الفئة: ما كُتب عنه
بقلم: دزماجد أبو ماضي
الناشر: جريدة البعث
تاريخ النشر: غير محدد
رابط النص الأصلي: 

مجموعة ( خطايا ) و أســــرار الكشــــــف عــــن الخبايـــا

د. ماجد أبو ماضي

عندما تصبح قضية الكتابة قضية تشغل بال صاحبها وتؤرق فكره وتفكيره وتحفزه دائماً للكتابة وتدفعه الى الارتقاء بكتاباته لتصبح ابداعية تضيء الزوايا المظلمة التي تحتاج الى اضاءة في النفس البشرية ، هذا هو غسان كامل ونوس الذي يصور حياة كل منا بأنها تدور وتتبدل وفي تجدد مستمر، وإذا توقفت عن الدوران سقط، وهذا شأن كل انسان يعيش المرارة التي تصيب كثيراً من الاشخاص فكانت هذه الاركان محتجبة عن عيون الكثيرين ،من أجل ذلك أقول إنه وصل الى نقاط حساسة في مجموعاته التي كتب ، وهذا يعني انه وصل الى مستوى من الجدية التي توجتها يد وفكر عملا بجد ونشاط من اجل هذا الانجاز، فوصل الى مرحلة متقدمة من صدق المشاعر والتعبير عنها، تلك التي تتحدث عن الناس والحياة والمجتمع ، فنجده يتساءل عن كل شيء ولا يتثاقل في ذلك لأنه يجد في كل اجابة محوراً جديداً وحياة متجددة تفتح له افقاً لم يكن معروفاً …كل هذه المعاني التي ذكرتها كانت تدور في فلكها ومعانيها مداخلات الندوة النقدية التي أجريت في المركز الثقافي العربي باليرموك لمناقشة المجموعة القصصية ( خطايا) للقاص غسان كامل ونوس، فقد بدأ الاستاذ منصور شماس مداخلته بأن القصص تعالج قضية إنسانية شغلت بال الكاتب مفادها الانكسارات والخيبات التي يعاني منها انساننا العربي والتي غلّب فيها المكان بأهله وعلاقاته الاجتماعية في سورية ، لتنطلق الى الوطن العربي كله …فقد بدا الكاتب في هذه المجموعة مسكوناً بالهم الانساني وعرضه بأسلوب اقنعنا بصدقية الحدث فيه، ثم توغل في مضمون هذه المجموعة التي استطاع فيها القاص الرسم بالكلمات التي كانت طريقة للتواصل مع الآخرين وتوطيد صلته بنفسه…
فقد استخدم لغة لا تكلف فيها ولا تقعر، وتفرد ببعض المفردات من جهة استخدامها بطريقة خاصة تصور البيئة المكانية – ريف الساحل السوري – بإسقاطاتها المختلفة الجغرافية والاجتماعية والديمغرافية سيطرت على علاقات اهلها وعاداتهم، وقصد ادانة العادات المختلفة سواء أكانت في المدينة ام الريف وتربص القائمين على ترويج الخرافات للاستفادة من نتائجها واقتناص براءة البسطاء من الناس والمقهورين الذين اوصلوا للاعتقاد بأنه لاخلاص لهم إلا بالمغيبات قال (ص8) : (يضحون بنقودهم الشحيحة في المزارات ليأتي المتربص ويأخذها وليذهب حلمهم بالخلاص الى الجحيم وصدى رنين النقود في الجوف الغامض ظل يتردد في الذهن…)
اما القاص أحمد جميل الحسن فأشار الى ان مهارة الكاتب تظهر واضحة عندما يطوع الكلمات وينسج حبكته القصصية بتقنية وخبرة، فمجموعة ( خطايا ) القصصية تبدو فيها بصمات كاتب يتمتع بخبرة عالية وحس مرهف جعله يمسك بيده خيوط النص بحرفة ويحرك مكونات السرد في قصصه بطريقة شائقة ومقنعة…وأضاف: لقد اشتغل غسان المجموعة على عدة موضوعات نلمسها في مجتمعنا، وقد كان موغلاً أكثر في خبايا النفوس والأماكن عندما يكتب عن الريف وبراءة الحياة فيه وفي أناسه البسطاء، وذلك لأنه هو ابن الريف وما زال يعيش فيه، فمن الطبيعي أن تكون المصداقية في نقل المشاعر والوصف الحسي والنفسي بدرجة إبداعية عالية أكثر منها لو كان مجتمع القصة هو المدينة بصخبها وشرائحها المتعددة، لذلك نجد أن الموروث من عادات وتقاليد وتراث شعبي، ومن مؤثثات وأقوال وأمثال شعبية كانت تشكل الآلية في التعامل بين الناس، وهي موجودة في قصص غسان ونوس مع تماهيها باللغة الشاعرية التي أضفى عليها القالب الفني الألق والإبهار في زمن ابتعدنا فيه كثيراً عن أصولنا العريقة، وطغت على علاقاتنا المصلحة ونبذ الاستقامة التي كانت تسكن أفئدة أسلافنا.. فهذه المجموعة فيها الكثير من البوح عن الهم الاجتماعي والمعاناة الإنسانية في بيئة تحكمها عادات وتقاليد متوارثة لم يستطع التطور الحضاري إلغاءها…
