ليس آخراً
آصف عبد الله الأديب الذي رحل
غسان كامل ونوس
الوقت لم يستطرد، ولا نوافل؛ فالعمر لم يطل!
الوقت لم يسلس، والدرب لم يتسع؛ حتى حين كان الخروج مبكراً من دفء الحضن، وفيء الألفة؛ إلى مهب الريح وضفاف الجريان!
العمر القصير لم يقصّر في الضيق والعسر، منذ الخطو الموحل، والأحلام المبللة، وأركان الدّخان، ولم يكتفِ بالبطء والتعثّر حتى في أواخر الحين؛ فيما كان المأمول يسراً في السبيل الذي صار بيّناً، وانفراجاً في الحال التي غدت أكثر تفهّماً، وصار الصديق الأديب آصف عبد الله أكثر تكيّفاً، في حيّز من الحياة أكثر انعتاقاً وجدوى!
تطاولت المسافات، وتعدّدت المحطات، وأنّت الراحلة في طرق التغرّب القريبة والبعيدة؛ ليس من أثقال وكتلة وأثاث؛ بل من ازدحام حاجات، واحتشاد أمنيات، وعراقيل ومنعرجات.. وكان السمت والتوق والدافع والطاقات الكامنة دليلاً ووقوداً، والأفكار والهواجس والغايات، محفزات ومسوّغات.
وحين أراد الطائر المعنّى أن يخفّ إلى أول موئل (في واحد من امتدادات /مطرو/ قريته المشرعة فوق رؤوس الجبال)، ليتخفّف من هموم وأدران، بعد أن صارت له معالمُ بيت يشكّله حجراً حجراً، وقطرة قطرة، ورغبة وانجذاباً، منذ عِقدٍ وسنين، وملامحُ رضا من نتاجات جهد لم يضعف، وسعي لم يتبدّد، وأصداء أمانٍ من سفوح وخضرة، وإطلالة وادعة؛ وصار لأولادٍ دروبٌ جادة، ووعود في البال.. حين أراد القروي برغم المدن والحواضر التي زارها وأقام؛ الخجول برغم ما قابل من كائنات، وأقام من علاقات، وشارك في ملتقيات؛ الهادئ مع احتراقات وانضغاطات.. وهمَّ (أبو حازم) أن يلوذ بأطياف الماضي التي لم تغب عن كتاباته، وكائنات لم تنج من ملاحقاته، ويعوذ بأردان رجعة متردّدة، من رحلة مشرّدة واعية، وبات ذلك قاب أشهر وإكساءات وبعض تتمات في شؤون وشجون.. تثاقلَ الخفق وناس، وحرنت المفاصل، وبَرِمت الأعصاب بالإرادات، وضاقت الممكنات بالأحاسيس والرغبات، وتباعد المرام الحي حتى تلاشى.. فتحقق للجسد أن يرقد أخيراً في مسقط الرأس، وحلّقت الروح..
لم يعاند الأديب المسالم طموحاته، وقد عاندته الظروف، ولم يعاكس المواعيد، وقد شاكسته المفارق وعالقته أضواء الدنيا، ولم يبرح ساحة الجدّ والكدّ والبذل في أوقات الدوام وخارجها، في ردهات الوظيفة وباحاتها، وخارج أسوارها.. أديباً شاعراً وقاصاً، وكاتباً للأطفال وقارئاً ومقوّماً ومدققاً وصحفياً..
وتسلّم الأديب المتابع الملتزم مهامّ أدبية ونقابية في الاتحاد (منها عضوية مجلس اتحاد)، ومسؤوليات في وزارة الثقافة (رئيس تحرير مجلة أسامة)، ووزارة الإعلام (إذاعة دمشق).
وقبل ذلك وبعده، لم يبرح آصف عبد الله أركان الودّ والصدق، ومنابر القول، ولم يتخلّف عن معابر التواصل مع الأصدقاء والزملاء الذين يفتقدونه في مجالسهم المنفتحة وحواراتهم الأدبية ومقارباتهم الإنسانية..
ولن يبرح الصديق العزيز الأديب آصف عبد الله ساحة الذكرى، ومرصد الأنس، وحاضرة الوفاء!!
***
غسان كامل ونوس