الفئة: مقال
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: جريدة الثورة ع15429
تاريخ النشر: 2014-04-05

كثيراً ما يُطرح سؤال أو تساؤل: هل تعلّمنا نحن السوريين من هذه الأزمة؟!

السؤال مهمّ وضروريّ، لكنّ الجواب أكثر أهميّة وإلحاحاً.. الجواب الذي يُفترض أن يتواضع من فضائه النّظري، إلى حيّزه الواقعي، الذي لا يستثني أحداً حتّى سائليه؛ وتأتي هذه الجمعيّة في امتداد الجواب، من شموليّة التأثّر بتردّدات الأزمة في سوريّة، بمنغّصاتها، وخساراتها، ونكباتها، وانعكاساتها التي ستستمرّ زمناً يقصّره صدق الإجابة، وتمثُّلها، عملاً متواصلاً على الأرض وفي الميادين جميعها!‏

وإذا ما بقينا في المجال الثقافي، لا لأنّه مجال اهتمامنا الرئيس، فحسب؛ بل لأهمّيته المنبثّة في مختلف المجالات الأخرى، بحكم طبيعته وعناصره وطاقاته وخصائصه المميّزة..‏

يمكننا أن نلحظ أن تشويشاً يشمل مختلف النشاطات، ولا سيّما الخلط بين اللقاء السياسي، والنشاط الثقافي؛ بل يمكن القول إن هذا الأمر استشرى، حتى غدا عنواناً رئيساً، ينطبق على غالبيّة المشهد الثقافيّ الحاليّ. ويمكننا، إذا رغبنا، أن نجد بيسرٍ مسوّغات مقنعة لهذا من الظروف وطبيعة الأزمة، وتعقيداتها. لكنّ المنطقي أن نفكر بما هو أكثر جدوى. من دون أن نَغفَلَ عن أنّ من الممكن اشتراك الثقافيّ بشكل مباشر مع أيّ جانب آخر، سياسيّاً كان أو اقتصاديّاً، أو اجتماعيّاً..‏

إنّ ندوة أو ملتقى بعنوان محدّد، يُفترض أن تسير بمحاورها المنطقية، ووقتها المعقول، ونتائجها المنتظرة. وقبل ذلك، والأهمّ، أن يكون القائمون بها قد استضافوا مختصّين أو مهتمّين أو خبراء في موضوعاتها؛ أي أن يكون المشاركون مفيدين، قادرين على أن يخوضوا في الموضوع المطروح بجدّية، وأن يقدّموا أفكاراً وتجارب وخلاصات مهمّة لوقت قادم، ويمكن أن تقام ندوات وملتقيات لاحقة، تكمل ما انتهت إليه سابقاتها، وأن يتمّ السعي لتنفيذها، أو على الأقلّ الاستعانة بها في مسارات أكثر إغناء وإنجازاً.. لا أن يكون العنوان فضفاضاً، يحتاج إلى ندوات، والمشاركون في تنفيذه مهتمّون بقضايا أخرى، وليس إلمامهم أو تخويضهم في الموضوع المثار ذا نتيجة؛ بل تهويم وتعويم، وأفكار معروفة ومكرورة ومستهلكة. ولا يتوقّف الأمر عند هذا؛ بل يلجأ بعض من أولي الأمر إلى استضافة شخصيات عامّة سياسيّة أو إعلاميّة أو اجتماعيّة من البلد أو من خارجه، لها حضور (جماهيري) يتمّ حشده؛ إضافة إلى الحضور الرسمي الوافر، حتّى تمتلئ القاعات، ويقف كثيرون.. ويقام النشاط في مثل هذا الجوّ الاحتفائي أو الاحتفالي، الذي يتحوّل عاطفيّاً إلى شعارات وخطابات وتعبيرات عن مواقف، وتبشيرات بآمال ستتحقّق تّواً. ويغيب العنوان المهمّ، ويضيع الضّيوف الآخرون المشاركون في النشاط، بعد أن يُعطَوا وقتاً محدوداً، وتكون مشاركتهم رفع عتب؛ بل إهانة لهم، ولاختصاصهم، إن وجدوا، ويندغم الجمهور في المشهد، ويندفع كثيرون -حين يفتح المجال للحوار!- للتعبير عن مواقفهم ومشاعرهم تجاه الضّيف ذي الصدى العام، أو تجاه الأزمة بشكل عام، بعيداً عن العنوان والفقرات والمحاور..‏

ومن الطبيعي أن يُطلب من المتداخلين أن يسرعوا وأن يختصروا، وطبيعي أن يتململ الحاضرون من التكرار، والشطط، وأن يثرثر بعض، وأن يخرج بعض، وقد طال الوقت، وضاعت الزبدة في الزبد..‏

إن مثل هذه النشاطات التي تأخذ طابع الارتجال والتسرّع، حتّى إن كانت محضّرة، وطابع الفوضى والعفويّة حتى لو كانت مقصودة، وتأخذ جانب الدعاية والتوجيه – وهذا ليس تهمَة- حتّى إن كانت تستدعي في عنواناتها والدّعوة إليها مفردات المشاركة والحوار والتّلاقي والتّعدّد..‏

إنّ من المناسب أن يتمّ التعامل مع أيّ نشاط بدقّة ومسؤولية؛ فهناك مناسبات تُحيى، وهذا حقّ وواجب، وهناك لقاءات سياسية ومداخلات ومواقف موافقة أو معترضة، وهذا مفهوم، وهناك ملتقيات حواريّة تكون المشاركة الأوسع فيها من قبل الجمهور، وندوات متخصّصة ثقافيّاً، وأخرى اقتصاديّة، وسواها مخصّصة لمناقشة قضية راهنة، أو مشروع قادم، أو رؤيا مقترحة في شؤون الوطن والمواطن، ومن الضروريّ إعطاء كلّ من هذه النشاطات ما يلزم من عناصر النجاح.‏

أما النشاطات التي تقام بخليط من هذا وذاك، فهي تضييع للجهد والوقت والإمكانية؛ فيما نحن بأمس الحاجة إليها، وهنا خطورتها؛ والنشاطات هذه ليست قليلة، ولا عارضة، ولا مناسباتية، وهنا الأكثر خطورة؛ فهي، كما يدّعي (أصحابها)، تدخل في مشروعات التجديد في الرؤى، وبرنامج التطوير في الأداء، وهي ليست تجارب، ربما؛ بل هي تطبيقات لقرارات، وتجسيد لتوصيات، وهي محطات متجدّدة في مسارات مأمولة!‏

أليس في مثل هذه الإنجازات، التي تتكرّر فيها أسئلة وتساؤلات فيما إذا كنّا قد تعلّمنا من الأزمة، إجابات ملموسة وواقعية؟! وهي للأسف غير مقنعة، وليست إيجابيّة؛ لكنّنا لا نرى أنها تمثّل الإجابات جميعها؛ لو كان الأمر كذلك، لكانت الكارثة مضاعفة؛ بل إن هناك أجوبة أخرى في أماكن أخرى، يقوم بها أناس واثقون بأنفسهم، خالصون لعيون الوطن؛ حتّى لو كان الاهتمام بهم، لايزال، أقلّ بكثير مما يستحقّون!‏

اترك رداً