كلمة رئيس المكتب الفرعي
في افتتاح مقرّ فرع اتّحاد الكتّاب العرب في طرطوس
أيّها السيّدات والسادة:
لأنّنا واثقون بأنّ القتامة لن تدوم، وأنّ غمامة الغبار والطين، يمكن أن تنقشع.
لأنّنا مقتنعون بأنّ القوّة الحقيقيّة، هي في مدى التأثير، وليست في مقدار الأمر والفرض والعسف.
وأنّ القدرة الفعليّة، تكمن في إمكانيّة التفهّم والإقناع؛ لا في حجم البطش والقتل والاغتصاب.
ها نحن نكمل بوحنا وزفرات المتعبين وأنفاس المحاصرين.
لأنّنا واثقون- ما زلنا واثقفين- بالمستقبل.
نستأنف، كلّ لحظة، الأمل بالإشراق.
ونشحذ عزائم المقاومين.
ونقوّي إرادة الصامدين.
مستمدّين النسغ من صانعي التاريخ، ورافعي عمد الحضارة الحقّة، وناشري الرسالة الخالدة، المتقيدين بها.
ومستشعرين التصميم من العيون الرانية إلى الضوء، عبر النوافذ المحطّمة، والمنافذ التي تضيق.
ومستولدين الصبر من أفئدة الأمّهات الثكالى، والانطلاق من أذرع الأطفال المشرعة بأصابع النصر.
ومتّكئين على الأشلاء المضرّجة بالإيمان والثقة، وأكفّ المصلوبين في زنازينهم، أو حاراتهم المعتّقة، أو خيامهم المزمنة.
السادة الكرام:
أرحّب بكم أجمل ترحيب في هذا المقرّ الجديد لفرع اتّحاد الكتّاب العرب، الذي جاء استكمالاً لمبادرات المكتب التنفيذي للاتحاد، وعلى رأسه الدكتور علي عقلة عرسان، الذي سعى، ويسعى لكي يكون لكلّ فرع من فروع الاتّحاد مقرّه ومشروعاته؛ بحيث يمكن أن يعتمد على موارده الذاتيّة، ويزيد من فعاليّته الثقافيّة أنشطةً متنوّعةً: ندوات وأمسيات ومحاضرات ومعارض..
إنّ لفرعنا حضوره الثقافيّ في المحافظة، وعلاقاته المميّزة مع جميع الجهات الحزبيّة والرسميّة والنقابيّة والشعبيّة. ونحن؛ إذ نعتزّ بهذا الأمر، فإنّنا نقرّ بأنّه حاصل جهود من سبقنا من الزملاء، وجهود زملائنا، وتعاون أكثرهم، وحرصنا على مواصلة الجهود وتعزيزها، وتأكيدنا على مدّ يد التعاون إلى الجميع، ومبادلة غالبيّة تلك الجهات رغباتنا بالتواصل رغبات مماثلة؛ ولا سيّما أنّ فرعنا منفتح على جميع الأدباء والمثقّفين والمهتمّين.. داخل الاتّحاد أو خارجه. ومنفتح أيضاً على جميع المؤسّسات ذات المسؤوليّة الثقافيّة، وسواها..
وننوّه بحال الوئام، التي تسود فرعنا؛ مكتباً فرعيّاً وأعضاء، وحال الودّ، التي تصطبغ العلاقات الثقافيّة في المحافظة..
ولا بدّ من أن نثمّن الإشراف الرشيد على فرعنا من قبل الجهات المسؤولة؛ بحيث لا تدخل في التفاصيل، ولا تغافل عن الغاية والهدف؛ ممّا يجعل العمل الثقافيّ ممكناً وحيويّاً..
ولا بدّ أيضاً من التأكيد على أهمّيّة التعاون الوثيق، بين فرعنا ومديريّة الثقافة في طرطوس؛ ممثّلة بالأستاذ عادل سليمان مدير الثقافة؛ هذا التعاون، الذي تجلّى عبر جميع النشاطات خلال السنوات الثلاث الماضية.. وعبر السعي المتواصل معاً؛ من خلال دعوة المهتمّين إلى اجتماعات عدّة، عقدت في مقرّ الاتّحاد ومقرّ المديريّة؛ للبحث عن أفضل السبل للوصول إلى حال ثقافيّة أغنى وأعمق؛ ما انعكس إيجابيّاً على الحراك الثقافيّ في المحافظة؛ كما أنّ علاقاتنا جيّدة مع المراكز الثقافيّة المتوزّعة في مراكز المدن والنواحي..
أيّها السادة..
إنّ جهد فرعنا الحثيث، وبالتوافق مع خطّة الاتّحاد، غايته نشر الثقافة الحاملة هموم البشر ومسؤوليّة الحياة، بكلّ دروبها غير الميسّرة؛ الثقافة الجادّة الطامحة إلى إنسان كريم، مكتمل الإرادة، موفور المعرفة، محصّن من الوهن النفسيّ والمعنويّ والمادّيّ؛ كي يكون قادراً، كلّ حين، على حمل الشعلة، التي يفترض أن نحافظ جميعاً على اتّقادها..
