يومية سياسية تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر – حلب
دراسة مقارنة القمر بين اثنين…قصيدة قمر المعري للشاعر توفيق أحمد وقصة قمر للأديب غسان ونوس
حلب
ثقافة
الثلاثاء28-2 – 2012
محمد خالد الخضر
ماذا يعني القمر ؟ وكيف سيؤدي الغرض المنشود في القصة و القصيدة أمام تاريخ حافل بالأدب كان القمر كوكباً منيراً على صفحاته , وكثيراً ما يختلف من صفحة لأخرى . إن تطور القصة جعل لها مقوماتها المثيرة و المؤثرة … و القصة التي سماها غسان ونوس ” القمر ” تشير إلى الرومانسية وتجنح الروح الضوء الملائكي ..
إلا أن الحالة الاجتماعية والبؤس والحالة النفسية التي يسيطر عليه العمق الفلسفي تبدو جلية في واقع القصة التي بدأها في متعته بالحرية التي سيستغلها إلى آخر نفس خلال غياب زوجته و أولاده لأنه بقي وحده, وهذه فرصة لاستنشاق هواء الحرية إذ تعتمد العملية السيكولوجية الموجودة في القصة على هدف أساسي هو محاولة إحداث تغيرات في سلوك المتلقي التي تتكون منها المادة المكونة للنص والتي يتكون منها البطل والبيئة في القصة التي بين يدينا, فغسان ونوس استحضر القمر ليكون إحدى أدواته خلال انفجار المنولوج داخل نفس البطل,والحديث عن منطق التكامل الاجتماعي بين الزوجين..يدخل بطريقة فنية قضية معاناة أصحاب الاحتياجات الخاصة والنتائج المترتبة على ظروفهم خلال بنية القصة التركيبية.. أما الشاعر توفيق أحمد يعمل على تحريض الإدراك في استحضار شخصية المعري الشاعر الفيلسوف من خلال القمر الذي أنشأ فيه حالة توحي للقارئ أنه أهم إشعار ضوئي يدرك من الأرض . وهذا ما يدل على أن الشعور الذي شكل القصيدة يرتكز على الإحساس المكون من المحرضات الشعرية والمكونات الجميلة فلم يتأخر كثيرا خلافا لما فعله غسان ونوس الذي أدخل القمر في قصته بعد المقدمة وجعله من المقهورين اجتماعيا برغم جماله الأخاذ وهو يتوسط الفضاء .. أما الشاعر توفيق أحمد أوجده فورا وكان في مطلع القصيدة الذي يجب أن يكون لافتا للنظر محركا للشعور وهذا شأن الشعر .. يقول الشاعر توفيق أحمد : قلبي الكفيف , وأنت أنت المبصر لما لا أرى , والكون حولي مقمر ؟ أشعلت لي مصباح ظنك كي أرى فرأيت دربي والهداة تعثروا ومن الواضح أن إطلاق ضوء القمر يريد من خلاله إثارة المشاعر في افتعال مشكلة نفسية قائمة في الذات الشاعرة على تراكمات قد تكون راغبة في كشف نواقص وعيوب , وهذه فاتحة الحدث, وهذا ما دل عليه عجز البيت الثاني عندما قال : (فرأيت دربي والهداة تعثروا). و الشاعر توفيق أحمد من الطبيعي أن يتابع انطلاقته باستخدام تلك الدلالة المنشودة وفاتحة الموضوع ,وغالبا ما تكون حالة الشاعر نزقة أو سريعة الانفعال وهذا لا يضر فنية العمل وارتقاءه الجمالي .. يتابع الشاعر قوله : قل للمعرة أي ذنب قد جنت وبأي آلاء البيان ستغفر بكل هذا الحب يدخل حالة المواجهة التي ستعري الواقع المستمر الذي بين أسسه المعري وعانى من أجله ما عانى وتأتي محاكاة توفيق أحمد على شكل ظاهرة جميلة لتكون أكثر أثرا في النفس في الانتقاءات كافة سواء كان الانتقاء الموسيقي أو انتقاء المحسنات اللفظية أو الدفق العاطفي .. فقبل أن يكشف الجرح ويعري الألم سيقنع المتلقي أن الرابط بينهما هو الإحساس والشعور والحياة المشتركة على أرض هي أغلى من الدم .. يقول الشاعر : يا من أسأت الظن في هذا الورى في ظنك الصدق الذي لا ينكر أما القاص غسان ونوس يبقى الصراع داخله مشتعلا إلى أن يقول : (لن تستمع إلى الأخبار, تعرفها, متشابهة, لست مضطرا للترجمة: الصور ذاتها , الأشخاص لايختلفون كثيرا, ضحكاتهم الموتورة, ابتساماتهم الموبوءة , أناقته المبالغ فيها .. ) فالفعل الإبداعي ووجوده عند الاثنين غايته تحقيق الأهداف السامية للإنسان الذي يستحق .. فكلاهما وصل إلى حد تعرية الأمور , و كلاهما بين أن القمر أصبح مظلوماً و أن الإضاءات الأخرى مكونات مشوهة مشبوه سيئة , و يرتكز النصان على نبوءة تمتلك رؤية بعيدة تبين نتائج استمرار الخيبة من خلال الخصائص التي يمتلكها المبدع و سلوكه لإظهار خطر المألوف أمام نظرية جدلية بين المبدع و من يتلقى نتاجاته , و كثيراً ما تهمل تلك الرؤى أو يتعرض صاحبها إلى مجاملة ساخرة بعد تراكم الكم الهائل من التخلف الذي بات من الصعب أن تقوم بين أهله و بين الأدب أي علاقة تساهم باستبداله .. فما الذي تغير منذ عصر المعري حتى اليوم؟ .. تلك إشارات و تساؤلات موجودة عند الشاعر توفيق أحمد و عند القاص غسان ونوس .. لقد تعرض المعري إلى السخرية و الضرب و ما حبسه نفسه إلا إقرار بالتردي , و إن كان ثمة تطور فوسائل الضرر و الفتك بالإنسان و بيئته وحدها التي تطورت, فالذي تعرض له المعري قد يتعرض له حفداؤه من مجتمعهم وأهلهم وناسهم , وتترنم وسائل الإعلام منتشية بدورها المؤذي .. ولعل غاية الأديبين هي العمل على حواس وأحاسيس المجتمع لمحاولة خلق مصالحة إنسانية بين المبدع و المتلقي .. عسى الآخر يدرك أن الأول يعمل على احترام وجوده , و لعل الشاعر توفيق أحمد خفف عن الصورة الشعرية ببعض المحسنات المجازية حتى يتمكن من تركيب العبارات الشعرية بشكل متماسك ملتزم بنظرية التوازن الموضوعي الذي يسهل على القارئ فهم المبتغى , ويوفر عليه جهد التنقيب وراء المكونات الأخرى المترفة وإن كانت على أهمية بالغة من الجمال .. والقاص غسان ونوس الذي استطرد قليلاً على شاكلة الجاحظ ليربط – خلال مخيلته التي كانت وثابة تجاه تكوين النص بين الأشياء المناهضة للإنسان و بين الصراعات النفسية الموجودة لتجسيد فداحة الأذى المتوقع.. إلا أنه ترك لنا شيئاً من المساحة الأخرى لنشتغل على الدلالات والرموز أمام تلك التساؤلات : ( لماذا القمر وحيد ؟ … هل كان للأرض قمران أم أقمار؟ .. هل فاز قمر بالبقاء لأنه مطيع باهت ؟ ! و لماذا القمر؟ .. ما فائدته و ما جدواه ؟! .) .. ومن الواضح أن الزمان هو الأهم عند الكاتب ليعمل على شمولية الحدث و تعميم الموقف , فليس بمقدورنا أن نجد مكاناً معيناً يدور عليه الحدث فالقمر يغطي كل شيء يمكن أن نراه حولنا , و قد يغطي الكون و هذا هو المفترض والواقع, والمسائل المتناقضة المطروحة خلال السرد القصصي مسائل تبدأ عندنا وتنتهي عند الآخرين .. فوسائل الإعلام عند الآخر تعمل على أذانا بشكل أو بآخر .. و الإشكالات النفسية و الآلام موجودة عندنا , وهذا هو الرابط الوحيد بيننا و بين الآخر .. فالمكان هو الدنيا و الزمان يخصنا جميعاً و يخص من ذاق ما ذقنا و عرفنا .. و نجد خلال النص أن الظلام بدأ يحيط القمر , و على تلك الحالة يتراجع الأمل و يشتغل الكاتب على تبديد الظلام و إعادة الحق إلى القمر .. ربما القمر بعد كل ما رأى أختار مصيره كما سيحصل لبطل القصة .. كلاهما استطاع أن ينقل حالة أشعلت إحساسنا في مرور ما يجري على موهبتين لإنجاز عملين واعيين .. و توضيح تلك المأساة القائمة من خلال البنية النفسية التي اعتمدت على ذلك الصراع النفسي الذي كان في داخل كل منهما .. الشاعر توفيق أحمد يقول : قم و اشهد الدنيا تلوث بعضها في طينها العبثي ضاع الجوهر يحاول الشاعر أن يخرج من ذهنه أحاسيسه و أفكاره مدركاً أنها تنطبق على الواقع إذا وجدت المناخ الملائم .. أمام استنكار شديد لما يجب أن لا يكون ..ثم يتساءل بشجن : / لما لا نرى والكون فينا مقمر ؟! / . و لعل القارئ يجد الجواب على هذا التساؤل في قصة ” القمر” في ذلك الرابط الموجود بين السؤال هذا و بين الشبه السافر الذي نراه على وسائل الإعلام و التطابق الشديد للرسوم المتحركة التي باتت تحركنا أمام هذا المد من الصبر و التصبر , و أنا لا أجد بأساً في خاتمة القصيدة عند توفيق أحمد: هي كل ما أبقيت لي من غصة في الكأس يسكرها الحنين و أسكر ويمتد السؤال أمام انتقاء النصين قصة القمر لمؤلفها القاص غسان ونوس وهي من مجموعته ” في الضفة الأخرى” وقصيدة قمر المعري وهي من مجموعته ” جبال الريح ” .. يمتد إلى العمق المتجذر صوب أمل قد يعلنه الأدباء في الشبه الكائن على ذلك الهدف الإنساني مهما تباينت الآراء يذكرنا هذان الأديبان بمدى أهمية تأدية الأديب لواجبه و أهمية الوعي الثقافي في مجتمعاتنا .
E – mail: jamahir@thawra.com
مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية