الفئة: ما كُتب عنه
بقلم: عوض سعود عوض
الناشر: موقع وزارة الثقافة
تاريخ النشر: غير محدد
رابط النص الأصلي: 

الراجع»
________________________________________

لا شك ان الأديب غسان كامل ونوس يكتب القصة بأسلوب خاص به، يبتعد عن المباشرة، يختلف عن الآخرين، حيث يحاول أحياناً حشد عدد من الأحداث الصغيرة، التي يجيرها لصالح الحدث الأساس، إضافة إلى ان الحدث في العادة يكون غائماً، يمكن استخلاصه من خلال اللغة، وأحياناً من خلال التلميح، او من خلال النبش في القصة وقراءتها غير مرة، وهذا واضح في معظم القصص.
يحاول القاص غسان ونوس التجديد في كتابة القصة من حيث الشكل، فالقصة عنده مقسمة إلى عدد من المقاطع، بين كل مقطع وآخر نجمة، باستثناء القصة الأخيرة المقسمة هذا التقسيم، بالإضافة إلى تقسيم آخر، حيث قسمها إلى أربعة ترقيمات، ومعروف ان التقسيم هو أحد سمات القصة الحداثية، يريح القارىء، لأن كل قسم يتضمن جزءاً من الحدث، يكمل القسم الذي قبله او بعده، تكتمل الأحداث او الموضوع باكتمال القصة.
أحداث القصص تتركز في الغالب على موضوعات اجتماعية لها علاقة بالوضع الاقتصادي والحياتي للناس، كما ان العديد من القصص تحكي عن الريف، وهذه ميزة لصالح القصة، خاصة حين يحاول ان يقارن بين الماضي والحاضر، حين كانت القرية تعتمد على سيارة واحدة، تذهب إلى العاصمة او إلى المدينة القريبة مرة واحدة في اليوم، ثم عن الحاضر والوضع الاجتماعي، وهذا نلحظه في قصة «الموعد».
للقاص مع الحلم حكاية، لكون الحلم سيد البشرية، الإنسان يحلم ليحقق طموحاته، ليحقق الأفضل، فعن الحلم وخيباته في قصة «رؤيا»، إذ يظل الحلم بعيداً عن التحقيق لأن الرغبات تتحقق بعيداً عن الأحلام وبعيداً عن الواقع المتخيل، ومع ذلك يبقى الحلم مكسور الجناح غير قابل للتحقيق، ولا حتى لاستمراره كحلم، ومع ذلك لا يتخلى الإنسان عنه، وهذا ما يوصلنا إلى الظلم الذي يحصل نتيجة طبيعية لوجود أناس لهم مواقف سيئة، أناس ربما يقومون بدور المخبر، فالذين وقفوا منهم مواقف سلبية ذهبوا دون رجعة، وهناك أمثلة عديدة عن ذلك في قصة «قبل الوصول».
أما عن معاناة المرأة فثمة أكثر من قصة تحدثت عن ذلك، فهي محتقرة ووضعها سيىء، وصفت بأنها جثة لا تقبل الموت في قصة «الجثة»، وعن العلاقات الزوجية التي تقيد الزوجة وتجعلها خاضعة للرجل في قصة «شهامة».
لا يغفل القاص الحديث عن المعوق، إنسانيته ودوره في الأسرة والمجتمع من حيث الرضا عنه او الشفقة عليه، فقصة «العزاء» تحكي عن موت معوق والحزن عليه، وما دمنا في مجال الأسرة والأبناء، فثمة أبناء يوجهون أسئلة صعبة إلى والديهم، حيث يسأل الطفل او المراهق أسئلة الإجابة عنها غير مقبولة وفيها إحراج، هذا ما ذكرته قصة «ولدي».
يحكي في قصة »التابع» عن رجل يكون ظلاً لسيده، يؤدي عمله على خير وجه، يعيش على هامش حياة معلمه الذي يخضع له خضوعاً تاماً، المهزلة انه عندما يترفع يصير بحاجة إلى تابع، إلا انه يقنع ذاته ان لا أحد غيره يصلح لذلك، نظراً لخبرته السابقة وتفانيه في العمل.
