في الطريق إلى الحلم:
فاجأتني إثارة لم تراوِدْني من قبل، على الرغم من عبورنا الحدود منذ نحو ساعة ونصف الساعة، لا شيء مثير؛ انتظار لبعض الوقت، وإجراءات عادية، وطريق شبه صحراوية، بلا محطات مميّزة عمراناً وسكاناً..
لكنها الدهشة التي تدعو إلى الدهشة؛ لأنّها لا تنجم عن غرابة؛ بل لأنّ المَشاهد تبدو مألوفة؛ صحيح أنّ تضاريس بلاد الشام تتشابه، رغم تنوّعها؛ لكنّ تلك الهضاب وهذه الانحدارات سبق أن رأيتها، وهي الزيارة الأولى لهذا البلد الشقيق الجار: الاردن، وهذه العاصمة القريبة التي يتزاور أبناؤها ويتزاوجون في سورية، ويخرجون إلى دمشق والساحل والمناطق الأخرى للسياحة والتبضع أزياء وألبسة، كما أكّد أدباء التقيناهم قبل هذه الرحلة، وسيؤكّد آخرون ذلك في أثنائها، وأصدقاء سبقت زياراتهم إلينا مرّات، وعديدون تتكرّر سفراتهم بخصوص عمل في شركة نقل مشتركة فيما بين البلدين؛
حكيت لأحدهم عن مدينة عمّان، ذات وقت مضى عليه نحو عقدين من الزمن، ووصفت مدخلها ذا التلال والسفوح، بناء على حلم ألحّ.. نظر بغرابة، وضحك طويلاً: في الواقع هي كذلك! ظننت أنّه يجاملني. قلت ذلك لرفاق السفر، فضحكوا أيضاً، فيما كانت السيارة تنحدر وتنعطف داخلة إلى المدينة، بحثاً عن فندق ستقيم فيه وفود الاتحادات والجمعيات والأسر والروابط أعضاء الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، إلى اجتماع المجلس الدائم الذي سيشارك فيه صاحباي، والندوة المرافقة التي ستُعقد بعنوان “النص المسرحي العربي.. واقع وآفاق”، تلك التي سأسهم في وقائعها، بعد أن عَرَضَت الفكرة، فالاقتراح، فالموافقة؛ بناء على دعوة مفتوحة من رابطة الكتاب الأردنيين، لمن يرغب من أعضاء اتحاد الكتاب العرب في سورية احتراماً وتقديراً؛ وفي السياق ذاته، كانت الحفاوة بنا في صالة الفندق من الأصدقاء المضيفين، والضيوف الذين سبقونا، أو وصلوا فيما بعد؛ وإمعاناً في التقدير والاحترام لسورية وكتّابها، فاجأني أصحاب الدعوة باختياري لإلقاء كلمة الوفود المشاركة في افتتاح الندوة!
الافتتاح:
أُبلِغْتُ بذلك في استراحة قصيرة بعد الانتهاء من افتتاح اجتماعات المجلس الدائم صباح اليوم التالي، بمشاركة جميع أعضاء الوفود، وقدّمه بحماسة واقتدار شاعر أردني، وتحدّث فيه رئيس رابطة الكتاب الأردنيين الأديب (مسعود قبيلات)، ورئيس اتحاد كتّاب فلسطين، وممثل الراعي وزيرة الثقافة الأردنية..
تردّدت في القبول عاتباً؛ لأنّ الوقت المتبقّي للافتتاح لا يتجاوز ساعات ثلاث، وهو وقت حرج لمن سيتحدث أمام أعضاء الوفود العربية كلّها، وباسمهم جميعاً! لكنني وافقت، حين أكّد ممثل الرابطة الداعية أنّ ذلك تقرّر منذ قليل، احتراماً لسورية، وتقديراً لدورها وموقفها وكتّابها.
كان اسم سورية يتردّد في ذهني تميمةً تحمي وتدعم؛ فالكلمة لها، وباسم العرب مرة أخرى؛ فكم تحدّثتْ باسمهم، وعنهم، وكم تحمّلتْ، وكم ستتحدّث، وتتحمّل!!
عاد المؤتمرون إلى اجتماعاتهم. فيما سيذهب ضيوف الندوة المسرحية برفقة أدباء أردنيين، في جولة قصيرة إلى بعض معالم عمّان الأثرية، قبل موعد الغداء، الذي سيتلوه مباشرة افتتاح الندوة في الجامعة الأردنية.
