كلمة الوفود العربيّة
في افتتاح الندوة المرافقة للمؤتمر الاستثنائيّ
للاتّحاد العام للأدباء والكتّاب العرب
عمّان (5-7)-(12)-(2007م)
رئيس الوفد السوريّ: غسّان كامل ونّوس
أيّتها السيّدات، أيّها السادة:
لو مرّ شعاع بيننا، ما عرفنا أيّ ذؤابة أو أوجبين أضاء؛
فلا هطلت عليّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا
هو النبض الواحد، والنفس الواحد.. والجسد الأجساد.
الهمّ والقلق والظلامة والندامة.. مواجع تنتظم البلاد؛
والرغبة والتوق والحلم والأمل…
قلبي ينزف، وقلوبكم، على أشقّاء لنا، على بعد أنّةٍ أو جرح، في فلسطين والعراق..
حلمي كبير كأحلامكم، بحياة نبيلة كريمة..
أملي كبير بكم، وسعادتي نديّة بهذا الحضور البهيّ لمشاعل الثقافة والإبداع، في رحاب الجامعة الأردنيّة؛ باستضافة كريمة من رابطة الكتّاب الأردنيّين، ورعاية عزيزة من السيّد رئيس الوزراء؛ ممثّلاً بالسيّدة وزيرة الثقافة، في هذه الندوة ذات العنوان:
“النصّ المسرحيّ.. واقع وآفاق”
المترافقة مع انعقاد المؤتمر الاستثنائيّ للاتّحاد العام للأدباء والكتّاب العرب.
أيّها الأصدقاء
إذا كان المسرح يعني التمثّل والتواصل والمشاركة والقرب والحضور والتعوّد والألفة والتفاعل… فإنّ هذا اللقاء أجمل عرض، من أهمّ شخوص، لأنبل غاية، وأعزّ مشاهدين. وإذا كان المسرح شذرات من الحياة أو توقاً إليها، أو محاولة لرصدها وإدانة القاتم فيها، ورفع الظلم عمّن ولدتهم أمّهاتهم أحراراً؛ فإنّ المسرح العربيّ يحتاج إلى رفع الظلامة عنه؛ فليس الواقع المسرحيّ الحاليّ العربيّ هو المرتجى، وليس ما يُعرض بمختلف عروضه ومشاهده ومسمّياته ومنابره وإيقاعاته… هو الممكن، وكفى المبدعين زالمثقّفين والقائمين عليها، تعب المبادرات الخلّاقة وعناء المحاولات الجادّة، وشرّ السؤال المادّي والمعنويّ، وشرور التدخّلات والضغوطات والمثبّطات والمساءلات… ولعل ما يزيد من فرادة المسرح وأعبائه، تعدّد العناصر المشاركة في إنجازه؛ ابتداء بكاتب النصّ، وانتهاء بمن يغلق الباب أو يسدل الستار، بعد انتهاء العرض؛ مروراً بالمخرج والممثّلين والكوادر الأخرى جميعها؛ وصولاً إلى الجمهور المهتمّ؛ كلّ حسب حيّزه المتاح وقدرته على تفعيله وخبرته وإمكانيّاته..
وبدهيّ أنّ هذا كلّه، يحتاج إلى عمل جماعيّ جدّي، لتحقيق الانسجام، الذي يؤمّن النجاح، ولعلّها المشكلة الأولى؛ بل الكبرى في أيّ عمل عربيّ، حتّى في البلد الواحد؛ ناهيك عن العمل على الصعيد العربيّ؛ أقصد العمل الجماعيّ بروح الأسرة الواحدة؛ إنّه مطلوب وممكن؛ بتوافر الهاجس الإبداعيّ، والهمّ الثقافيّ، والروح المسرحيّة، التي تعطي بلا حساب..
