الفئة: مقال
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: جريدة الثورة
تاريخ النشر: 2013-11-06

هل يكفي أن نقوم بعمل نعتقد أنّه مناسب، حتّى لو كان نوعاً من الواجب، مواجهةً لضغوط وعدوانات، أو مبادرات ونشاطات نشرحها أو نسوّغها؟!

أم إنّه من الضّروري والمطلوب الوقوف عنده، ومراقبة نتائجه، ومتابعة أصدائه؟! كما يتطلّب الأمر دائماً التّساؤل عن الجدوى الّتي تنتج عن كلّ ذلك.. وهذا يستدعي أن نراجع مفردات ما قدّمنا، وبنودَه؛ ما نفّذ منها وما تعثّر، والأداءَ الذي تمثَّلَه ذلك، والمكانَ الذي تمّ فيه، والمدى الذي تمت تغطيته، وأن نرصد المتلقّين الذين وصل إليهم ذلك مباشرة؛ مستوياتهم، شرائحهم، عددهم، فعاليتهم، وردود الأفعال التي نجمت أثناء العمل، وفيما بعد انتهائه، بشكل مباشر أو غير مباشر.. هذا كلّه أو جلّه يُفترَضُ أن يُتناول بالمراجعة والنقد، قبل أن نفاخر بما قمنا به، بعد أن نعرف أثر ذلك على المستهدف، وتأثيره في الرأي العام، وانعكاسه على الوقائع المادّيّة على الأرض!‏

فإذا ما كنّا نتحدث بلغتنا، فسيكون من يفهمون هذه اللغة، ويستوعبون صياغاتنا ومصطلحاتنا من المتابعين، هم من سيصل إليهم ذلك، وعبر أيّ سبيل: الحضور المباشر، القراءة في جرائد ومجلّات وكتب وكرّاسات، الاستماع الإذاعي، المشاهدة المتلفزة.. وإذا ما أخذنا بالاهتمام أنّ قبولنا العام للرّأي الآخر ما يزال في حدوده الدنيا؛ إذ إننا نذهب في الغالب إلى من يوافقنا الأفكار والمواقف.. ونستمع إلى القناة التي تدعم أفكارنا، ونغلق تلك المخالفة أو المعادية، ونتجنّب الحوار مع من لا نلتقي وإيّاه في الرأي والمسار، ونستهجن أيّ كلام مختلف أو خطو متفرّع.. فكيف نعرف الآخرين، ونجتذبهم إلى ضفّتنا؟! وكيف يزداد عديدنا؟!‏

لقد استكنّا فترة مهمّة إلى فكرة قيلت عجزاً أو واقعاً مؤسياً: «إن الكرام قليل»! لكنّ ذلك يجب أن لا يجعلنا نهنأ أو نرضى أو ننتشي؛ فالكثير مؤثّر وفاعل، وليس قاعداً أو مقتنعاً بما أنجز؛ بل هو سعى للإجهاز علينا ربّما؛ من دون أن يعني ذلك أبداً قبولَنا أو استسلامنا؛ بل الواجب دائماً وفي أيّ ظرف، أن ننتفض، ونقاوم، ونسعى إلى حشد الأنصار المقتنعين، أو الذين يمكن أن يقتنعوا؛ حتّى حين يغدو الفوز حليفنا، بعد تضحيات وفواقد، لا بدّ من مواجهة الآخرين، ودعوة الناس إلى حيّزنا المادّي أو الرؤيوي؛ فقد يكون منهم من ينتظر فرصة للتلاقي والحوار والمراجعة..!‏

وبالتالي تصبح فكرة أن نقيم نشاطات للخاصّة، تحتاج إلى الكثير من الدراسة؛ ففي الخاصّة أيضاً أخصام وحاسدون وحاقدون وأنانيّون.. ومن ليس له نصيب في عملنا ومشاركة في نشاطنا، وتمييز ربّما حتّى عن بقيّة المشاركين، يمكن أن يعاند ويشاكس ويخالف ويعرقل..!‏

وفي الجمهور العام الذي نسترخص حضوره، أو نستكثر عليه ما نجود به، من هم في حاجة إلى سعة أفق، وعناصر جذب وإشعاع وإضاءة.. فنفيد من حيث نتمنّى ونقصد أو لا نتوقّع، ونُصيب من حيث لا نسدّد.. وقد نبعد المرمى!‏

وحين نعلّل لجوءنا إلى العدد المحدود من الحضور بأنّ الأبحاث ستُنشر في دوريّات فكريّة أو أدبيّة أو سياسيّة، فنعود إلى التساؤلات ذاتها: كم هي النّسخ الّتي ستُطبع، وما العدد الذي سيوزَّع، ومن ستصل إليه، ومن سيقرأ، ومتى سيكون الانفعال المرتجى، ومتى سيحدث التأثير المأمول؟! تلك قضايا أساسيّة لا بدّ من البحث فيها الآن وفي كلّ وقت..‏

الأمر الآخر الذي قد يعطّل الجدوى من التوجّه إلى أكبر شريحة من الناس هو التوقيت المناسب، والمكان الملائم، والإعلان والتعميم، وهذه من أبجديّات العمل المجدي..‏

كلّ ذلك يمكن أن يحدث فيما إذا كنّا نتحدّث بلساننا وعبارات تخصّنا.. ولكن: ماذا عن الآخر الذي يتكلّم لغات أخرى، ويعيش في أركان أخرى بعيدة؛ فلماذا لا نهيّئ أمر وصولنا إليه بلغته، وبمنابره، وبأسلوب مقنع، وطريقة محبّبة، لا متعالية، ولا معانِدة، ولكن برؤى من يحبّ أن يُسمَع، ويُفهَم، وبالتّالي يسعى إلى أن يجد من يسانده ويعاضده، ولا شكّ في أنّ ذلك أيضاً يستدعي أن نعرف أو نخمّن من الذي يُوجَّه إليه الحديث، ومِنْ على أيّ منبر، وفي أيّ مستوى.. لأنّنا نرغب بأن يصل ذلك إلى الشّرائح الأوسع من الجمهور، ولاسيّما من يسمع أو يهتمّ بالشأن العام؛ لأنّ الحال لدى المجتمعات الأخرى قد تختلف عن مجتمعنا؛ فهناك لا مبالون، أو درجة الاهتمام لديهم قليلة في شؤون العالم الأخرى..‏

لا شكّ في أنّ الأمر يحتاج إلى جهود وأكلاف ووقت وكادر، وقبل ذلك إلى رؤى وإرادة وهمّة وغايات نبيلة…‏

اترك رداً