بدأت الأفكار تتزاحم، في الحافلة التي أسرعتُ إليها، قبل أن تهادت بنا مع أخرى باتجاه القلعة.. وعادت مشاهد التضاريس الحادة بعد عبورنا بعض الأسواق المركزية؛ سفوح وهضاب تتسلّقها الأبنية، وتنسلّ فيها الطرقات، وينجذب إليها النظر والاهتمام.. لكنّ الذهن مشغول، والفكر في استثارة. تردّدتُ في مغادرة مقعدي للتجوّل في القلعة، متابعةً لاستلهامِ ما يليق أن يقال في مناسبة عربية ثقافية جامعة كهذه، وأمام مثل هذا الحضور، وفي هذا الموقع؛ لكنها فرصة نادرة أيضاً أن تزور هذه الأمكنة، ولو في عجالة؛ العلوّ المميّز، والقمّة الفسيحة، بمستوياتها المتفاوتة، والأعمدة المتعالية الصامدة رغم تهالك بعضها، والإطلالة الحادّة على وادٍ عميق ذي مسرح، وآثار أخرى، سننحدر إليها بعد أن نكمل جولتنا في مختلف الأركان، ونعرّج على المتحف المميّز بكنوزه التي تحكي تاريخاً وحضارات وأزمنة ووقائع.. كان الموقع يوفّر إمكانية الاطلاع على الذرا الأخرى القريبة بحداثتها البادية بناء وكتلاً وإعلانات زاهية متواترة، والسفوحِ المواربة المتواصلة البناء، أو تلك التي ما تزال تحتفظ ببعض أشجار بتوجيهاتٍ عليّة! كان منظر السارية العملاقة التي تحمل العلم الأردني في مكان غير بعيد، يثير؛ قال الأديب الأردني الفلسطيني بسام عليان الذي بدأت علاقتي به منذ لحظات، وستستمر طوال أيام الندوة: إنّهم يبالغون في كلّ شيء، يقولون إنها السارية الأعلى في الشرق الأوسط! وضحك وضحكنا، سأستذكر هذا الكلام حين بدأ يخرج في الإعلام مصطلح الأردن أولاً، واستمر طويلاً.. استرقت دقائق لتدوين ما تيسّر من أفكار خطرت، وعبارات اُستدرجت، حتّى في المشوار السياحي الذي انشرح له الزملاء، كما بدا من ملامحهم وأحاديثهم، قبل أن يلتمّ الجميع، وتتحرّك الحافلتان إلى الوادي المكتنز؛ المسرح الروماني الصخريّ المميّز ومدرجاته القوسيّة، والأدراج الحجرية والبوابات والجدران والممرّات.. كلّ شيء يدعو إلى الإعجاب والبهجة. حتّى الطريق الصاعدة بضفافها المستحدَثة أسواقاً يتجاور فيها القديم مع المعاصر، فتكتمل الإثارة ويتضاعف الاهتمام، مع الازدحام الذي يزيد من تأخّرنا؛ فقد سبقَنا الآخرون، وعلينا الإسراع في الغداء المفتوح، لنلحق الموعد الذي يلحّ على الجميع، ويضغط على أعصابي، فأسترق الدقائق المخصصة لتناول الطعام، وأنزوي في ركن؛ محاولاً استكمال العنوانات التي يبدو من الضروري التطرق إليها في كلمتي القادمة، إذا ما أردتُ أن تتجاوز كونها احتفالية تقليديّة عاديّة..
أسرعتُ، بعد رحلة قصيرة أخرى في الحافلات، إلى الجلوس في جانب من القاعة المتوسطة الاتّساع، لكنها تكفي لجميع أعضاء الوفود العربيّة إلى اجتماعات المجلس الدائم والندوة المرافقة حول “النص المسرحي العربي، واقع وآفاق”.. لملمتُ ما تفرّق، وبيّضتُ ما تسوّد على الأوراق، أو ما يزال يخطر في البال، حتى تمّت الدعوة إلى المنصة، ليبدأ رئيس الجامعة الأردنية كلمته الترحيبية، فأتلوه بإلقاء كلمة الوفود العربية المشاركة.
بدأت بنصّ شعري قصير، كنت اصطحبته مع أوراق أخرى، لاقى صدى مهمّاً، أستطيع تلمّسه من الصمت المطبق، والتصفيق الذي رافق الانتهاء منه.
