ليس آخراً
وقت الرجوع!
غسان كامل ونوس
ما لي وماللعقوق فيك..؟!
ما لي وماللجحود والنكران، والقرب الأبعد، والوصل الأقصى، والوعد الأقسى.. لديك؟!
أتوق إلى عهد ولقيا وإشراق.. وتُقطّعُ الأواصرَ والدروب، وتُسوِّدُ القلوب!
أُقاربُ المنهل الذي تدفّقَ في أيدينا، وتقطَّرَ في أوعية حريصة، وأوقات عويصة؛ وتبالغُ في رمي الحجارة فيه، وأشياء أخرى..
ما لي “أكتّم حبّا” يضنيني، وأغصّ بوجدي وحنيني، كي لا أثقل على المشهد، ولا يؤذى الحبيبُ حتى في سمعته؛ وتضجُّ “الأمم بالحبّ الدعيّ” المجنون؟!
ومن الحبّ ما قتل صاحبه.. ومحبوبه!!
أخجل بأحاسيسي الودودة، وتفاخر بـ “حدودك”؛ أقتّر على نفسي كي يبقى لما تبقى من الآخرين ما يبلّ الأعصاب، وتسرف في التبذير كأنك على “بئر نفط”!
أداري وجعي وأساي، كي لا يعمّ النشيج؛ وتجاهر بالوعيد حتى تسود الفوضى..
أسكت حتّى عن قول الحقّ، ما أشهد أنه الحقّ، كي لا أرهق الخلق؛ ولا تسكت عن خوض الباطل صولاً وجولاً..
ما لي أقصّر بساطي، وتمدّ أطرافك؟!
أصمّ حتى مسامي عن البوح، ولا قِبَلَ لي بملامحي الفضّاحة ربما؛ وتهتاج فتحاتك نافثة فاحّة.
ما لي أغضّ الطرف عن بقع الثوب وشقوق الرداء، وتباهي بعوراتك المشرعة..؟!
أتناوم وأتغافل وأتغابى.. وتتذاكى، وتتباكى، وتتشاكى..
أتلملم وتتمدمد، أتكتّم وتتبغدد، أراهن على مشاعري واستشعاري، تنبّهي ووقاري، تحمّلي واصطباري..، وتتقاوى بمخلب وناب، وكرات النار، وقاذفات اللهب من أعالي البحار..
أحاجج وأناجز وأعالج.. وتساوم وتناور وتداور!
لستُ الخيرَ كلّه؛ ولستَ الشرّ كله!
لستُ الخيرَ كلّه؛ وليس القذى بجديد، ولا الظمأ؛ ومن الذي “تصفو مشاربه”؟!
لستُ الخيرَ كله، لكنني الأرض والعرض والفرض والرضا والأمان..
ولستَ الشرّ كله؛ ومن يولغ في الضلالة يُمددُ له، لكن.. إلى حين!
لستُ الخير كلّه، ولكن من يتنازل كثيراً، ينتهي إلى أن يؤكل كليّة!
وإن لظلمي مذاق الحنظل، وللحمي طعم الدّفلى.. وغصّته قاتلة!!
ولستَ الشرّ كله، ولكن الظلامة طالت، والفجور يستفحل.
لستُ الخير كله، ولكن.. حتى على الصبر والثقة والإيمان والقناعة والوجدان.. لا أخلو من الحسد؟!
“لله درّ الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله!” والحقد والعند والعَمَه..
لستُ الخير كلّه, ولستَ الشرّ كله؛ ولكنني “وَفَرتُ لحمك”، و”لم تصنّي”!!
وكنت “لا أصدّق فيك قولاً”، فها أنا “أشقى بحسن ظني”!!
الوقت من عمري وعمرك، ولن يتكررا، والعكر في قِدري وقدرك، والوصم في جبهتي وجبينك، والسيف الذي أجريتَه بيننا، أو أجراه من تعرف، وبما تعلم وترضى، يُجري دمي ودمك!!
غيضي من الحكمة والألفة والسماح يفيض، وفيض حماقتك يجتاح كياني!!
نبضي يوقّع ألحان الخصب، ونجوايَ رَجْعُ ما كان بيننا ذات زرع وحصاد..
خطوي أثافي الربوع والنجوع، ووأد لأوقات البرد والجوع، وخطوك مارد شارد..
تُرى.. أما آن وقت الرجوع؟!
***