ثم قرأ الدكتور خليل الموسى دراسته النقدية حيث اختار بعض القصص فوجد فيها سمات عامة في السرد تجعل التقاط الحدث ولملمته صعباً، وأهم هذه العوائق: كثرة الأسئلة المتتالية التي طغت على حركة السرد فأعاقت تدفقه، فكان السؤال متصلاً بالسؤال ورافداً له دون توقف.. أما الحوارات فكانت كثيرة ورشيقة ومكثفة ولكنها تقوم على الفكر وتهمل التصوير مما يجعل بنية السرد تنوء تحت عبء هذه الحوارات، أما الضمائر فلها أهمية في الاستخدام وينبغي ألا ننقل القارىء دفعة واحدة من التعامل مع الشخوص إلى الضمائر مباشرة بحجة الحداثة أو سواها، وخاصة إذا كان ذلك على حساب التشويق، لأن ذلك يفقد القصة الكثير من أنوثتها وجاذبيتها وإغرائها.. فـ (خطايا) مجموعة قصص متنوعة مختلفة في موضوعاتها وأساليبها وحركة بناء كل منها، وهي تقدم غسان كامل ونوس قاصاً ذا صوت مستقل متميز.. وهو لا يشبه أحداً سوى نفسه.. ينضح من ثقافته وتجربته وعالمه الداخلي لكتابة قصة قصيرة تشير إليه… وبعد انتهاء قراءة الدراسات سأل رئيس المركز الثقافي الدكتور ماجد أبو ماضي عن رأيه فقال الدكتور أبو ماضي: إن الإنسان لا يستطيع أن يعطي رأياً وحتى انطباعاً عن مجموعة قصصية من خلال تصفحها دون قراءتها والوقوف على شخصياتها وأحداثها وزمانها ومكانها.. لأن الرأي في هذه الحال يكون غير صائب ولا يستطيع المرء الحكم على المجموعة.. لكنني توقفت ومن خلال الفهرس على العناوين فوجدتها مكونة من اثني عشر عنواناً، تسعة منها مكونة من كلمة واحدة، ووجدت عنوانين مكونين من كلمتين وعنواناً واحداً من ثلاث كلمات، لكن المشترك بينها جميعاً هو إثارتها للفضول. لأنها توقظ في النفس أشياء تشجع القارىء لقراءة ما تحتها من أحداث وتصرفات وسلوك ليعرب عن سبب اختيار هذه العناوين.. كما وجدت -يقول الدكتور أبو ماضي- في مطلع بعض القصص (ص 32 وص 41) أسلوباً يضع القاص من خلاله مشكلة تواجه القارىء منذ البداية مما يقبل على قراءتها بنهم ومتعة وتحفزه على متابعة الأحداث التي تؤدي إلى نهايات قصصية جاءت مفتوحة أحياناً ومقفلة بسؤال أحياناً يفتح أمام القارىء أفقاً ليضع جوابه على السؤال ليكون بمثابة حل لهذه القصة، فكان كل قارىء يضع الخاتمة التي يراها مناسبة لمجريات القصة ، وهذا ما نجده في قصة ( خطايا) التي حملت المجموعة الاسم نفسه، حيث أنهى القصة قائلاً ( ص103): ( هل صرت بلا عواطف بلا أحاسيس؟ هل هذا ما يقصدون من تكليفي؟ ألا أصلح بعد للحياة تجربة ومعاناة حتى اتفاخر بالزهو في اصدائها المنكسرة؟..) ونلاحظ ذلك ايضاً في قصة ( قوس نصر) التي انتهت بالسؤال (ص51): ( لماذا في تلك اللحظة ، وفي ذلك المكان سقط ذلك الهيكل المعدني من قوس نصر محتم؟!!).
وفي نهاية الامسية شكر القاص غسان كامل ونوس الحضور والمتحدثين ، وعبّر عن فائق احترامه لما قيل وبأن هذه المجموعة خرجت منه بعد طباعتها ونشرها ، ولا يفيد تقييمه لها بأي شيء، وقال: إنه حري بي أن استمع الى الملاحظات جيداً بغض النظر عن قبولي وعدم قبولي بالدراسات والنقد الموجه إليّ، ويكفيني شهادتهم لي بأن لي اسلوباً خاصاً بغسان كامل ونوس ، وأنا لا أدعي التجريب بل اكتب ما اشعر به وربما كان ذلك نتيجة القراءة المتواصلة والمطالعة المستمرة وبخاصة الكتب التراثية والنصوص الروائية، وانشغالي الدائم بقضية الكتابة للناس وما يهمهم من موضوعات تلقى قبولاً في نفوسهم، وأفكار تقنع عقولهم وفكرهم وصفات ومزايا تتفق مع ما يريدون ويرغبون.

اترك رداً