ثم تابعت الحديث في المسرح والعروبة والفرديّة والسكوت على الظلامات، لولا بعض المقاومين بالعين والقلب و..الأحذية أيضاً؛ إشارة لمّاحة لحدث راهن، التقطها الحاضرون بانفعال؛ فقد كان المقاوم العراقي منتصر الزيدي قد وجه فردتي حذائه بالأمس إلى رأس الرئيس الأمريكي في بغداد أمام أعين العالم، وكاد يصيب الهدف القريب؛ فهل فعلتُ وقد أبعدتُ المرمى؟!
مضمار التاريخ في جرش:
سعدت حين قال المضيفون: جرش وجهتنا التالية؛ فالذاكرة تحتفظ بالكثير من الأصداء: معلومات مدرسية، ومرويّات، وأحاديث إعلامية كانت الأغزر والأوسع لارتباطها بمهرجان فني سنويّ مميز، يقام على المسرح الصخري الذي يتوارى مدخله قليلاً، بين عدد من الشواهد الأثرية الصامدة أو المرممة، لكنه سرعان ما ينفتح أمامك، بتفاصيله الدقيقة، وتقاسيمه المضبوطة، بأدراجه ومدرجاته، ومسرحه المرتفع قليلاً، وقد كان لنا فيه وقفة طويلة، كما كانت مواكبة مديدة لمضمار السباق الرملي الشهير، واستطال مشوار مغربي في الشارع الطويل المرصوف بحجارة كبيرة، مع أعمدة متفاوتة التتويج والارتفاع؛ يمكن متابعة ذلك بمقارنة العديد منها في أكثر من موقع؛ ابتداء من مظهرها بالغ الثراء البادي في رؤوسها، على قلتها، عند مدخل المدينة الأثرية جرش، الذي يوحي بالفخامة والعراقة والبهاء؛ فيما تضيئه شمس مواجهة تغري بالمزيد، مع أنها تودّع في طريقها إلى الغياب، خاتمة نهاراً كانونيّاً مشمساً آخر، بالمتعة والإثارة والإشباع، وسيكتمل المشهد السحري مع أويقات المساء التي تمدّدت في ساحات منتظمة على مستويات متفاوتة، وممرّات مستوية ودَرَجيّة، ووقفات وجلسات، وطرائف أفاض بها كاتب مسرحيّ مصري “وهو مخرج أيضاً”، حتى على مائدة العشاء في الموقع ذاته، ذاك الذي كان فيه فائض من الطابع التراثي القروي المشبِع. وهو ما لم يسمح –إضافة إلى الظلمة- بمتابعة الطريق المرسومة بدقّة وإتقان نازلة وطالعة ومتعرّجة ومتفرّعة، كما أحسسنا بها، في أكثر من مكان، وهذا ما يتميز به الأردن، وكما تتبّعناها باهتمام في الذهاب؛ ابتداء من الطرف الشمالي الشرقي الرحب المستحدث لمدينة عمّان، وهو ما عاد للظهور المزين بأضوائه وأوراده وتشكيلاته، حين وصلناه من جديد، فيما كان الضوء المعلق في طرف السماء يبث أشعة خجولة، تضيف مزيداً من السحر على مشهد يمضي إلى أن يكون حلماً أشرق على غفلة، ثم تكثّف ليتخمّر في الذاكرة.
فعاليات الندوة:
بدأت جلسات الندوة في اليوم الثاني، واستمرّت ثلاثة أيام، صباحية ومسائية، قدم فيها أدباء من مختلف الأقطار العربية مشاركاتهم، التي تتحدث عن الكتابة المسرحية؛ مظاهرها ومشكلاتها، وأهم كتّابها العرب، وعروضها، وعلاقة النصوص بالإخراج، كما قدم بعض من المشاركين شهاداتهم في الكتابة المسرحية، وشارك الحاضرون بمداخلاتهم حول ما قُدم، وتحدث من سورية الكاتب المسرحي أحمد اسماعيل اسماعيل في إحدى الجلسات، وأدار جلسة أخرى، كما قدمت شهادتي حول تجربتي في الكتابة بشكل عام، بما فيها كتابة مسرحية واحدة نشرت في مجلة فكر اللبنانية. في ختام الجلسات شاركتُ في اللجنة المصغرة لصياغة الملاحظات والتوصيات التي خلصنا إليها.. وفي اليوم قبل الأخير، عقد مؤتمر صحفي في مقر رابطة الكتاب الأردنيين في العاصمة عمان، تم فيه عرض ما توصل إليه المجلس اسلدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب من نظام داخلي ومقررات أخرى، كما تليت توصيات الندوة حول “النص المسرحي، واقع وآفاق”، وقدمتْ شهادات تقدير لرؤساء الوفود وللمشاركين في الندوة..