وضمن هذا الحيّز، يأتي اهتمامنا بالمواهب الشابّة، وفتح المجال أمامها، وأمام جميع القادرين على العطاء بلا استثناء، ومن دون أيّة حساسيّة أدبيّة أو شخصيّة أو انتمائيّة. وينطلق عملنا من التأكيد على أنّ لكلّ حقّه وجهده وإمكاناته، من دون أن يكون من حقّنا أو حقّ سوانا، الانتقاص من ذلك، أو إعثاره، أو تشويشه، وعلى أساس أنّه ما من أحد يمتلك الحقيقة وحده؛ ولا سيّما في الفكر والأدب، ولكنّه يمتلك كلّ الحقّ بالسعي إليها، ويمتلك كلّ المشروعيّة والواجب للبحث عنها؛ ابتداءً من الإجهار برأيه والدفاع عنه؛ وصولاً إلى المدى، الذي تؤهّله قدراته وخبراته الوصول إليه؛ مع أهمّيّة أن نكون في قولنا وحوارنا مقتنعين بما نقول، قادرين على الإقناع، مستمعين لما يقال، قابلين للاقتناع، مثمّنين الجهود والإمكانيّات، لا باخسين الآخرين حقوقهم وأفكارهم وإنجازهم، ولا محبطين أو متّهمين أو مهمّشين، غير عدائيّين ولا حاقدين ولا منتقمين ولا عنيدين؛ فليس منّا من بالغٌ حدّ الكمال، مهما امتدّت به السنون، وتكثّفت التجارب. نقتنع بهذا، و نعمل به، ومن أجله، من دون أن نتجاهل أهمّيّة التعاضد بين مختلف الجهات، ومن دون أن نغفل أهمّيّة الدعم المادّيّ والمعنويّ؛ لأنّنا غير قادرين وحدنا على القيام بالمهام الجليلة، وغير بعيدين عن الإمكانيّات والظروف للاهثين لتأمين مستلزمات الحياة الضروريّة الأخرى..
ولهذا، كان إعلان الاتّحاد عن عرض دائم لبيع الكتب من صادراته بسعر مقطوع للنسخة الواحدة قدره (50) خمسون ليرة سوريّة من الكتب، التي صدرت قبل العام (1996م)، وبحسم قدره (50%) من سعر الغلاف، لما صدر منذ العام (1996م).
السادة الكرام:
إنّ هذا المقرّ، بإمكانيّاته، وقدرات أعضائه وروّاده وأصدقائه والمعنيّين والمهتمّين، وبالتعاون مع كلّ قادر وراغب، ينضمّ إلى الكثير من البنى الثقافيّة في هذه المحافظة وسواها من المحافظات في هذا القطر الصامد.. تقديراً للمقولة الرائعة للقائد الخالد حافظ الأسد “الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية”، وتأكيداً على أهمّيّة التثقيف والاطّلاع على ما يجري في هذا العالم المتحرّك بتسارع عجيب، وبلا انضباطيّة أحياناً؛ كي يكون المسار بيّناً والمسير واعياً.. وهو ما تؤكّد عليه أقوال السيّد الرئيس بشار الأسد، ويمثّله نهجه؛ فالوطن للجميع، والمصير واحد، والعدوّ الخارجيّ متوحّش مضلّل مدّع، مسلّح بالقوّة والمعلومات والإعلام والإرهاب والإمكانيّات الجبّارة؛ لكنّ عداوة النفس أصعب، ومخارز الاستسلام والإحباط، وفقدان الثقة واللامبالاة، أشدّ فتكاً وهتكاً.
وما يتعرّض له أهلنا في فلسطين والعراق مروّع، وما يحاك لسوريّة ولبنان والسودان خطير، وما يرسم للمنطقة العربيّة برمّتها مظلم حالك.
وما يراد للهويّة العربيّة من إلغاء، مريع، وللشخصيّة العربيّة من تشتّت وضياع أكثر من شرّ الهزائم.. لكنّ اليأس أكثر ترويعاً، وانهزاماً؛ وهو ما يريدون.
والثقافة هي الداعم الحقيقيّ للصمود والمقاومة، وهي الدافع المرجوّ للنهوض، وهي الحافز المهمّ للتقدّم، وهي العنوان الأهمّ للاستمرار والخلود.
فهل نجهد جميعاً للإسهام في هذا الميدان أكثر..!!
أهلاً بكم أيّها الإخوة والأخوات في هذا المقرّ الجديد لفرع اتّحاد الكتّاب العرب في طرطوس.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس المكتب الفرعيّ
لاتّحاد الكتّاب العرب في طرطوس
غسان كامل ونوس