الفئة: أدب
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: ملحق الثورة الثقافي
تاريخ النشر: 27-4-2021

أُطلُّ من هذا الركن الإنسانيّ المقلقل، على كائنٍ يتدثّر بالضوء، فيشعّ كجذوة، ويتعثّر بأحياز أغلفة الذرّات المتناذرة، على وقع تجاذباتٍ وتنافراتٍ سرمديّة.. الشعاع يعبر؛ لا يعبر، ينصاع؛ لا ينصاع، لفتاوى البوّابات اللامرئيّة، ولا يعبأ بدوراتها الفلكيّة، يحاول كلّ لحظة، كلّ نشوة، أن ينفذ بسلطان؛ لتتلاقح الكائنات، وتتنافح؛ ليتبدّد النظّارة الخاملون المبتردون، على أعتاب الكون، ويتجدّد الرعيل الخلّاق على أنفاق المجرّات.
من قال: لا درب إلّا للتبّانة؟! ومن أوعز أن لا دليل إلّا سُهيل، ولا كائنات مشبّهة إلّا الدبّ؟! ولا عابثات سوى النيازك الهاربة، أو المتمرّدة على جاذبيّة مزمنة؟!.
من قال إنّ الكائن الوحيد التابع، يتمنّى أن يبقى بلا شقيق؟! يتسلّى بلعبة الاستخباء، وينشغل بالتنامي والانخفاء، ويهلّل للانكشاف بعد انمحاق وبعد انخساف؟.
ثمّة ّأذرعٍ تصطاد فراشات الكون، ثمّة أصداء تعكّر صفو الصمت الثرّ؛ فلا الإصباح فوز، ولا الإمساء قدر، والسباحة الدائمة ليست متعة، والانخراط في متاهة الكون الفسيح، ليس فضيلة، وليست عذبةً لعبةُ العدّ، وليس الخلود على هذه الخليّة أمنية مستحيلة.
أتشرذمُ نحو باقي المدارات، أتلفّت صوب باقي الجهات، أتسامى بباقي الفضائل، وأتناهى إلى ما يستعصي على ثقبٍ أسود.
لم تنتهِ محاولات المراودة عن أويقاتِ النوم، وسويعات اليقظة، وشذرات الوعي.. لم أفق؛ فهل نمت؟!.
لم أسهُ، ولا ألهو بأقدار الكائنات، التي تلوذ مثلي، إلى لا مستقرّ لها، ولا معنى لكلّ هذا التغالي في الاندغام، ولا التعامي عن قوى الشدّ والصدّ، وليس هذا كلّه، ما كان ويكون، في سبيل لذّة دائمة، أو سكون عميم، أو رعشة حائرة!!
فهل مسّني لا بشريّ فطريّ ذاتَ ومضة عابرة؟! أرّقني مدار لقيط، وشغلني متفلّت زاهد؟!
لم أكن راضياً يوماً، أو لحظة، أو سنة ضوئيّة، ولا أسعى إلى أن أكون رضيّاً.. ولا حسبي من الزمان بضع سنين تأمّليّة وتساؤليّة، ولا أطمح إلى كثير منها، ولا أفتقر إلى تبصّر كامن، أو تذمّر معلن، ولا إلى خروج عن الإدمان، الذي أتلمّظ فيه مراوغة ومراودة؛ مخافة الصحو الماجن، والوعي المذرّر..
لست مشدوداً بشآبيب الامتنان، ولا متبتّلاً خشية افتراق وانبثاق؛ لست منبوذاً، ولا محبوباً، أو لا يعنيني هذا، ولايشغلني، ولا أبحث عن السرّ، لم أعد؛ فلا معنى لمجهول لا يُعلم، ومعلوم لا يُفهم، ولغز لا دليل على ثواب انخداعه، وتكهّن لا يقين بجدواه..
لست في وارد الكفّارة، ولا في سبيل الأمّارة الرغّابة، ولافي المجال المجدي!
ولست في مستساغ الظهور، ولا في متاع الغَرور، ولاالزمن مطيّتي، ولا السؤال بليّتي.. ولست السائل المرتجى، ولاالراغب بأن أكون المسؤول المأمول..
ليس شكّاً ولا قنوطاً، ولا تفرّداً، ولا انحطاطاً من انصدام ذرّيّ، ولا انفناء في محيط سرمديّ.
ليس زهداً ولا حلولاً، ولا تشبّهاً بما لا يُستقرّ له، ولا رغبة بالانعتاق إلى ما لا حدود لمدياته، ولا تشكّل في أحيازه..
ليست مخاتلة لتعبّد، ولا مناورة لتوسّل، ولا ترضية أو أُلهية، أو أمنية..
لا شيء منتظراً، ولا أمر ما وراء هذا الانبثاق أو الانتفاء، هذا الجلل أو هذا الصغار أو الحيد، لا بَعدَ منظوراً، ولا قَبْلَ مسطوراً.. ولست إلى ما يُرغب، أو لا يرغب، بمستهام!!..
* كاتب وشاعر وقاص

  التاريخ: الثلاثاء27-4-2021

اترك رداً