تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعة حفظ
على الضفة الأخرى
كتب
الأربعاء 2-6-2010م
رمضان إبراهيم
ثمّة أشياء كثيرة وتناقضات كبيرة في المجتمع يخبرنا عنها الأديب غسان كامل ونوس في مجموعته القصصية الأخيرة ( على الضفة الأخرى ).
الصادرة عن دار شرق وغرب للترجمة والطباعة والنشر بدمشق. والمجموعة تكاد تكون كلاً لا ينفصل، فالرجل الذي يصنع الأحداث والتفاعلات هو نفسه الذي يعاني من تلك التفاعلات والتناقضات سواء أكان ذلك في البيت، الشارع، العمل. وفي الحيّز الأخير ( العمل ) ركّز الكاتب جلّ أحداث المجموعة على التجاوزات والمخالفات التي تحصل والتي يرصدها ذلك الرجل الواقف على الضفة الأخرى، الذي ينظر إلى نهر الحياة وهو يجري دون توقّف بينما أولئك اللاّهثون وراء المال والثروة والمناصب لا يأبهون لحركة الحياة ولا للنهاية التي سيصلون إليها. المجموعة موزعة على اثنتي عشرة قصة اعتمد فيها الكاتب أسلوب المونولوج الداخلي، بالرغم من أنها لا تخلو من الحوار في بعض المراحل. في قصة « العتبة ». يتوقف الكاتب عند هذه العقبة كما سأسميها أنا وأستميح الكاتب عذراً. هذه العقبة، أو الممر الإجباري للدخول إلى أي مكان أو للخروج منه. الدخول إلى الأمكنة المهمة يحتاج للمرور من على العتبة، التعثّر بها، أو الانحناء قليلاً، فيما لو كانت العتبة لا تملك الارتفاع الكافي. طبعاً، هذا للبعض..! أما للبعض الآخر فلا وجود للعتبات ( العقبات) أبداً، فالداخل لا يحس بوطأة ذلك، لا يتعثر، ولا يجد نفسه مضطراً للانحناء..! يقول الكاتب في الصفحة 10.: « لا أنحني لمخلوق » ويضيف في نفس الصفحة : « تأخرت بسبب ذلك عن الترفيع والمهمات والمسؤوليات » أي بسبب عدم الانحناء..! في قصة « قمر » يحدثنا الكاتب عن هذا الرجل الذي وجد نفسه وحيداً في منزله بعد أن سافرت زوجته وأولاده. وعن ممارسته لحريته بشكل كامل في كل أرجاء البيت : « أنا الآن حر بامتياز.. عليّ أن أعيش حريتي حتى آخر نفس » ص 16. الروتين الذي تفرضه الزوجة على المنزل، وحركة الأولاد وشعورهم بأنهم أصحاب شأن. كلّ ذلك يحجّم حريته ويجعله رهن مشيئتهم. حتى عندما يتعلق الأمر بمستقبله الوظيفي فالكلمة الفصل هي لزوجته ولأولاده. كيف لا وهم من يجني ثمار مكانته الوظيفية بينما يحترق هو من الداخل دون أن يحسّ به أحد : « أفكر في ترك الوظيفة.. ليس التعب هو السبب بل الروتين اللعين والنتائج المتشابهة رغم تغيّر التفاصيل ». القمر الذي يطارد العتمة لم يعد قادراً على ذلك. العتمة تشتد والظلم يستشري ولا صدى لصوتك وأنينك : « تحاول أن تصوّت، تخرج تمتمات خافتة تكاد لا تفهمها » ص 22. أولئك الذين يراهم الكاتب على الضفة الأخرى وهم عراة، لا يسترهم إلاّ الزيف والكذب والرياء. أولئك الذين يقولون ولا يفعلون، المراوغون الذين لا يستحقون فرصة أخرى : « هل فاتك ما يقال عن عقل من يجرب المجرب»؟ « ص25. في قصته « خروج « يصور لنا الكاتب هذا الرجل الذي وصل إلى حائطٍ مسدود.. هذا الإنسان الذي يئس من كل شيء.. أتعبته حواسه وصفاء روحه فقرر الهرب والخروج من مجتمع يضجّ بالكذب : « سأخرج.. لم أعد أطيق هذا، لا أستطيع أن أحتمل أكثر، الحيّز يضيق، والمكان ينكفئ، يتلاشى، أكاد لا أرى، لا أسمع، لا أحسّ ». ص 61..! الضيق الذي يحياه الفرد في مجتمعه الذي فسدت أخلاقه وبات السارق فيه يحتل مكاناً مرموقاً، يصفقون له، يباركون خطواته، يصفونه بالقوي والذكي الذي استطاع أن يصل.. الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، « الآن سأخرج من هذا الثقب.. ليس من المعقول أن ترتهن حياتي كلها ومصيري لهذا الفراغ الذي يضيق ». ص 65. ويضيف في الصفحة 67 : « أين أنا.. لا أرى شيئاً، لا أسمع شيئاً، أين الجهات، أين الأصداء، أي أصداء ؟ النجدة.. النجدة »..!!!
إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
E – mail: admin@thawra.com