بين بريق العنوان.. وسـحر المقدمـات.. النص يتفوق
ثقافـــــــة
الاثنين 17-9-2012
فاتن دعبول
إنها إشارات وربما رسائل تقدم للقارئ وجبة قد زينت بما يطلق عليه» «عتبات النص»، فبعد الغلاف تطالعك المقدمات، ومن ثم الإهداءات، لتدخل بعدها إلى مضمون النص، في محاولة من الكاتب تقديم منتجه الأدبي بالصورة الأجمل، فماذا يقول الأدباء في ذلك…
الأديب غسان كامل ونوس:
خصوصية أحترمها
للكتاب خصوصية أحترمها، وأحب أن تحترم، حتى قبل أن تؤكّد قراءتُه قيمته وجدواه، وأن تحترم خيارات المؤلف، ويتعامل معها بجدّية واهتمام: موضوع الكتاب، شكله وحجمه وإخراجه الداخلي.. وأتمنى أن يكون فعل تجاوب القارئ مع الكتاب بكليته، أو ردّ فعله حياله، منطلقاً منه، وليس ناجماً عن تأثّر خارجي متداول، أو رأي مسبق يتعلق بسمعة الكاتب أو شهرته، من دون أن ننسى أن ذلك ليس سهلاً، ويحتاج إلى متلقٍّ جلدٍ وجادّ؛ لأن هناك من يسوَّق إعلامياً بحقّ أو من دونه ولأسباب وظروف عديدة، وبالتالي قد يقبع من هو جدير بالاهتمام، ونتاجُه، في زوايا الإهمال والتجاهل والنكران.
ولا شكّ في أن انسجام العناصر الخارجية، أو العتبات التي تواجه القارئ، مع اختصاص الكتاب وجنسه وموضوعه أمر هام؛ فلا مبالغة منفّرة في الشكل ألواناً وبزخاً، ولا جمود أو حيادية زاهدة؛ولايسرق الغلاف الاهتمام، ليبدو، حين الدخول في ثناياه، أن هناك خيبة…؛ كما يفترض في عنوان الكتاب أن يثير الفضول المعرفي، فلا يقدم المحتوى مكشوفاً، فيقلل من الحافز، ولا يكون معمى يثير القنوط من جدوى التخويض في طياته،مع الإشارة إلى تنوع ذلك باختلاف الكتب ومجالات مقارباتها؛ وليس من المناسب أن تُستكثَر العتبات، ولا أن يستعرض المؤلف عضلاته، أو تقوم الدار الناشرة بذلك، أو تكيل المدائح له، كما تبالغ في عرض إنجازاتها على أيّ من وجهي الغلاف الأمامي والخلفي، أو في الصفحات الأولى؛ كما لا أرتاح لدى قراءة عبارات الإطراء المصدّرة للكتاب والمؤلف،بما في ذلك عدد الطبعات والجوائز والألقاب الأدبية والعلمية التي قد لا يكون لها علاقة في الكتاب ومتنه أو فضائه، ما يمكن أن يثير ردّ فعل سلبيّاً، وهذا ما يمكن أن تفعله الإضاءات أو القراءات أو الدراسات التي يكتبها المؤلف نفسه أو أيّ كاتب آخر، أو صاحب الدار الناشرة؛ تلك المقدمات التي لا أرى أن من المفيد قراءتها قبل الاطلاع على فحوى الكتاب؛ أو حتى بعد ذلك. لأنيها مصادرة لرأي القارئ، وتوجيهاً غير مستحب، وربما استفزازاً للبحث في آراء وانطباعات تعاكس ما جاءت به؛ ولذلك لم يستهلّ أي كتاب أصدرته بأيّ تقدمات، كما لم أكتب أياً منها لأصدقاء وزملاء، وقد دعيت إلى ذلك مرات، وما زلت أفضل أن تتم الكتابة حول الكتاب عرضاً أو تقويماً بعد نشره وبشكل مستقل عنه. وكتبت رأيي هذا قبل الآن، وما زلت مقتنعاً به ووفياً له؛مع الإشارة مجدداً إلى أن هناك استثناءات مقبولة أو ضرورية حسب الكتاب ومادته وتوجّهه.
أما بالنسبة للغلاف فلتصميمه أهمية في جذب القارئ، لوحة وكتابات؛ وفيما كان لدور النشر العامة والخاصة رأيها وخياراتها في أغلفة بعض ما نشر لي فيها، آثرت أن أختار أغلفة تنسجم مع الموضوعات المتضمنة تتشكل من لوحات أصدقاء فنانين، كما تم إنجاز لوحات خاصة أحياناً لكتب بعينها بناء على شرح أو اقتراح؛ وغالبية اللوحات هذه كان أصحابها من محافظة طرطوس،ولبعضهم تجارب مميزة، نظراً لقرب البيئة وألفة العناصر وتواشج آفاق الفن بجوانحه وجوارحه، ومساهمة في الإضاءة على ما يستحق من مواهب، تتغافل عنها عيون الإعلام!
واستطراداً في الحرص على التقليل مما قد تثيره عناصر الغلاف من انطباعات خارجية ومسبقة، فمن الأفضل أن لا يكتب عنوان الكتاب بشكل نافر حجماً ولوناً، واسم المؤلف والناشر أيضاً، وقد آثرت أن لا تثبت الصورة الشخصية، أو المعلومات المطوّلة، والاكتفاء بأسطر قليلة من المحتوى، أو من دون ذلك.
وابتدأت إصداراتي الأولى بإهداءات إلى أفراد أسرتي وبعض أهلي، عربون إنصاف واعتراف بتشجيعهم وصبرهم، وقد خرجت الإهداءات التالية عن الحالة العاطفية نسبياً، فأهديت رواية إلى «الصليّب ضيعتي»، لأن فيها أصداء منها ولها، وأهديت كتاباً في القصة القصيرة إلى «قارئ مهتم»، وقد أكّد لي بعض القراء أنهم استثيروا بذلك، وحرصوا على أن بثبتوا أنهم المقصودون، وقدمت «بدلاً من الإهداء» على شكل نص شعري في مستهل مجموعتي الشعرية الثانية، إضافة إلى إهداءات أخرى..فيما صدرت الكتب الأخيرة بلا إهداء!