حالات .. غسان كامل ونوس .. مابين سارد خجول بخيل الإفصاح وتعرية للذات الإنسانية
خلف العامر
الأحد27/2/2011
سارد مهزوز،مقهور ،مجزوء الأحلام ،هذه هي الحالة التي ألبسها غسان ونوس لسارده والذي يكون في أغلب الأحيان هو تصريح أو تلميح لقد استكثر على نفسه الأماني أو حتى استدعائها ولو للحظة ومحاولة الاحتفاظ بها ولو بالحلم وذلك أضعف الإيمان .
الضغط المحيط بالسارد والقلق الذي سيطر عليه كلياً جعله (كبندول الساعة) دائم الترنح ،التشنج سمته الأساسية والملازمة له في أغلب أوقاته حتى في بقايا صدى صوته (بدا الحلم مشوشاً والمشاهد مترجرجة والمفاصل مقلقة ،فتعذر في ترديده ،ترى هل فقدت ذاكرته المزمنة مرونتها وقدرتها على الاحتفاظ ؟! أم الحلم ماعاد مقنعاً والزمن ماعاد زمن الأحلام) وها هو شخص سارده أو بقاياه يركض من جراء احتراقه الذي طال كافة حواسه دون استثناء كما في نص(احتراق) الذي اعتمد فيه المنولوج الداخلي منهجاً وأسلوباً للإفصاح عن مابداخله ومحاورة ذاته مع مرآة ذاته التي بدت ضبابية وبات صوته لايتعدى سقف حلقه المحتقن خوفاً ورهبة وفي أحسن حالاته يتقيأ صديد أحلام أكل الدهر عليها وشرب وتعفنت في مركز الذاكرة المختصة في تداعيات الأحلام يأخذك عبر منولوجه الداخلي سير حثيث ودونما إبطاء وبلمح البصر يقودك ليدخلك في حمى سعيره وأنت في مكانك ويجبرك على ممارسة طقوس الاستنتاج والتحليل سارده في أغلب الأحيان يصطدم بصخرة العجز التي تعترضه وفي كل محاولاته التي يخطوها لايصل تفكيره إلى شيء أضعف الإيمان (قدرك أن تفكر وتتساءل وتحلل وتستنتج وخلال هذا وذاك تحلم وتيأس وتتعذب لكنك عاجز عن الموافقة ،شيء مالاتراه يجعلك تغص بالموافقة عن الإغماض ،عن السكوت ،عن الفعل ،قدرك أن ترى وتحس وتتألم .
وفي نص (ضاعت المروءة ) اتكأ ونوس على الموروث الشعبي من خلال تسليط الضوء على الحوار الذي دار مابين الفارس النبيل الذي عمل ما يمليه عليه ضميره وأخلاقه ومابين ناكر للجميل جحود للزاد والملح والتنكر للمعروف بل وقتل أهله سرد يتميز بسخرية لاذعة لأنه يريد ديمومة المعروف ويخشى موت المعروف بين الناس .
استطاع ونوس أن ينبه في (حالات) إلى مسألة هامة ألا وهي الزمن ماذا فعلنا به ؟! وكيف تعاملنا معه؟! وماذا أردنا منه ؟! وهو لم يرد منا سوى جذوة أيامنا التي نحرقها بأكبر قدر ممكن يتطلب منا الركض المتواصل سعياً للتملك وفي المحصلة ندع مانملك في الأرض التي رأينا فيها النور ونرحل لانحمل شيئاً لأن الكفن ليس له جيوب أو مخابئ (الزمن بارد نحن سخناه بالحروب والمعارك والمشاحنات كان رمادياً فلوناه حسب ما تقتضيه مصالحنا ،كان شارداً فنبهناه ) وهنا كأن الكاتب يريد أن يأخذنا إلى حوارية جرت بين الشيطان والإنسان لصنع مكيدة للإنسان وكلما قال الشيطان للإنسان نفعل كذا وكذا وكذا لايقتنع الإنسان ويزعم بأن كلما حاكه الشيطان شيء عادي جداً وعندما أفصح الإنسان للشيطان عن خطته ومكيدته التي يريد إيقاع الإنسان بها حبطت عينا الشيطان ثم صرخ بصوت اهتز له المكان قائلاً للإنسان وبحدة (استغفر الله يارجل ) ثم يعود ونوس ثانية واصفاً الزمن (كان مقعداً فمشيناه على رؤوسنا ) ثم يقودنا من ذواكرنا ليأخذنا إلى رأس السنة ليصرخ في إنسانيتنا قائلاً 🙁 هل تكفلون أن أحلامكم لن تحتاج إلى قيصريات أو إلى عمليات تجميل باهظة الكلفة) تجميل مواقف ورؤى ظاهرية يؤدي في النهاية إلى سقوط بكاء مر.
وفي لحظة أقرب ماتكون لرسم صورة للوحة كاريكاتيرية اعتمدها الكاتب في نص(الأنانية) صور الأنانية وعرفها بطريقة ساخرة وصنفها من بين الأمراض المزمنة والمستعصية حتى بين المثقفين والمتعلمين وفي لقطة كاريكاتيرية أخرى يصف لنا مشهد امرأة وهي تنتفض كالملسوعة في عيادة الطبيب عندما سمعت الطبيب يقول لشخص من عائلة عادية أي عائلة فقيرة (انتبه لنفسك فالسكري لايرحم) وكيف صرخت المرأة بالطبيب والمريض قائلة 🙁 ييه اتشرشح هالمرض) وخرجت صافقة الباب وراءها بعنف.
وهنا يكمن دور الأدب وبراعة الأديب في التقاطه ما لا يلتقط وكشفه وتعريته زيف الإنسان وتمزيق أقنعته التي تخفيه وان لم يكن للأدب هذا الدور فسيفرغ من محتواه ويصبح مايكتب أشبه بالهراء والحشو واللغو لا جرس موسيقي فيه ولاصورة واضحة المعالم ولاحتى خيال لها أو لبقاياها وهنا سترى الورق في أسوأ حالاته ستسمعه يئن من ضغط تنافر الحروف التي تجتمع على صدره مسببة له الضيق والحنق والأرق وقد يصاب (بأبو صفار)
الكاتب في سطور: غسان كامل ونوس 1958 صافيتا طرطوس مهندس مدني منذ عام 1981 عضو المكتب التنفيذي لاتحادالكتاب العرب رئيس تحرير جريدة الأسبوع الأدبي حاصل على جائزة محمود المسعدي في القصة القصيرة من مركز الوطن العربي للنشر والإعلام (رؤيا ) في الإسكندرية 1990
حاصل على جائزة ايبلا للشعر في سورية 1992.
الفئة: ما كُتب عنه
بقلم: خلف العامر
الناشر: صحيفة الفرات
تاريخ النشر: 2011-02-27
رابط النص الأصلي: http://furat.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=2117783020110227005101