الفئة: ما كُتب عنه
بقلم: أحمد هلال
الناشر: مجلّة جهينة
تاريخ النشر: 2018-04-01
رابط النص الأصلي: http://jouhina.com/magazine/article.php?id=4104

مجلة جهينة > إصدارات > إيقاعات.. (كتابات 7) لـ. غسان كامل ونّوس

في نصوصه النثرية يأخذنا الأديب والكاتب غسان ونوس إلى عوالم النصوص حينما تجهرُ ببوح المتاح، وتتطيرُ إلى رؤيتها الأكثر انسجاماً بما يعتملُ في ذاته وحركة الأشياء والعالم، حيث تتصادّى في عناوينها الكثيفة غير رؤيةٍ تسعى لقولٍ في بلاغة الأشياء وحضورها.
بل تجلياتها لمبدعٍ لعلّه أراد منها جعل نصوصه المفتوحة مشبعةً بالتأملات والحالات والتقاط أكثر اللحظات بلاغةً ودلالةً.. وعلى مستوى الشكل الفني سنجدُ اندغام نصوص الإبداع من القصة إلى القصيدة إلى البوح إلى السيرة في منمنمات روحية ولغوية تأسرُ قارئها ليصطفي منها ما هو مباحٌ على غير صعيدٍ.
هي جملةٌ من لوحات تتجلى فيها ذاتُه المبدعةُ لتكتبَ سيرة العالم مختزلاً بممكن رؤيته، بل لغة صافية تهدمُ حدود الأجناس لتشي بالنص المخترق والعابر للأجناس. وفي المقابل هي خطابٌ مشبعٌ بتحولات الأنا والذات والآخر، يحيلنا حالَ تلقيه إلى تأويلات جديدة للقلب والأسئلة، تأويلات رؤية يستطيعها النص بما امتلكَ من سلطة التعبير لحظة اختمارها الجمالي وسعيها لتشكيل الدلالة القصوى من بوح القلب وخلاصات الأثر وانثيالات التجربة، وكيف تتراءى في مراياه الواضحة الأكثر انكشافاً لذاته حينما توقّع حضورها لا غيابها كأنها اختزالٌ للعالم، وكيف يتراءى في المرايا القريبة والبعيدة المتصلة والمنفصلة، وسادنُها تشكيلٌ بالرؤيا والرؤية والحواس للعالم وحراك أشيائه وللطبيعة وما يمورُ بها، ومما يألفه القلبُ وتؤلّفه الأحداثُ سنقفُ على دراما لغة رائقة ناحلة بما يكفي أن تشي بمدونتها، بل سعيها للتدوين ومحايثة الأثر، خلاصات وجوديةٌ فيها التضادُ والمفارقات والسخريةُ والفرحُ وتلوينُ الفقد والموت.. وفي النصوص قولٌ كثيف الدلالة إن وقعتْ عليه عينُ الرؤيا ذهبت به إلى مدياتٍ وفواصل حياتيةٍ لا تشبه إلا ذاتها حتى تتكثفَ فيما يعنيه العنوان (إيقاعات) وما يعنيه الشق الآخر منه (كتابات)، فهل نقفُ على إيقاعات الزمن والذات والأشياء؟.
يفتتحُ الكاتب غسان كامل ونّوس بالقول: (هل يكفي ما تبقى من وقت لقول الكلام المباح؟)، إذاً ثمة ما يراهن عليه المبدع في محاولاته القبض على صورته الأخرى كي يجترحَ خطاباً يشي ببلاغة داخلية تتجاوز الحدود والتصنيفات لتكون كتابةً أكثر من نثرية تمتلك شعريتها التي هي الحامل لتلك النصوص الرائية الباحثة عن يقين مرئي ما بين الظلال والضلال، إذ نجده في نصٍ بعينه مخاطباً الشهيد: (شكراً لحنينك الذي عاد بك، بعد إقدام إلى منبت أعطى وربّى وأثمر، وأعادنا إلى أضمومة حزن في سبيل لمّة فرح… كنت أحتاج إلى هذه الحضرة كي أتزود، وأتجدد… ها أنت يا أنت ما كنت في الصول إلا الجنى… ها أنت.. يا أنت.. ما أنت.. إلا أنا)، تعود الذات لتكون هي المرايا، ويعبّر الآخرون ويوشحون وشومهم في الروح كذكرى وذاكرة لا تنتهيان.
والأدلّ في حديث المرايا ما قاله في (الشبيهان): (منذ متى أنتَ هنا أيها المتعاليُ المبْيَضُ، سأرحلُ عمّا قليل… مع أن في ذروتي بياضاً يزداد… لكنه مختلفٌ عن بياضك الذي يتحول… أنا الباقي إلى ما لا أعلم.. فهل نحن شبيهان؟). وتبلغُ الذات ذروتها حينما تسجلُ في (النفثات): (الجبل المشجّر أكثر حذراً من العاصفة/ تمهلْ قفْ تقولُ الشاخصة، لا تعدْ، لا تنتظرْ ما يقوله داخلك/ اللحن الذي أشرقَ ذات توقٍ أو ألمٍ/ لم يكن لديه الوقت ليتعلّم/ في الوشوشة ما يختلفُ عن الكلام المباح/ من وصَلَ إلى الرحيق ليس استشعارات النحل).
هكذا نقفُ على النصوص بسِعتها الدرامية والبلاغية والجمالية، والأدلّ هو شعريتها العالية حينما تشي أكثر مما تجهرُ.

الكتاب: (إيقاعات)
لـ. غسان كامل ونّوس
منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب
دمشق – 2017

اترك رداً