المغطس ونهر الأردن:
على أرضية خشبية لجسر يربط ضفتي نهر الأردن، وقفنا وجلسنا جماعة وشراذم لالتقاط الصور التذكارية، لتظهر في الخلفية الأرض الفلسطينية، غير بعيد عن مدينة أريحا، بعد ما تأكدنا أنّ أياً من الحراس الصهاينة لا يظهر؛ أمّا علم الاحتلال الصهيوني فلن يكون له مكان في أيّ من الصور؛ فيما تعالت في بعض الخلفيات أعمدة من ضواحي القدس، التي تغيب في السفح الآخر من الجبل الممتد شمالاً وجنوباً، وبدت مياه النهر تحتنا وجوارنا عكرة كالنفس الملأى بالمرارة والأسى والإثارة؛ كيف لا؟! وأنت تقف على مبعدة خطوات من فلسطين القلب والوجدان، كما كانت خطواتنا مغبرّة في الدروب الترابية وتلك المفروشة بالحصى، المنسلّة بين الأشجار كابية الخضرة والشجيرات الشاحبة، ليس فقط بسبب الفصل الخريفي الذي يمضي إلى نهايته، فالانبعاث من جديد؛ كما يتعرج النهر الشحيح المتردّد المقهور كقهرنا الموروث، كلّما خطرت فلسطين في البال، وهي لم تبرح الضمير والعقل. كنّا نتشرذم طوال الممرات الضيقة التي تفصل الطريق الاسفلتية عن منطقة غنيّة بالمعارج المميّزة بنياناً وكنائس مرمّمة، وصولاً إلى المغطس التاريخي الذي زاره السيد المسيح، وقد اُكتشف مؤخّراً، وهو ينخفض نحو 396 متراً عن سطح البحر، وعثر على ثلاث قواعد حجرية منه بعد الحفر العميق، فيما القاعدة الرابعة كانت ما تزال قيد البحث، كما قال الدليل السياحي “المتفرنج”، وأضاف: إن الكيان الصهيوني يحاول الإيهام بأن المغطس يقع في منطقة عربية أخرى قريبة داخل حدود فلسطين، التي يحتلّها، ليستفيد من السياحة إليها، وضربِ السياحة الأردنية، التي تزدهر في هذا الموقع الذي يتنامى. وأشار إلى مكان قريب؛ حيث يقام بناء ضخم في هضبة قريبة، يُظنّ أنها عتبة العبور المقدّس إلى السماء!
على ضفة البحر الميت:
السبيكة الذهبية تبدّت لنا، منذ انحدارنا في السفح المتجّه إلى النهر، على الرغم من انشغالنا بالسفوح المقابلة؛ إنها فلسطين المحتلة تلك التي تقترب منا؛ وفي السفح المجاور كان معالم معركة الكرامة التي أعادت شيئاً من الكرامة بعد هزيمة حزيران 1967م، وقد تمركز فيها المقاومن الفلسطينيون الذين اشتبكوا مع الصهاينة ساعات، كما شرح لنا بانفعال الشاعر المناضل خالد أبو خالد، وأضاف وآخرون وصفاً وتعريفاً لما يُشاهَد من معالم فلسطين العمرانية والتضاريسية، التي تبتعد وتقترب؛ أم نحن من ابتعدنا واقتربنا؛ فيما هي التي لم تبتعد يوماً إلا عمّن باعها أو نسيها أو تناساها، وتغافل عن أنينها المكتوم، وصراخها المفجوع. كان لا بدّ من التطلع –تهرباً أو تعرفاً- إلى أراض مجاورة مقفرة /أميرية/ كما شرح أحد المرافقين، ومزارعين في الوادي /غور الأردن/ الشهير. أدرنا ظهرنا للإشعاع الشمسي المذهّب، حين اتجهنا إلى إشعاع داخلي آخر في موقع المغطس والمعالم الدينية الأخرى؛ وها قد بدأت لألأة الذهب تتظهّر، بعدما عدنا إلى الطريق الاسفلتية، عبر الدروب ذاتها، لنستأنف الرحلة إلى البحر الميت، في طريق مميزة هي الأخرى سلاسة وانتظاماً، فيما يتزايد انحدار الشمس إلى الغياب!
