبة؛ فسعى أديبنا ـ ويسعى ـ إلى مواجهة محاولات التشويه والتضليل والإساءة المتعمدة أو الجاهلة لتاريخنا ورصيدنا وإمكانياتنا.. المحاولات التي لا تهدأ، ولا تبخل الجهات المهيمنة التي تقف وراءها بالتمويل والتحريض والتكثيف… مستخدمة وسائل الإعلام، وطرق البث والتوزيع والنشر المختلفة، ولا سيما الالكترونية منها…
إنه جانب مضيء في تجربة الأديب المكرم.. يضاف إلى الجوانب الأخرى، ويؤكد الخصال الطيبة والفاعلية الإنسانية والمعرفية الضرورية في هذا الزمن؛ حيث تكاد مظاهر التزييف تخفي منابع الضوء الحقيقي، وتبعد الأماني عن آفاقها المرجوة، والغايات عن سموتها المنتظرة.
فتصبح الضحية مطلوبة لإقامة الحد فيها وعليها، وهي تذبح مرات.. كما يحدث في غزة الآن، كما في كل فلسطين والعراق كل آن، فحتى الأطفال تمزقهم شظايا الحقد المتوحش من مدعي الديمقراطية والحضارة، ومشوِّهي هذا الزمان الصهاينة والأمريكان والمتحالفين معهم.. الذين امتهنوا القتل والتمثيل بالقتيل والاستزادة من ضيق القبر بعد ضيق العيش، إذا ما هيئ للشهداء أن يدفنوا، بتحميلهم مسؤولية ما يحدث؛ فهم “إرهابيون” لمجرد أنهم لا يقبلون الاحتلال، ولا يستطيبون حياة الذل والقهر، ولا يستسلمون..
إن ما يزيد الصورة قتامة هذا الصمت الشيطاني الممعن في القتل من العالم بمؤسساته الدولية ومبادئه المعوّمة، والأشد مرارة ظلم ذوي القربى العاجزين المترددين المتشفّين الناظرين بلا قلب (وكيف يداوي القلب من لا له قلب؟!)، ولا ننسى واجبنا نحن المثقفين، ولا يصح أن نتغافل عن تقصيرنا، أفراداً وجماعات وتنظيمات ومؤسسات ثقافية وسواها.. وندعو إلى المبادرة من جديد، ولما يفت الأوان بعد!
أيها الأصدقاء:
في هذا الجو الكئيب الممض، يأتي هذا التكريم بقعة ضوء هامة، تستدعي أن تستكمل على الصعد الأخرى.. ولا سيما أننا نعيش عام دمشق عاصمة للثقافة العربية.
فليس التكريم إعلاناً بنهاية جهد المكرَّم، أو قراراً باكتفائه وكفايتنا من إنجازاته، بل هو دافع للمزيد المفيد، وأمل لسواه ممن لم يحظوا بالتكريم بعد، ومن لم تصل إنجازاتهم إلى مسامع المكرِّمين في جهات الثقافة العديدة، وحافز للآخرين الذين ما يزالون على الدروب يجدّون، لمضاعفة الجهد وترسيخ الحضور في الساح الثقافية التي تستدعي الكثير وتنتظر الأكثر…
إن اتحاد الكتاب العرب الذي دأب على تكريم مبدعيه أحياءً، فضلاً عن تكريم الذين قضوا، مستمر في هذا النهج، وها نحن نكرم الأديب العزيز عبود كاسوحة الذي كان ـ وما يزال ـ له حضوره في مختلف فعاليات الاتحاد مشاركاً بجدية، ومتواصلاً بدماثة مع الجميع، ومتحملاً مسؤوليات ثقافية هامة، فهو الآن ومنذ بداية هذا العام، مقرر لجمعية الترجمة في الاتحاد.. هذه المهمة التي يعود لاستلامها من جديد، مع الإشارة الضرورية إلى أن التكريم اقتراح زملائه في الجمعية منذ بداية العام الماضي، حين لم يكن مقرراً.
مبارك لك أديبنا المكرّم هذا الاحتفاء، وأنا على يقين من أن جهودك الثقافية، ورسائلك الالكترونية ودعاباتك المحببة لن تتوقف…
وهي من خصالك المميزة التي تترافق مع جديتك في العمل، وحرصك على الإنجاز، وصدقك في التعامل…
إنها موهبة أخرى.. أن تستطيع أن تمنح الابتسامة للآخرين، فتخفف عنّا بعض ما تراكم من قنوط واكتئاب.. وتدفعنا لأن نرى في الحياة بهجة وسعادة ولو إلى حين!.
شكراً لكم حضوركم أيها الأصدقاء الأوفياء الطيبون..
شكراً لأديبنا إنجازاته وجهوده..
ومبارك لك صديقنا عبود كاسوحة ولنا ولكم وللثقافة هذا التكريم..
ودامت عطاءات المجدين الموهوبين الصادقين…
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
غسان كامل ونوس