سليمان العيسى القامة الباسقة
غسان كامل ونوس
لسليمان العيسى فضل على ذاكرتنا وذائقتنا، نحن الذين تتلمذنا على لغته العربية النقية، وألفاظه الجليّة، ونبرته العليّة، والتزامه بالقضايا القومية التي عاشها فكراً وممارسة، وتحسسها نبضاً مستعراً لم ينُسْ، وحماسة لم تفترْ في أي وقت، وأي مناسبة هامة في مسيرة النضال الشاقة، سواء أكان فيها إشراق فيلهب الحناجر، أو إحباط فيكفكف الأسى عن جباه الخائبين.. وهو من القليلين الذين لم يستسلموا لليأس، ولم يتقوقع في ركن، ولم يتراجع عن موقف.. على الرغم من الكثير من الانتكاسات على الصعيد القومي؛ بل راح يؤكد قَسَمَهُ العربي من الجزائر إلى اليمن، إلى العراق، إلى فلسطين القضية المركزية في الفكر الذي لا يعرف القطرية، ولا يعترف بالحدود المصطنعة، تلك التي يسعى أعداء العروبة إلى تشعبها أكثر فأكثر من خلال إثارة الفتن وبث الأحقاد بين أبناء البلد الواحد!
إنه الفكر الذي وسم آفاق الحياة، ولوّن مرتسماتها المتنوعة في سورية منذ عقود، وامتدت إشعاعاته في اتجاهات شتى، وقد نهل منه العيسى وغذّاه، اعتنقه وسما به ومعه، أناشيد وقصائد وكتابات ودعوات وأمنيات. ولم يقتصر خطاب شاعرنا المُجيد على مواكبة الأحداث التي عاصرها؛ بل عاد إلى التاريخ العربي، واستنهض القيم والمعاني والشخصيات التي تساعد في شحذ الهمم، وشدّ عضد المناضلين ضد المعتدين والغاصبين في كل زمان ومكان؛ فهو ابن لواء اسكندرون السليب، وقد هُجِّرَ منه تاركاً طفولته وذكرياته والأهل هناك..
وكما توجّه شاعر القومية والإنسانية إلى الجيل المعاصر بشرائحه المتعددة، يشاركه المشاعر والأحاسيس والانفعالات المتولدة نتيجة الأحداث التي شهدتها سورية وسواها من البلدان العربية؛ فقد كرس الجهود والأوقات والثقافة والخبرات، ليصوغها نصوصاً تسهم في بناء الشخصية الرصينة المتماسكة وتحصينها، من خلال التوجه إلى الأطفال بناة المستقبل الأفضل.
لا شك في أننا مدينون لهذه القامة الثقافية القومية الإنسانية الباسقة بالكثير الذي لن ينضب رحيقه، ولن يجفّ نسغه أجيالاً وأحقاباً.
***
غسان كامل ونوس