ولا أحسب أنّ أهمّيّة النصّ المسرحيّ مثار جدال؛ فهو الأساس، الذي يحمل المبنى بناصره الأخرى جميعها؛ وإذا ما كان الأساس هشّاً، فلا منقذ ولا مجير، مهما تلألأت الزينات، وتأنّقت المناظر والألوان.. وهذا لا يقلّل من أهمّيّة العناصر الأخرى، التي تميّز المسرح. ولكنّه يحفز على الاهتمام بكتابة النصوص، وحسن اختيارها.. وتظهر هنا مشكلة أخرى قائمة بحدّة، تتمثّل بإهمال النصوص المسرحيّة العربيّة، والبحث عن نصوص أجنبيّة، مع يقيننا بأهمّيّة الكثير منها وغناه، وامتداد أصدائه.. لكنّ الكثير منها يشكو في عرضه لدينا من عدم انسجامه؛ بيئة وأسماء ومفاهيم ومشكلات؛ ممّا يلزم معه بذل الكثير من الجهد، الذي قد لا يفيد في جعله مقنعاً..
وغنيّ عن القول إنّ لوحة النصّ المسرحيّ، لا تأخذ أبعادها الحقيقيّة، ولا تكتمل ملامحها؛ إلّا بتجسيدها أمام نظّارة.. ومن الطبيعيّ أن يقلّل هذا الإحجام عن النصوص العربيّة من حماسة المؤلّفين الجادّين، الذين لا يعتمدون على ردود الأفعال الآنيّة من ضحك مجّانيّ وانفعالات غرائزيّة..
وهذا ليس تسويغاً لكتابة مسرحيّة غير مقنعة، وليس كلّ ما لا يُتبنّى للتمثيل قاصراً. ومن العبث ان ننتظر من الآخرين أن يردّوا الحيف عن النصّ المسرحيّ ومبدعيه؛ بل هي مسؤوليّة الكتاب أنفسهم، ومؤسّساتهم من دون أن يعفي هذا المعنيّين الآخرين من المسؤوليّة.
ولا شكّ في أنّ إقامة مثل هذه الندوة في هذا المكان العزيز والصرح العلميّ، وبمشاركة واسعة وغنيّة من مختصّين ومهتمّين وكتّاب بمختلف الأطياف والخبرات، الندوةِ التي تلقي الضوء على واقع النصّ المسرحيّ، همومه وإنجازاته، آهاته وزفراته وإشراقاته، وتقدّم رؤى جدّيّة لِما يمكن أن يكون عليه في المستقبل، وما يجب أمرٌ بلغ الأهمّيّة.. في هذا الزمن الذي يبدو فيه العالم مسرحاً صغيراً، تسمع الآهة حين تخرج من مسام المقهور! مع ذلك؛ فإنّنا لا نجيب على نداء ذي القربى.
لقد تبدّلت المواقع والمفاهيم بشكلٍ فاجر وفاجع؛ تُدان فيه الضحيّة؛ لأنّها تحاول التخفيف من متعة الساديّ، وهو يجهز عليها بدم بارد أو حام..
وإذا كان معظم الممثّلين (النجوم) على مسرح العالم بائسين ظالمين؛ فهل يفترض أن نكون نظّارة تابعين؟! نضحك حين يريدون، ونوجّه سبّاباتنا؛ بل سهامنا بالاتّجاه الذي يرغبون؟!
إنّ هناك نجوماً آخرين حقيقيّين، يقاومون بالعيون والدماء والأنفاس، وبالأحذية أيضاً!
إنّ الكرامة تستحقّ، والإنسانيّة تستحقّ، والوطن يستحقّ..
وعلينا أن نستحقّ لقب المثقّف الحقيقيّ، والأديب المبدع؛ من دون أن يعني هذا أن يكون الموضوع على حساب الإبداع أبداً..
وإنّني باسم المشاركين الأصدقاء، الذين شرّفوني بإلقاء هذه الكلمة، أتقدّم بجزيل الشكر، وجميل التقدير لكلّ الجهد المبذول للوصول إلى هذا الإنجاز؛ من الأصدقاء في رابطة الكتّاب الأردنيّين، والأعزّاء في الجامعة الأردنيّة؛ وصولاً إلى الإشراف والرعاة؛ متمنّين أن نستطيع ردّ الجميل؛ مؤكّدين العزم على ذلك..
والسلام عليكم ورحمة الله
***
رئيس وفد اتحاد الكتاب العرب في سوريّة
عضو المكتب التنفيذيّ
غسان كامل ونوس