كلمة اتحاد الكتاب العرب
في
في تكريم الأديب مالك صقور
أيها السادة:
أمداء من البهجة، وفضاءات من الطيب، ونفحات عابقة بالغبطة والأمان، تطوّف في الرؤى والأحاسيس والذاكرة والوجدان بلا استئذان، لا تعبأ بالرهان والنكران، ولا تمثُلُ لقوانين الزمان..
ذلك هو التكريم الذي يعبر عن نقاء النفس، وأصالة الجوهر، ونبالة الفكر، وحيوية النسغ، وحماسة الخير، ونصاعة المعنى، وإنسانية الإنسان.
وتزداد المواقف إشباعاً وإقناعاً والمعاني إشعاعاً، والأصداء تحفيزاً وإمتاعاً، حين يكون المكرّم يستحقّ، سمعة وسلوكاً ومسيرة وإبداعاً، وحين يكون المكرم ما يزال في قيد الحياة، قادراً على العطاء، قابلاً للبقاء المجدي، علّ ذلك يؤمّن أن انعتاقه منها سيكون بخسارة أقل ورضا أكبر.
ومكرمنا اليوم الأديب الصديق العزيز مالك صقور يمتاز بحضوره الثقافي والأدبي والاجتماعي والإنساني، على مدى ينوف على ثلاثة عقود وفي مختلف الأحياز الثقافية؛ ابتداء من مئات الزوايا، وعشرات المقالات الفكرية والنقدية، والنصوص الإبداعية، ومروراً بالكتب المتنوعة في القصة والترجمة والأدب المقارن.. وليس انتهاء بمهماته في اتحاد الكتاب العرب عضواً في لجان القراءة والتقويم والتحكيم والانتساب، وعضواً في مجلس الاتحاد ورئيساً للمكتب الفرعي في طرطوس.. مع نشاطات أخرى قراءاتٍ ومحاضرات وندوات.. في الاتحاد، وفي وزارة الثقافة ومنابرها، وفي جهات أخرى أيضاً.
واستطاع الأديب المكرم أن ينقل إلينا الكثير من معالم الأدب الروسي الذي تخصص به، والعديد من ملامح الأدب العالمي عبره، إغناء للمشهد الثقافي، ورصيداً للذاكرة الثقافية.
وإضافة إلى كل ذلك، فإن للأديب المكرم حضوراً اجتماعياً أليفاً مشهوداًً من كل من يعرفه، ويعرف علاقاته الواسعة مع مختلف الشرائح الاجتماعية؛ تلك التي يُغبَط لمقدرته على الجمع بين الكثير من أطيافها التي تبدو متباعدة، بما يؤكد انفتاح الفكر لديه، وأريحية الروح، والثقة بالنفس، وأهمية الآخر بالنسبة إليه مشاركة وتفهماً وتفاهماً واحتراماً، ووداً لا يفسده تباين في المواقف، وتمايز في المواقع والاتجاهات أو اختلاف في الرؤى.. ناهيك عما يعاضد هذا الودّ من حبّ للمساعدة، ومبادرة لردّ الأذى، واستعداد للعطاء يتبدى في حسن اللقاء، والاحتفاء، وصولاً إلى أية إمكانية متاحة. ومما لا شك فيه أن هذه الرحابة لم تكن بلا ثمن، وصل أحياناً إلى حدّ التهمة، رغم أنه استخدم بعض ميزاتها من أجل الآخرين.
إن أهمية عمق العلاقة بين الأديب والمجتمع، جسدها الأستاذ مالك صقور في الواقع باقتناع، يؤكده الانسجام بين الفكر والممارسة، وانعكست في أدبه واضحة مشرعة؛ فالناس مادته الأساس، إضافة إلى عناصر الحياة وظروفها غير الهنيّة، والبحث عن سبل العيش الكريم، والسعي إلى تهيئة شروطه المناسبة.
وفي المحور عينه، يمكن القول إن ما قدمه الأديب مالك صقور في الصحافة يقارب بين الثقافة والإعلام؛ يغني الإعلام أفكاراً ومعلومات وأدباً، ويغري الثقافة بالسلاسة والشفافية والقرب؛ ويكاد الكثير من كتاباته الأخرى لا يخرج عن ذلك المسعى/الهدف ربما؛ فتميزت معظم كتابات مكرمنا العزيز بجرأة في الكشف عن الكثير من مظاهر الفساد: الثراء السريع، الكسب غير المشروع، استغلال النفوذ بمختلف أشكاله المادية والمعنوية؛ كما فضح الكثير من الممارسات والعادات والأعراف التي لا تنبع من أصالة ولا تؤدي إليها. واحتشدت نصوصه بالثراء الإنساني أمثالاً وحكايات وحوارات، تعابير ومفردات واستطرادات؛ يلملم المواجع، ويلاحق المشاهد، وينشر الغسيل في الريح؛ ليس لبوصلته استقرار، ولا لخطوه قرار، مستفيداً من سعة الاطلاع وقوة الرصد، مستعيضاً عن العمق بالامتداد، وعن الكثافة بالاتساع وعن التأمل بالارتداد..
وقد ساعده على هذا الانفلات من قيد الصفحات، ومن قيود أخرى ليست محددة تماماً، غزارة الأفكار، والغنى الحياتي تجارب ومكابدات ومعايشات وأسفاراً، والثراء الثقافي قراءات وحوارات وترجمات ومشاركات…
ورغم كل ذلك فقد بقيت البساطة ميدانه، وظل التواضع عنوانه، والإنسان المعذب اهتمامه.. والأهم من هذا وذاك، غنى النفس، والتسامح، والترفع عن الصغائر، وعدم الأذية؛ أنت مع مالك صقور أمين الجانب!
وتؤكد هذه السمات، إضافة إلى إسهامات أخرى، حسن اختيار جمعية القصة والرواية لمكرمها الذي تبناه المكتب التنفيذي، مع أدباء آخرين في الجمعيات الأخرى، كرّموا أو سيكرمون لاحقاً.
وهي عادة دأب على ترسيخها اتحاد الكتاب العرب سنوياً، تقديراً لأعضائه الذين أثروا، وما يزالون، بيدر الأدب بالمزيد من الجنى، وتحفيزاً للآخرين الذين يمكنهم الاستعداد لمثل هذا التكريم جدية وتفانياً واحتراقاً..
ولا بد من الإشادة بانتشار هذه الميزة الحميدة/التكريم في مختلف المجالات وعلى أعلى المستويات؛ فمنذ أيام كرم السيد الرئيس الفنانة منى واصف، وقبلها مكرمون عديدون.. من بينهم عدد من الأدباء أيضاً.
مبارك للأديب الصديق العزيز مالك صقور هذا التكريم الذي لا يعني بأي حال نهاية المطاف؛ بل محطة هامة تتلوها محطات هامة أيضاً نرجوها وننتظرها.
ومباركة جهود الخيّرين لساناً وقلباً ويداً، قلماً ونفساً وإبداعاً..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
عضو المكتب التنفيذي غسان كامل ونوس
الفئة: كلمات ملقاة
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: الأسبوع الأدبي
تاريخ النشر: غير محدد