مع استمرار العدوان على سورية، وتنوع أساليبه وتحديث أدواته، وتعدد ساحاته، وفي نطاق مواجهة مفتوحة في مختلف الميادين، تظهر أهمية المدافعين في كل مجال وسمت وشكل.
ومع أن الطرق التقليدية تبقى مفيدة في هذا الجانب أو ذلك، فإن من الضروري ابتكار ما هو جديد، ليس لرد الهجوم غير التقليدي فحسب، وهذا طبيعي، بل لمواجهة مبتكرة، تتحول،أو يمكن أن تتحول إلى فعل حقيقي مؤثر…
ولاشك في أن هذا يتطلب جيلاً متفهماً مستوعباً حيوياً، واثقاً بإمكانياته مؤمناً بالقضية التي يدافع عنها، بل يهاجم من أجلها… أو يجب أن يحصل ذلك.
وإذا كان بعض هذا الجيل حاضراً قبل الأزمة منشغلاً أو مشغولاً بقضايا أخرى، جلها هام أيضاً وملح، كحال أبناء الشعب جميعاً، فإن المواجهة المصيرية تقتضي استنفاراً شاملاً، ومشاركة الجميع في الصد والردع والترميم و… البناء من جديد. وليس الصبر والمصابرة على من غاب، وافتقد، وفرغ حيزه وضاع رصيده سوى جزء من هذه المواجهة، ولقد خبرتها الغالبية من المواطنين، وتعاملت معها بشكل لائق، وبكبر وتبصر واحتمال… وهناك من تنبه وتحرك من نفسه، وبادر وضحى….
ومن الطبيعي أن يكون هناك مستفيدون من الأزمة واستمرارها وفي مختلف المواقع والجبهات – إضافة إلى المعتدين المباشرين المكشوفين أو المستترين وأدواتهم، مع إمكانية باتت وشيكة أن ينقلب الأمر وبالاً عليهم جميعاً – وإذا كانت أي أزمة لا تخلو من فوائد، إذ رب ضارة نافعة، فإن هناك من حول فوائد الأزمة التي نعيش إلى منافع شخصية إرضاء لنزواته وغرائزه وأطماعه….
وهناك من هم ما يزالون في مواقعهم يولغون فيما كانوا غارقين فيه، منتهزين فرصة غياب الرقابة، وانشغال الجهات المعنية في الجبهات الأخرى. ما يدعو إلى الحنق أكثر، أن هؤلاء الذين يجب أن يستتروا على أقل تقدير، لا يقصرون في الكلام بحماسة حول المواجهة المصيرية والتضحية بالنفس، لا بالمادة فحسب، في سبيل الوطن !
ليست الحال العامة الراهنة هينة، وليست الخلخلة في بنيان يتعرض لمثل هذا الزلزال وهزاته الارتدادية، وفي منعطفات حاسمة كهذه مسألة يسيرة، حتى في حالات الصحو الواقعي أو المزيف، أو العكر المألوف، يكون لحالات التغيير الواسع المتطلبة ارتكاساتها، لأن إملاء الفراغ الذي لا بد سيحصل،يكون عادة بشكل سريع، وبمن هو قريب، إذ لا يمكن الانتظار للبحث عن الخيارات الأفضل، فكيف إذا ما كانت الحال لا تحتمل المزيد من الانفراغات، بعدما تحلل الكثير مما كان بلا قوام، وانسرب من لم تكن صلاته أصيلة، وتحول من كان بلا هيكل متين وعقل واع، وحدثت تشوهات واختلاطات… تم استيعاب معظمها، وتجاوز الكثير من تبعاته المصدعة.
لكن اتصال المواجهة، وامتداد زمنها، وتشعب ميادينها، والخسائر الهائلة في الأنفس والممتلكات… كل ذلك وسواه يحتم أن تكون بدائل أفضل وأرقى وأجدى وأقوم، فملامح البقع الشاذة قد تحددت، وتبدت مظاهر الخلل الفاضح والقصور الموصوف، وانفرد المحتالون المنافقون المهملون العاجزون… واستمرارهم في غيهم،يترك آثاراً سلبية إضافية، فيما نتطلع إلى مؤثرات إيجابية أكثر تحصيناً للبيئة الحاضنة للقوى الخيرة المدافعة باستبسال وأثرة وفدائية، وطمأنة للجهات الحليفة الداعمة الماضية في مواقفها مع العدل والمنطق رغم الضغوط الدولية والحملات الإعلامية… وإذا لم تكن العناصر المختارة لمرحلة الجهاد الأكبر مقنعة وموثوقة ومتميزة في الكفاءة والسلوك والأداء، تكون الفجيعة، فلاشك في أن الأمر يحتاج إلى الكثيرين ممن هم حاضرون للمهمات، جديرون بالمسؤوليات،- وهم موجودون وآملون – مستعدون لبذل الطاقة والجهد، والتضحية بحق من أجل الوطن في الجبهات العديدة، ليس في مواجهة الذين يزدادون غلاً وشراسة وفتكاً، بل في ساحات العمل الواسعة للبناء والتواصل، وفتح السبل، ومد الجسور، واستنبات الزرع النضر، وتكثيف الشجر المثمر، والتحصين الجدي، وحماية ما بقي وهو كثير، ومحاسبة من خرب وقتل وخان، واستنهاض من تكاسل، وتنبيه من تغافل، وتشجيع من تردد أو انكفأ… أو خاب !