«خطايا» غسان كامل ونوس تمايز في السرد والحكاية واللغة
الوحدة
ثقافة
الثلاثاء 14 / 2 / 2006
سليمان يونس محرز
– الكتابة المختزلة – السمة التي تتصف بها كتابات الأديب:
غسان كامل ونوس. رغم ما لديه من هواجس وأفكار تتداعى حين يخطّ عبارته المنتقاة على مهل فلا تحدث إرباكاً عند قراءتها لكنها بعد أن تلامس شغاف الروح لا ندري ما الذي يمكن أن يحدث. فوجدناه حين كتب الرواية
قد أبدع, وفي كتابة الشعر كان أروع أما في القصة القصيرة فأبدع وهذا ينطبق على مجموعته الأخيرة (خطايا) الصادرة عن وزارة الثقافة. التي بدأها بقصة /المطمورة/: التي اختلفت أمكنتها وأزمنتها- وغلاء الأشياء التي احتوتها…?!.
فتنوع أشخاصها وغايات كل منهم في امتلاكها.. حملت حكايا وقصصاً متنوعة ومزايا متعددة عرضت بلغة صافية – سهلة- معبرة – غنية بتراكيبها وألفاظها المتجانسة فليست معقدة ولا ركيكة تسعد العين برؤياها – وتبهج القلب بلمس محياها.
تلاحظ في القصص وحدة اللغة المتماسكة والفكرة المتأججة إحساسات متدفقة تجعل القارئ يغرق في محيط الإبداع ويجعله مسافراً على متن بساط الريح الشعري حيث العوالم الجميلة والخيال والصور المتدفقة..
وهذا يقرّ عملية ربط الجمل القصيرة الدّالة على الشعرية فيغمسها الكاتب بماء الشعر العذب – الصرف الصافي. حيث يجد القارئ حالة إبداعية متجددة في كلّ قصة من قصص المجموعة. ونأتي على الأهم فيها التي تحمل العنوان: (خطايا): تلك الخطايا التي نرتكبها بقصدٍ أو غيره بوعي أولا بلا إدراك لغرض ما قد لا يستحق التضحية لأجله لكنه بنظر الآخرين مهماً إلى حدِّ الإفراط وقد لا يكون مستحقاً كل الحقّ لتبدأ صفحة جديدة.
– (حين أستوقف الزمن لأسترجعه مسافات محاولة الوقوف على حقيقته. والاستناد إلى قناعات تريحني, أعجز عن تلمّس الأوتاد التي تساعدني على تسلّق المنحدرات التي وجدتني أزحف عند أقدامها. فهل كنت الضحية حقاً أم القاتلة القاصدة…?) إنه ولوج نحو العتبات في الغياب المتأصل الخارج على القوانين وكما هو غسان ونوس في كتاباته يقدم الكثير من الوعظ والدعوة للحياة الجميلة.
هي الكلمات تصبغ العبارة القصصية بأرجوان مساء ربيعي حالم لتنسج منها حكاية إنسانية لها مدلولاتها الأخلاقية – والاجتماعية وخدمة لدورها الإنساني.
(كنت أعرف ما آلت إليه أعشاش الحب, ونهايات قصص العشاق وأمنياتهم المشعلة.) القصص والقص محاولة لاختراق المألوف في ربط الأحداث واتخاذها اتجاهاً مغايراً للكتابة من حيث الفكرة ومعالجتها والصورة وتوصيفها- والجملة التي تختزن الشعرية بين طياتها.
غسان كامل ونوس في قصصه هو من يدير الحوار ويرتقي به بجعله متماسكاً في نسيج القصِّ ليس مغالاة بل محاكاة لجعل القصة في خدمة القص والعكس. وليس لديه وقت مستقطع يحكي الحكاية التي قد يظهرها البعض بلا قيمة.
لذلك يؤكد في بساط السرد القصصي على التماسك المتفرد -المقنع المختزل فيبدو وكأنه ثوب عروس حيك بعناية فائقة. لتظهر بتأنقها وتألقها كسندريلا عرس القصة القصيرة.
– في أحيان كثيرة يلجأ البعض للتخفي بارتداء الأقنعة لتغيير ملامحهم حين يمارسون فعلاً قبيحاً لكنّ الزمن لا يطول ليكشف زيفهم.
(أحياناً كثيرة كنت أحاول أن أتخفى كي لا أمارس فعلاً غير مقتنع به, لكنني الآن لا أستطيع حقاً , فهل ينتظرون ليتبينوا..?).
– أن غسان يحاول أن يعطي كل قصة أبعاداً مختلفة تنحو نحو مناحٍ متعددة بغية الاستفادة من تنوعات أفكارها ولو كانت أحداثها صغيرة جداً ولكن يخلص منها إلى تفرعات كثيرة جديرة بالاهتمام.
وهذا ما توضحه قصة (يدي) فاليد التي قطعت ليس سهلاً الاستغناء عنها فهي تقوم بوظائف عدة. ايجابية وسلبية مفيدة وضارة ويحمل موازنة بين اليدين أو إحداهما اليسرى التي قلماً تستخدم. لكن من يستخدمها يتصف استخدامها بميزات خارقة كالإصابة الدقيقة والمواجهة ورد الضربات. وسواها مع تفصيلات أخرى في عرض الحكاية التي تنوعت وتشعبت لتنتهي نهاية مختلفة.
من الصعب تحقيق كل الأمنيات – نضطر أن نتخلى عنها فتصبح أحلاماً لها مسوغاتها في التخفي والبعد قليلاً عن ساحة الذاكرة. لكنها تظلُّ تزودها بهواجس أحياناً- وفيها يتم السرد العرضي لشخصية واحدة غير معروفة تعتمد الخطف خلفاً في بعض محاور القصة والحديث بلسان الغائب- الحاضر.
كما في (الصداع) الذي يصيب سائق الرافعة ولكن القصة تتفرع إلى حكايا وقضايا إنسانية اجتماعية. ( حين يداهمني الصداع, أكاد أفقد الوعي..?!).
– (حدث ذلك في أحد الأعمدة الطويلة في سكة الحديد. نزل الخبير ليتأكد من سلامة تحضير أحد العناصر -تأخر- نسي العاملون ذلك, أعطيت الأوامر للصبِّ..?!) مجموعة (خطايا) في كل قصة حكاية وفي كل جملة منها عبرة إنسانية حبذا لو نأخذ ببعضها. فهي من سمات العِظات المستحقات أن يؤخذ بها وأن تصبح أكثر وعياً واندماجاً في بوتقة الرؤيا الواقعية الصائبة.
تلك الخطايا ليست موبقات بل حالات يساعد الكشف عنها الارتقاء في سلّم الإنسانية.
غايتها- بلاغة وفرادة وغوص في جمالية اللغة – القصة – الحدث- الأشخاص – السرد وتفرّد العبارة . تسعد الرؤيا .