قـــراءة فــــــي أوقــــــات بريــــــة
ملحق ثقافي
19/6/2007م
باسم سليمان
لربما المواجهة الوحيدة التي قام بها السارد عبر بوحه الذاتي كانت على يد كاتب الرواية غسان كامل ونوس ألا وهي في عنونة الرواية ب(أوقات برية)
بإطلاق حكم قيمي على طبيعة الحياة التي عاشها السارد( سعيد) هذا ما حاول الكاتب إفهامنا إياه في محاولة لترويض سلبية سعيد وحياديته وظهور الكاتب بمظهر الملهم أو المنقذ ومحاولته أنسنة هذه الأوقات وكأن سعيدا علم بمقاصد كاتبه فعمل طوال الرواية كخلد يحفر الأنفاق لصنع غابته البرية وإجهاض رغبة الكاتب في إخراج شخصية مقاومة لكل هذه الوحشة المجتمعية المتوحشة. لتأكد (سعيد) بحس حيواني لا يخيب بالخطر وعدم الجدوى؟!. أما فيما عدا ذلك فبقي السارد سلبيا مقدما حلا مرضيا للعقم الذي أنتجه المجتمع الإنساني عبر كمية الحرمان الذي أنتجه هذا المجتمع بذاته عبر اللهاث وراء متطلبات حياة مجتمعية لا تني تتطور باستمرار مفرزة رغبات أكثر وحرماناً أكثر تحت مظلة ميكيافلية تبدو مبررة ومنطقية بشكل عقلي ومنطقي تدافع به الشخصيات التي حاورها سعيد ولم يستطع مشاكستها عن منطقها في الحياة كحل وحيد للبقاء. أما سعيد الذي ظل فعله الذاتي مقتصرا على شروده وحياديته رغم ما أبداه من محاولة جادة ليكون على قدر قناعاته وأخلاقياته التي قادته للسجن ومن ثم لمحاولته التي تكاد تكون عبثية ومتوازية مع المجتمع الذي فقد أي ارتباط معه بإنتاج غابته الآمنة وإن كانت على يد صديقه الذي كان حاضرا لأيام السجن ومدخرا بما فيه الكفاية من قدرة تمكنه من التحول الجديد له بعد خروجه من السجن. فقد أعد العدة لشراء ذاكرة جديدة لمحيطه .أما سعيد فقد فشل بإيجاد التوازن لمعادلته أمام ما قدمه (جمال )سائق السيد من حجج تفيد في تبرير منطقه (ومن سوف يقتنع ببراءتك) التي تنافح عنها ذاتك هل أنت أكيد؟؟. لربما كان جواب سعيد بالموافقة التي تجلت على شكل طموح قد يتحقق في أن تسمح لي أن أنشأ غابتي الخاصة ضمن أراضيك. وهنا كانت الخسارة الكاملة للإنسان سعيد بعد طول مواجهة إذ قبل أن ينطوي تحت كرم صديقه الوصولي السارق كحل يبدو في جانب ما أن سعيد كان أكثر أنانية من كل من رفضهم فهم اختاروا المواجهة والتغير مهما كان الثمن علانية أما هو فقد هزم مرتين الأولى بحياديته السلبية تجاه واقعه الذي اعتبر قدرا لا مفر منه. والثاني بنسجه شرنقته في ظل ما كان يرفضه من وسائل غير شرعية في تأمين الحياة اللائقة وأمام هذه الهزيمة التي أعلنها سعيد في نهاية الرواية (قد أتساءل ! لو أن العمر نهار! لو الزمن نهار!) فقد أمعن في شرح وتفصيل المعاناة التي قادته لهكذا هزيمة مدوية بعودته لطور الحيوان وكأن هزيمته هي نجاح من وجهة نظر أخرى. فالآخرون قد أبقوا على الشكل الإنساني أما جوهرهم فقد متح من غرائزهم الإنسانية المصنّعة بشكل أكثر من حيواني أما هو فقد أتم التحول وقصده بأن يكون حيوانا في غابته يعيش وفق متطلبات حاجة الحياة لا أكثر. هنا يبرز الانتصار الذي ادخره سعيد للنهاية كحد فاصل نال من أحلام الكاتب بمجتمع مثالي عمل على تحضيره بنقد وتعرية المجتمع الذي طحن الإنسان من خلال شخصية بطله سعيد بقراره بالعودة إلى الغابة! لأنه لاحل مرتجى وأيضا كرد على كل الشخصيات الأخرى التي تعاملت مع الكاتب بازدواجية تخدم مصالح دورها ورغبتها الدفينة بانتزاع البطولة من سعيد وتأدية ما يطلبه منها سيدها الكاتب في مزرعته الكتابية بأن أقصاها عبر إقامة السور الشائك لحماية مجتمعه الجديد الغابة وحيواناتها وحمايتها من الغازين.
الفئة: ما كُتب عنه
بقلم: باسم سليمان
الناشر: ملحق الثورة الثقافي
تاريخ النشر: غير محدد