ثمة موضوعات أخرى تناولتها المجموعة يصعب تناولها كاملة في هذه العجالة، لاحظت ان القاص لا يعتمد كثيراً على الوصف، وإن ظهر في القصة فليؤدي وظائف عدة، فهو يكمل السياق السردي، وله ميزة جمالية، وعلاقة بالذكريات والمكان، وهو هنا في هذه المجموعة ليس إضافة او استطراداً، بل هو جزء من النسيج القصصي، لأنه يأتي من خلال الحدث او اللغة دون تركيز مباشر، أما الزمان فهو الماضي في القصص، وهو حاضر فيها، ولا أدل على ذلك من عنوان المجموعة «في الزمن الراجع» التي تتحدث عن الماضي في محاولة لاسترجاعه عن طريق التداعيات او المونولوغ.
أنتقل إلى اللغة عند القاص غسان، والتي تحمل خصوصيته، فهي ليست لغة عادية ولا شاعرية، بل هي بين بين، هي باختصار لغة قص جميلة تؤدي غرضها، وإذا شئنا مثالاً فمن قصة «في الزمن الراجع» صفحة 127: «الطريق متضاغطة بشغب الحيوية، ومشغولة بهسيس اللهفة، وترانيم الخصوبة، عيون تتناعس وتتجاحظ مترقبة ومتتبعة أطيافاً وقامات متوحدة اللون، متشعبة الأفكار والأحاسيس… ايقاعات الخطو المنثور تتواتر متفلتة للتو من قيود الوقت ورشقات المعرفة التي تخطىء وتصيب…».
القاص يستعين بالتراث في محاولة لتقريب الأحداث وجعلها أكثر فهماً، إضافة إلى جعلها تنطبع بطابع المحلية، كما في قصة «رؤيا» في قوله: «لا يستطيع الانفراد بالشمس، ليحكي لها ما رأى، كيلا يتحقق! هذا ما كانت توصي به أمه…» صفحة 7.
أما في مجال الحكاية ففي قصة «ولدي» لنقرأ هذا المقطع الدال على ذلك: «زوج السلطان ابنته للشاب الشاطر الفقير، وأسكنهما في قصره، انزعج العريس الذي يريد ان ينفرد بعروسه بعيداً عن العسس والحرس… فظلا ينامان والسيف بينهما …» صفحة 37.
أما بالنسبة للعناوين ، نلاحظ عدم اهتمام القاص بالعنوان ، علماً ان العنوان هو الواجهة التي تشد القارىء ، وصار له في هذه الايام دور هام لأنه جزء لا يتجزأ من عملية الابداع فالعنوان الشاعري الفني المناسب له تأثير في القصة وفي النفس الانسانية وفي المستمع ، فاذا استعرضنا عناوين المجموعة نجدها : « رؤيا – قبل الوصول – الجثة – العصا- طاقة – التابع- في اللجة- شهامة- العزاء- ولدي – الموعد- في الزمن الراجع – ثقب اسود » نجد ان تسعة عناوين مؤلفة من كلمة واحدة ، ومعروف ان الكلمة حيادية، وهي في الغالب لا تعطي الالق والجمال للعنوان ، إلا في حالات خاصة وغير متوفرة في هذه العناوين وثلاثة منها مؤلفة من كلمتين ، وعنوان واحد مؤلف من ثلاث كلمات، وهو الاجمل بين العناوين ولذلك اختير كعنوان للمجموعة.
اخيراً قصص « في الزمن الراجع» لغسان ونوس لها طابعها المحلي ، وفنيتها الخاصة بها، هي بحاجة الى مزيد من النقد لتسليط الضوء عليها وتبيان مالها وما عليها .
عوض سعود عوض
هامش
* في الزمن الراجع» قصص – غسان كامل ونوس – تقع في ثلاث عشرة قصة قصيرة ف
ي 158 صفحة من القطع المتوسط، اصدار خاص ، طباعة دار عروة طرطوس عام 2007 ، اما اصدارات الكاتب فهي : تسع مجموعات قصصية وثلاث روايات وديوان شعر.

اترك رداً