الفئة: زاوية
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: الأسبوع الأدبي-ليس آخراً
تاريخ النشر: 2013-03-23
رابط النص الأصلي: http://www.awu.sy

ليس آخراً
إلا أنا!!

ليس خلال الأزمة فقط؛ بل قبلها وبعدها، وفي كل وقت وكل مكان؛ هناك من يتحدث كثيراً في ما هو وطني ومبدئي وحقّ.. ويؤكد أن الدفاع عن ذلك واجب على كل إنسان شريف؛ بل على أي كائن عاقل منتمٍ إلى أرض وبشر وحضارة وثقافة؛ سواء أكان مواطناً عادياً في أيّ ميدان، أو مسؤولاً في أيّ مجال، ومهما كانت درجة مسؤوليته.. وما من أحد بلا مسؤولية حتى في البيت الصغير، والمحرس المنفرد، والمرعى الأجرد؛ وهناك من يقوم بهذا الدور الوطني المشرف بثقة وإيمان وحماسة وقناعة وأثرة.. من دون انتظارِ أجرٍ أو مكافأة أو موقع أو ترفيع، ومن دون أن يفكّر في غنائم الموقعة، أو جوائز ما بعدها؛ وقد لا يفكّر كثيراً في ما ستؤول إليه الأحداث؛ بل يفعل ما بوسعه، ويندفع إلى المواجهة والتضحية حتى بنفسه من أجل أن يبقى الوطن عزيزاً موحداً مصاناً متطوراً، مقاوماً لكل حملات التشويش والتفكيك والإضعاف والإفقار، وإثارة الفتنة والاقتتال واليأس والخيبة.. تلك المحاولات الموصلة إلى الاستباحة والتبعية والتبدّد! في الوقت نفسه يوجد في الحيِّز ذاته من يتحمّس كثيراً ويشجّع أكثر، من دون أن يقدم شيئاً ملموساً، أو يخطو أيّة مسافة في سبيل صدّ العدوان أو تحصين الداخل، أو وقف مشروعاته الخاصة المتشعبة، وأطماعه الآنية المتمثلة بالبقاء في موقعه، وأحلامه المستقبلية، بعد جلاء غبار المعركة وانخفاض ضجيجها؛ ومهما كانت النتيجة، يستطيع أمثال هؤلاء أن يجدوا لهم حضوراً وملاذاً، وتقديراً؛ حتى لو لم يتقشّروا في أوقات يتخيّرونها بحدس، أو يحفزّهم على ذلك، ويساعدهم على التنفيذ لاعب قريب أو موجّه بعيد، أو من يظنّ نفسه عارفاً بأسرار اللعبة؛ على الرغم من أن اللعب أصبح مكشوفاً، وما من أقنعة تخفي أو أردية وعباءات!! وهؤلاء خسائرهم محدودة أو معدومة؛ لأنهم ببساطة وغصة ومرارة.. يحاربون بالآخرين!! يصرفون من أرصدة سواهم، ويتكرّمون بما لا يملكون، ويضحّون بمن لا يخصهم؛ فيما يحافظون على أملاكهم وكراسيهم وعلاقاتهم.. وخطابهم ولو إلى حين! وهم مشاركون في الندوات والتشييع والمواساة؛ يرفعون شارة النصر حين تعبر جنازة شهيد من أمامهم، لتستقرّ غير بعيد، وقد استطاعوا –بقدرة قادر!- أن يحيّدوا أبناءهم، ويبعدوا من كان لهم به خصاصة عن هذه الطريق! وليت الأمر لديهم يقف عند الدعوة أن لا ينزل القَطْرُ إذا ما ماتوا ظمأى؛ بل إنهم يتجاوزون ذلك إلى: لا بأس حتى أن يجوع الآخرون أو يعرَوا.. وأن يستشهدوا؛ شرط أن يبقوا هم طاعمين كاسين!! مَثَلُ هؤلاء كمَثَلِ الذين ينالون من الفساد بالقول الماحق، ويمارسونه بدم بارد وسلوك نَعامي؛ يدّعون الحرص على المواطنين، ويسهرون على امتصاص ما تبقّى من سوائلهم.. وهم لا يختلفون كثيراً عن الذين يناضلون بالوطن كله، ويهرقون موارده ويدمرون قواعد نهضته، ويفرغونه من ثرواته وإمكانياته، ويقتلون علماءه وخبراءه، ويمثلون بأبنائه، ويهجّرون كفاءاته، ويرهبون أطفاله، ويحرمونهم من حقهم في الطفولة والتعلم.. ويتحالفون مع خصومه والحاقدين عليه، ويستدعون قوات خارجية للنّيل من أرضه وانتهاك سمائه، ويهللون لعدوان تقوم به طائرات صهيونية على أحد مواقعه البحثية؛ وهم ثوار في سبيل الحرية، ومجاهدون في سبيل الله!!
لقد كشفت الأحداث المؤلمة في سورية الكثير من الناس على حقيقتهم الفاجعة، وأظهرت نواياهم السوداء ومضامينهم الجوفاء، وهي تفضح مع استمرارها أكثر فأكثر!! ولعلّ هذا مما يستفاد به من بين ركام النتائج الفجائعية والمنعكسات الكارثية؛ إضافة إلى تحولات هامة في مفهومات عديدة منها الأمان والمصلحة؛ فقد تحقق المثل الذي لم يكن يعطى كبير اهتمام: من مأمنه يؤتى الحذر!! وهذا يتطابق مع معنى قول هندي معاصر: اللهم نجّني من أصدقائي؛ أما أعدائي فأنا كفيل بهم!!
ومثل هذا الكلام ليس جديداً، قلناه مرات، وقاله سوانا.. ربما؛ لكن استمرار الحال، وتكرار الأفعال، واستمراء الفاعلين، واستغباء الآخرين أو امتهانهم.. يجعل متابعة الحديث في ذلك مجدّداً أمراً مسوّغاً؛ بل مطلوباً.
***
غسان كامل ونوس

اترك رداً