لم يمنع الغروب، وقد بدأ يتلملم في الوادي الذي يضيق، من أن نطّلع على المنشآت السياحية العديدة غير المكترثة، بأضوائها وزينتها، على شاطئ البحر الميت الذي ينكمش باطّراد، فينخفض مستوى مياهه متراً إضافياً كل عام، وتزداد ملوحته ومرارته، ويتفاقم تلوّثه، مما يُصبّ فيه من مخلفات معامل تبدو أضواؤها المثيرة على الطرف المقابل، في الضفة الغربية من فلسطين المحتلة. كان لا بدّ من النزول إلى المياه التي تتهادى أمواجها الحسيرة على رمل ناعم مسود، وتقرّي ملمسها الزلق، وطعمها المر!
الظلام يتضاعف، مع نسيم رطب ينعش أحاسيسنا المشعثة، ونحن نتابع الخطو الغامض في مستويات متفاوتة من مدرّجات وتربة، ومنشآت سياحية يجري استكمالها على شاطئ بحر تزداد مواجعه.
وعلى عكس الفضاء القابض والمدى المخنوق، كان العشاء في واحد من تلك المطاعم العديدة مفتوحاً على أنواع وألوان من الطعام والحلوى. كذلك كانت أجواء الحافلة المتهدهدة في كنف المساء الخفيض؛ فأضواؤها مشرعة، وأصداء الأحاديث والطرائف مشعشعة، وبعض النصوص الملقاة متردّدة، ما لبثت أن تناهت إلى دردشة مجاورة، وتأمّل متداخل مع مشاعر غاصة غامضة، حين بدأنا نشقّ ظلاماً مهيمِناً، ونصعد طريقاً متعرجاً، تاركين خلفنا ضفة أخرى ترنو بوهن وأمل، ونهراً متعثراً وبحراً يزداد مواتاً!
متفرّقات:
*قبل وصولنا إلى ضفة نهر الأردن، اختفى الجنود الصهاينة من شرفة البناء الحدودي المقابل؛ فهمنا أن ذلك يحدث بتنسيق مع المسؤولين الأردنيين، حسب اتفاقية وادي عربة!
*طلب من الوفد السوري إعداد برقية شكر لراعي المؤتمر العاهل الأردني، وأحيل الموضوع إليّ لصياغة هذه البرقية، فرفضت ذلك، وكذلك فعل باقي أفراد الوفد.
*ظهرت في بعض مداخلات الندوة حساسيات الكار، وشوائب الانتماء القُطْري!
*لوحظ اهتمام بالغ بسورية والسوريين لدى شريحة واسعة من المواطنين الاردنيين، بدا ذلك خلال اللقاءات الرسمية وخارجها؛ وداً وألفة وتقارباً والتزاماً بالمواقف القومية؛ ولا سيما ذلك اللقاء الذي جرى في دار الأديب سليمان الأزرعي.
*هناك انقسام حادّ في الشارع الأردني، بين ما يُعرف بالأشراف وباقي المواطنين، وانقسام آخر بين الفلسطينيين الأردنيين والأردنيين الأصلاء.
*في الوقت الذي يهتم بعض أعضاء الوفود بالاجتماعات والجلسات، ويلتزم بالمواعيد والمناقشات، ويتابع بجدية ما يجري ويشارك بفعالية، يتهرب آخرون ويتغيبون، إلا حين تكون فائدة مباشرة، إعلامية أو سياحية أو تجارية وسواها، ومن بينهم أعضاء في الوفد السوري!
*في جلسة دردشة قبيل اختتام فعاليات المؤتمر، قال لي الأديب الليبي (سعد الهيبة؟): سأسألك سؤالاً أعتقد أنه وجه إليك عشرات المرات خلال هذه الأيام..
أجبت قبل أن يسأل: للأسف ليس هناك من قرابة بيننا؛ ونحن من محافظة واحدة.
ضحك وضحكت، ودهش الحاضرون؛ فقد كان السؤال الذي لم يسأله، عن القرابة التي تربطني بالمسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس.
*على الرغم من الاهتمام الطرقي البادي والمروري الجدي، يفسد الازدحام الكثير من الأوقات في مدينة عمّان، وتراقب عيون خفية حركة السيارات على الطرق العامة، فقد ضبطتنا إحداها، فأوقفَنا الحاجز التالي، ودُفعت الغرامة مباشرة، وقيل لنا بأن هذه الغرامة لا يمكن التهرب منها، وتلاحق صاحبها حتى آخر معبر على الحدود.
* أقيمت الندوة واجتماعات المجلس الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في الأسبوع الثاني من كانون الأول العام 2007م.
***