الفئة: رأي
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: جريدة الثورة
تاريخ النشر: 2013-08-12

موجعٌ هذا السؤال.. فالوطن إحساسٌ وروح‏

موجِعٌ هذا السؤال، ورديء هو الزمن الذي أوصلنا إلى أن نطرحه، وبائسة هي الحال التي تجعل من الوطن مثار تساؤل، أو بحث، أو منادة.. لكنّه الواقع المرّ، والارتدادات المقلقة، والصدوع والهشاشة والنكران والعصيان..!‏

وما يزيد المواجع حدّة أنّ السؤال يوحي بأنّ هناك طرفين، أو أنّ هناك انفصالاً أو حدوداً.. فالوطن نفسي ونفسك، أنا وأنت بما لنا وما علينا.. وحين لا نتماهى والوطن، نكون ناشزين ونافرين، وحين لا نسعى إلى إعلاء شأنه، نكون صغاراً، وحين نشاغب ونشاكس تبدأ حال الشذوذ التي تتفاقم بالعراك والخراب والقتل والتدمير..‏

الوطن لا يُسأل عنه, بل نحن من يجب أن نُساءَل ونحاسَب على فعلتنا بالوطن وبأنفسنا قبل المحنة، وفي أثنائها، وبعد خلاصنا المأمول ولو بعد حين..‏

الوطن لا يُفتَّش عنه, بل نحن من يجب أن نبحث عن حقيقة حَرْثِنا وزَرْعِنا وجدوانا في الوطن، ونفرز نفاياتنا، ونغطي عوراتنا التي تشوّه وجه الوطن، ونخفض أصواتنا المنكرة التي تشوّش إيقاعه النبيل، ونخفّف من خبط عشوائنا الذي يشوّش المسارات، وادعاءاتنا التي تشكّك في يقين العابرين!‏

الوطن لا يُتقَرّى باللمس، ولا يُشار إليه بالبنان أو بالعصا, بل يُحَسّ، ويُستشعَر، ويُغتَنى به، ويُكتنَز، فينبثق الإبداع، وتسمو الحياة..‏

وإذا لم يحدث ذلك، فليس العَكَرُ في الوطن, بل في أحاسيسنا، والعطب في حواسنا، والخثرات في عروقنا التي تصحّرت، وأمدائنا التي انكفأت، وقاماتنا التي تقزّمت، وهاماتنا التي طأطأت..‏

لا قيمة للشّخص بلا وطن، ولا رافع له إذا ما اُستبيح وطنه، ولا عاصم له إذا اُخترِقَتْ حصونُه, فكيف إذا ما كان هذا الشخص أو ذاك هو الثغرة التي نَفَذَ منها الأعداء، أو البثرة التي انتشرت عبرها الجراثيم والفيروسات القاتلة؟! والأكثر خزياً وعاراً أن يَستدعى هذا الكائن أو ذاك التدخّل العدواني ليخلّصه من مواطنيه، أو ليغلّبه على أهله وجيرانه ومحازبيه؟! بأيّ حجّة وأيّ مسوّغ!‏

الوطن نبض وإحساس وروح، وطاقة وامتلاء وامتداد وإشعاع، تجذّر واحتشاد، خصب ورواء، أرض ونبت وحيوية وسماء.. فخر واعتزاز وسموّ ومحبة وألفة ووداد وعطاء.. وليس من الممكن الفصم بين الوطن والخير، الوطنِ والقيمة، الوطنِ والجوهر، الوطنِ والشرف، الوطنِ والإنسانيّة، الوطنِ والإبداع, وهذا ما يجعل المخلصين الأوفياء يُقبلون على البذل بلا منّة أو حساب، وهذا ما يحفّز الشرفاء الواعين على أن يتفهّموا المحنة، ويتقبّلوا الفاجع والقارس والفاجر، وهو كثير وضاغط ومقيم، بصبر وإيمان وثقة..‏

وهذا ما يجعل الخير يعاود النّماء، وإن عاث الجدب تيئيساً، والدماءَ تستمرّ في الدّفق المجدي، وإن أهرق منها الكثير..‏

الوطن يسامح، ويقبل التوبّة، ويستوعب، ويغضّ الطرف عن العقوق، لكن إلى حين.. أرجوكم أن نكفّ عن هذه الأسئلة الموجعة، وأن نسأل كيف نكفكف سوائل الوطن في أعين أمهاتنا وأوردة شبابنا، وكيف نهدهد الشهقات في ثغور أطفالنا وصدور كهولنا، وكيف نبلسم آلام الوطن في ثلوم جباهنا، وكيف نمحو العكارة من سحناتنا، وكيف نهدّئ من أنّات الوطن بأن نملأ الأحضان التي تفرغ وتبترد، ونؤالف الأركان التي تباعدت، وندعّم الجدران التي تصدّعت، ونرفع عمد السقوف من جديد أمتن وأعلى..‏

أتوجّه إلى وطني بالاعتراف والاستسماح، وأردّد كما عنوان كتابي الذي صدر مؤخراً: «عذراً سورية», وأقول باسمه ربما: علينا أن نثبت أنّ توبتنا خالصة للوطن، وأن نؤكّد صدقنا في الدّفاع عنه وافتدائه، كما الشرفاء في الجيش والقوات المسلّحة، وفي كلّ مؤسّسة ودائرة ومدرسة وبيت وحقل وحافلة ودرب..!!‏

اترك رداً