… في القلب
غسان كامل ونوس
لم يبدأ بك، ولا ينتهي..
هل كان في البدء خيارٌ، وهل هذا خيار؟!
الداعي يغيب، ولا صوت أو صدى.. والدعوة مبهمة، والملامة تحتار على أيّ عصب تحطّ، والندامة تتخبط في أيّ هوة تغور؛
النبض، ومن أوقده؟! الخطو، وما أسرجه؟! اللحن، ومن أَداره؟! التوق، وما أُوارُه؟!
اللهفة وما حثّت. الوعد وما هيّج!!
الوقت، ومن حدده؟! الموعد من أخلفه؟!
لستَ في وارد الانكفاء؛ فالأرض جهات، حتى لو لم تكن مطروقة!
والنسمة لم تنتهِ من الإسرار..
والضوء لم يتعب من تَوالِيه، ولا الأمل يتخلّى عن تَعالِيه، والصمت ما يزال مكمنَ الهجس والوسواس والانبجاس..
… ليس انهزاماً؛ بل وخزة في القلب، ليحفّز الدّفق الأغنى.. ربما!
وليس انتصاراً؛ فالاصطراع مستحضر.. حتى مع النفس!
وليس استراحة المغامر؛ لستَ مغامراً إذن؟!
وليس نكوصاً، ما دمت قادراً على اتخاذ القرار..
العكارة ليست بسبب تخويضك المحموم فحسب، والنهر لن يرجع أو ينتظر أو يستقرّ، ولا الجريان بحسبان، ولا الضّفّة متّكَأ للرّاحة أو للشّرود.. ولا للتطلّع شرفات، ولا للآفاق ذرا، ولا للخلاص علامات فارقة!
أنت لم تأسنْ، ولم تأنسْ، وما كنتَ زائراً تائهاً، ولا ضيفاً طارئاً، ولا سارياً بلا نجم أصغر أو أكبر، ولا عارياً تحتاج إلى براءة أو سذاجة لتعترف، ولا مأخوذاً بذؤابة وطيف، ولا لائذاً أو عائذاً؛ فما كنتَ واهماً، وما أنت مخدوع بالأكمة، ولا مستطير إلى رحيق وبريق..
لكنّها الحكاية ولزومياتها، والقضيّة وانشغالاتها، والرّحلة ومحطاتها، والمهمّة التي لا تُستَرَدّ، والغاية التي لا تُحدّ، والأمانة التي تستغيث، والثقة بأنك المعنيّ!!
لستَ على مُفْتَرَقِ طرق أو مُنْزلقِ أفق؛ فحيث تُوَلِّي ثَمَّ قلق وهمّ وعثرات، والتحسّس ليس مرضاً، ولا علاجَ يرتجى؛ والاستشعار ليس هلوسة، ولا تعويذةَ تُستنهض؛ والتلويح ليس هذياناً، والتحسّر ليس جُبناً، والخيبة ليست انتحاراً، والخذلان ليس قدراً، ولا الهَجْس خسراناً..
ولستَ خائفاً؛ فالآثم يتلوّى، والعفو مَضْيَعة للقيمة أحياناً، ولا في البال انتقام، والتروّي يُشعل حتى الاخضرار، والمصابرة علقم، والواقف ليس أقلّ جريرةً من المنحني، والرائح ليس أكثرَ تعلّلاً من الراجع!
السلة امتلأت وخزاً، والجدوى تنهدّ في الثغور؛ فهل هلَّ أوان العبور حتى إلى دُوار آخر، في الأُسّ المُكتوي، أو المدار الملتوي؟!
لم يكن لوصول الغيمة موعد، وظِلُّها أحرقك؛
فهل تحتاج إلى الشمس، أو بغيمة أخرى تغتوي؟!
***