في رواية أوقات بريّة..فوضى القيم .. وصدمة المدينة
________________________________________
النقد الادبي على قلته في الآونة الاخيرة ولا ندري اذا ما كانت النصوص الادبية وحدها السبب في عزوف وتقصير النقاد عن الخوض في هذا المجال,
و ربما انتشار واسع لنقاد قلما امتلكوا أدوات النقد الادبي و خاضوا في مجال النقد على أساسها امام هذا الفقد للنقد الادبي حري بنا ان نشكر الدكتور غسان غنيم لتقديمه نصاً نقدياً مبدعاً في رواية اوقات برية للكاتب غسان كامل ونوس في المركز ا لثقافي في المزة.
عنون الناقد بحثه ب ( فوضى القيم.. وصدمة المدينة) دون ان يذكر ان هذه القيم قد شهدت الفوضى واكتسبتها بعد خروجها من فضائها الريفي الى فضاء المدينة.
وحلق في فضاء شخصية بطل الرواية( سعيد ) وربما كان ناقدا آخر ليحلق في فضاءات اخرى, لأننا متلقون وكل يحلق على هواه واذا ما اعتقد أحدهم ان هذا الريفي هو ريفي الستينات فأنا اجزم, وقلما أجزم اننا سنبقى نشهد على مر الزمن ريفيين هاربين من عقود الى أخرى, لأنها ليست مدنية الحياة من تبدلنا وتحفر فينا , فكما الخير والشر منذ الأزل في النفس الواحدة, كلاهما واحد في النفوس جمعاء.
يبدأ الناقد بالثناء على الغلاف الذي يوحي بصورته توحد الانسان مع الحيوان ليشكل حصانا نافراً نحو اللامكان او نحو الصحراء بمعنى الانفراد والابتعاد عن كل ما هو انسي لتبدأ الرواية غامضة شجية غير واضحة او محددة مبشرة بما سيكون في ثنايا النص, وتطبع الشخصية الرئيسية( سعيد) القادم من الريف بكل معطياته التي تتسم بالبساطة وعدم التعقيد والصفاء في العلاقات , مما لا يشبه ابداً كل ما يتعلق بالمدينة من علاقات تقوم على المر والمخاتلة والدهاء, وعلاقات ( البزنس) التي لا تعرف الرحمة او الانسانية, وعلى (الرغبة) التي تتبرأ من الحب لتزرع وسط علاقات واخلاقيات ومواصفات لم تألفها فتنكفئ وتنكمش داخل ذاتها محاولة مقاومة تيار هي اضعف من ان تقف في وجهه, إلا ان غيرها حاول الاندماج والتأقلم نجحت في ذلك أم لم تنجح بتفاوت بين شخصية واخرى وسعيد امام شخصيات اخرى ك ( سعدون, منصور..)
كان يرفض ان يتمم رغبته بالمرأة رغم ان الظروف خدمته في ذلك ويعرض الناقد للفعل الجنسي ومتعلقاته في الرواية قائلا إنها لم تأت مجانياً بل تماثلت مع احداث وموضوعات اخرى وبعيدا عن كل الصخب يستصلح (سعيد) ارضا بعيدة بناء على طلب صديق السجن(حمدان) وفلسف الناقد هذا الفعل بكون الحيوانات تأكل .. وعندما تكتفي لا تمارس الاعتداء او القتل او الاذية , والناس تأكل فتشبع فتطلب المزيد , وتمارس الأذى والظلم , وهكذا سنوات عمر سعيد تذوي في علية بعيدا عن الحياة إلا كما يفهمها تاركاً الصراع متوحداً منفرداً مع حيوانات البرية التي فهم آلية حياتها فبات يأنس اليها وتأنس اليه . تمثل الرواية مدينة اللاذقية الفضاء المكاني للرواية اما فضاؤها الزماني فيكاد يشمل الربع الاخير من القرن المنصرم (هجرات مؤقتة , ازمات للمدن لا تنتهي, ازمات الاسكان, تخديم, بطالة, فقر, بون ف الاندماج الاجتماعي).
كما تحاول الرواية تناول المسكوت عنه بشكل فيه الكثير من الجرأة ( الامراض التي طرحتها البطالة, التهريب, استغلال الوظائف والمسؤوليات للاثراء بطرق غير مشروعة , التمايز الطبقي الفاضح والواضح ).
يتمتع بناء الرواية بخصوصية تذكر بكثير من اساليب بناء الروايات العالمية وحبكة الرواية لا تقوم على التسلسل المنطقي التطوري التاريخي, بل تتداخل الفصول والمقاطع وتنقطع لتترك فسحة لخيال المتلقي, وتتشابك الاحداث والشخصيات الى درجة تكاد تتفلت إلا من القارئ الحصيف المتابع كما تتكثف اللغة احيانا حتى تصل الى درجة عالية من الفنية و الادبية, وتتوافر في الرواية مجموعة من الحوارات التي تعكس الاجواء الثقافية التي سادت الربع الاخير من القرن الماضي.
وفي نهاية البحث سألنا الاستاذ غسان كامل ونوس كاتب الرواية عن مدى استخدامه عنصر التخييل اضافة لمدى مطابقته لمقولة ( أنا بطل الرواية ولكنني لم امر بهذه التجربة)
فيقول : إن الرواية هي مراجعة للذاكرة, وصادفني كثير من الزملاء الطلاب الذين لم يعيشوا معي في المرحلة الجامعية وكانوا في جامعات اخرى ولدى قراءتهم للرواية قالوا لي انك تتحدث عنا لأن الاحداث التي عشناها قريبة جدا من احداث روايتك ..
وعن اذا ما كنت بطل الرواية.. فأنا لست بطلها وربما كانت هي بعض الافكار.. بعض الاحداث, ولكن في كثير منها لم اعشها وفي كثير منها لم استعملها تصورتها وتخيلتها وقدمتها بهذا لشكل وبالنسبة لعنصر التخييل.. إن بطل الرواية (سعيد) هو شخص كان يعيش حالة من الحلم القديم تسيطر عليه ليعيش في غابة ونتيجة تطور الوعي لديه وصل الى تلك الغابة وعاش فيها واندمج وبعدها بدأت المحاكمة العقلية لديه وهذا جزء من التخييل, ثم تختار الشخصية في النهاية الحالة البرية تختار الصحراء والعيش مع الحيوانات .
الثورة-هناء الدويري
الفئة: ما كُتب عنه
بقلم: هناء دويري
الناشر: الثورة
تاريخ النشر: غير محدد