ليس آخراً
خفف الوطء..
غسان كامل ونوس
خفّف الوطء.. وحاذر أن تظلِّلَ أيَّ قانية؛ فما غادرتِ الشريان لتتخثّر، وما انتثرتْ لتتبخّر؛ ولا الشلو الذي ترك الجسد استقرّ في ركن ليتخفّى، ولا تعلّقَ مشربيةً ليتهرّب، أو تَعانَقَ غصناً ليترمّد..
خفّف الوطء.. فقد كان خطوي هناك قبل حين، وقلبي كلّ حين؛ وكان يمكن –وما يزال- أن لا يكون!
ليس خطوك أقلّ اشتعالاً، ولا الكائنات التي تسامت بعد حين، وهي تصطكّ ولا تشكو، وتكتظّ بلا أنين، أقلَّ انشغالاً، أو أخفضَ هاماً، أو أخفت ابتهالاً..
والأماني التي طوّفت عند إحدى بوابات الولوج أو مسارات الخروج، لم تكن تعبأ بالذي قد يعاند السمت، أو تكترث بالمنايا تربّصتْ بالحلم في أطيافه الدنيا؛ لم تكن في وارد المنتهى؛ والهموم لا تعدّ، والوقت منعقد، والجهات تُستشعَر، حين لا تُرى من دخان قريب وشبه انسدال..
المكان متَّسَع، على ضيقه، من الأنفاس التي لا تنوس، والرؤى التي لا تنام، ولا تبترد؛ فهي لا تُؤخذ بالشبهات، ولا تُستدرَج بالشهوات والنزوات، ولا تطأطِئ لتعبُر، ولا تعنيها العتبات ولا العثرات..
خفّف الوطء.. كي ترى مُهجاً تشرق بعد احتراق، وتلتقي عيوناً تضيئ من بعد انبهار، وتتقرّى مساماتٍ ما تزال تصغي إلى نجواك، من بعد أصوات التمزّق، ونسيس التحرّق، والنداءات المخنوقة!
خفّف الوطء.. أو أَسرِعْ لتلحق بالركب الملفوف بالعلم، أو لتسهم في مزيد من ارتقاء السارية التي ترفرف فوقها الراية المطرزة باللهفة والتوق والحب..
أسرع لأنّ الموكب لن يتوقّف، والطعنة التي تغلغلت في الصميم، تجاوزَها الجرح الذي قد يُنكأ كلّ آن؛ والفسحة التي تحتشد فيها المسارب، وتتضاغط فيها المواجع والهموم، وتتسابق فيها الأرواح، لم تعد تكفي للاحتفاء باليقين!
خفّف الوطء، قالها منذ زمنٍ “الأخيرُ زمانه”، من نهض عبر السنين، من بقي مفتَّحاً رغم المجاهل والحدود المقامة منذ “الأوائل”، وقد اجتاحت مرة أخرى حقولَ الخصب ومداراتِ الوعي، مشحوذةً بشيفرات عصرية ورؤوس جاهلية؛ قالها من وقف، وما من شكّ في خطر المواجهة المتّصلة، التي ما أرادها إلغائية ولا قاطعة ولا محدودة؛ بل معجزات فكرية وإنجازات إبداعية إنسانية، تستحقّ أن تكون عابرة للمفاصل الزمنية الوهمية، وتتجاوز العوائق العقليّة والعوالق النفسيّة.. لأنّها فوق الانتماءات والولاءات والانقسامات.. ا
خفّف الوطء.. قالها الأعمى الثائر من مستوى لا يدانى، الندُّ في العلا، المتأمّل المحاور الفذً، سلاحه الكلمة والفكرة والأسئلة والإقناع؛ لا الحزّ والتجريم والتفخيخ والتدمير، بضاعةِ المفلسين الشاحبين الحاقدين..
خفّف الوطء احتراماً لأديم الأرض الذي قد يكون للأجساد الفانية فيه ذرات، تحلّلت بحكم الطبيعة؛ فما بالك بمن يلقي الأجساد النابضة أشلاء وذرات، قصداً وسبيلاً وغاية؟! وهل سيُقدِّر تمثالاً حتى لو كان -بل لأنّه- يخصّ مفكراً حكيماً فيلسوفاً؟!
خفّف الوطء.. أو أسرع، شغفاً ورهافة وسقيا، أمنية ورؤيا، تطوف ممن على البُعد، حتّى لو لم يحيِّ، يُحْيينا، وفي القرب يؤازرنا، ونحن ننهض من مواجهة أخرى متوقّعة، وسننهض دائماً؛ لأن بيننا من يحمل قِيَمَهُ وأفقَهُ وشجاعته، وطيفه الوضّاء، ولو كان مجسّداً في قامة من صلصال، حتى لو أصبحت بلا رأس! وسنمضي بخطا واثقة، مرفوعي الرؤوس، حتى لو تتوزّع أكبادُنا أديمَ الأرض كلّ حين.
***
غسان كامل ونوس
الفئة: زاوية
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: الأسبوع الأدبي-ليس آخراً
تاريخ النشر: 2013-03-02
رابط النص الأصلي: http://www.awu.sy