الفئة: ما كُتب عنه
بقلم: رياض طبرة
الناشر: تشرين
تاريخ النشر: غير محدد
رابط النص الأصلي: 

25/11/2007

خطايا غسان ونوس في «الزمن الراجع»
رياض طبرة
اتسع الزمن الراجع عند الأديب الصديق غسان كامل ونوس إلى سيل من الأسئلة ومعظم هذه الأسئلة لاتحتاج إلى إجابات سريعة لأنها تتعلق بأشياء أوسع وأبعد من الزمن الراجع الذي اختاره الكاتب .

للتعبير عن فترة وقتية محددة هي فترة العودة من المدرسة وهي بالتالي تكتفي بذاتها لكن من سمات هذا الزمن أن الأشياء فيه، تختلف تتحور الألوان وتجهد الأطياف كي يبقى لها حضوراً مجداً تتسارع المشاهد (رغم) أن الخطو وئيد والايقاعات تضطرب وتتوالد المنعطفات والمنعرجات ص130 وللزمن راجع تقويمه حاضره المنحدر باندفاع إلى الماضي مع غموض في الأفق الآخر.

ومثلما ينفرد الكاتب بالتقاط الزمن الراجع ينفرد أيضاً بأسلوب من القص المعتمد كلياً على ضمير المتكلم لما في النفس من أمنيات وأحداث وتواريخ وربما هلاميات لايعرفها إلا الله… ‏

ولولا كلمة قصص في أسفل لوحة الغلاف وقصص قصيرة في الصفحة 2 لكان كتاب ونوس.. «في الزمن الراجع» نصاً مفتوحاً وعصيّاً على التجنيس الأدبي حيث تتداخل الخاطرة مع الحكاية مع المونولوج مع الزاوية الأدبية أو«المقالة» حتى إذا وصلت في القراءة إلى قصة «في الزمن الراجع» التي طبعت المجموعة بطابعها من ص127 إلى ص 136 وجدت أن القصة تكثفت بسؤال هو المقدمة وبعد ذلك عرض ثم خاتمة في صفحة واحدة أما كل ذلك التقديم فإنه لم يضف المطلوب المراد لجعلها قصة… ‏

ثم تأتي قصة ثقب أسود لتكشف لنا شخصية قديمة جديدة تحيا بين الناس مع أسئلة عارية ـ الوعي ـ وماذا يعني هذا الوعي ومامعياره ومن يحدد جدواه ومن يتفق على تعريفه هل يظل الكون يتمدد إلى مالانهاية؟ أم أن وقفاً سيجيء يعود فيه إلى الانكماش يمكن أن يأتي يوم ينفجر فيه كوكب ما أو يقترب مذنب شارد أو مبرمج من الأرض ليصطدم بها ويشطرها أو يبتلعها ثقب أسود: ‏

«أقول في سرّي ليت هذا يحدث أتخلص من الأوامر وعليّ وعلى أعدائي يارب. ‏

ولأنني لاأرضى لغسان ونوس أن يقول على لسان أحد أبطاله مثل هذا الكلام فقد ذهبت أبحث عن ماضي غسان القصصي في محاولة لتفسير هذا التفلت من أصول القص مع الإشارة إلى أن تأثير الرواية واضح تماماً في أسلوب الزمن الراجع. وقد عثرت على مجموعته القصصية (العائذ) وأعتقد أنها خطوة جريئة في عالم القصة القصيرة في سورية مضموناً وأسلوباً وطريقة تعاط مع المألوف وغير المألوف من الأحداث. ‏

في «العائذ» وهي مجموعة قصصية صادرة عن مطبعة اياس عام 2000 قاص آخر وقصة أخرى وبعناية واضحة بالقصة والطباعة مع غياب شبه كلي لضمير المتكلم إذا ما قورن بالمجموعة الجديدة التي اعتمدت هذا الضمير من أولها إلى آخرها وكأنما هي مذكرات تحت عنوان قصصي… ‏

وتكفي قصة «الدبيت» القصة الثانية في «العائذ» للتدليل على ماذهبنا إليه من أن غسان هنا في هذه المجموعة واضح المعالم يعرف ماذا يريد والخطاب لديه تجاوز مرحلة الشجاعة والاقدام إلى مرحلة الفضح والتعرية فيما تفتقد مجموعته في الزمن الراجع إلى مثل هذه الجرأة وهذا الوضوح. ‏

هل مرد ذلك أن غسان صار عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب وكفى الله الكتاب المتاعب لاأظن ذلك إنما المسألة تتصل بجدوى الكلمة عند غسان والمؤلف من هذه الجدوى فتحمل المسؤولية تكشف مدى العجز عن تغيير الواقع على الرغم من معرفة سبل ذلك لأننا أمام علاقات متشابكة. ومن هنا ربما يفر الكاتب إلى الغموض إلى اللاشيء للتعبير عن الشيء. ‏

وسأنقل ماذكره ونوس في «مفترق الرماد»: ‏

بداياتك مشكوك فيها ـ ونهاياتك معلقة، ودروبك موصدة مشاريعك لاظروف مناسبة لها ولاامكانات فهل تنتظر أم تبدأ من جديد؟ ـ ‏

دورك بعيد فمديروك مزمنون ونوابهم مؤيدون وعشرات يتربصون ويرون أنهم أحق منك وأولى. ‏

أنت مسبوق في كل شيء أو متأخر في كل شيء في الشهادة والوظيفة والمسؤولية وابتناء البيت والزواج والإنجاب. ‏

ثم أجد نفسي في «خطايا» غسان كامل ونوس الصادرة عن وزارة الثقافة العام 2005 وقد لاقت هذه المجموعة اهتمام بعض الدارسين المختصين فأجد فيها ضالتي إذ إنها بداية تحول طرح القاص عن ماضيه لصالح مستقبله ففي «خطايا» القصة ص 119 طرح القاص فيها مالايقل عن مئة سؤال لتتشكل القصة من عديد هذه الأسئلة وليغدو السؤال حاملاً للنص مخلصاً ومنقذاً وفي الوقت ذاته يغدو السؤال عند ونوس آلة تصوير تضغط على الكلمة المناسبة في التوقيت السليم. بحيث لايموت الذئب ولايفنى الغنم.. ‏

إن الاتكاء على السؤال ضرورة ولكن الافراط في هذا الاتكاء هروب لامبرر له أمام حقائق يمكن ادراجها من باب الانحياز إلى الخير وحده أو إلى إدانة الشر وحده.. ‏

باختصار غسان ونوس مطالب أن يظل وفياً «للعائذ» لاحامل خطايا في الزمن الراجع وحده. ‏

اترك رداً