ونوس: (حضور في الميادين العالمية)
الأديب غسان كامل ونوس نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب قال: سنطوي غصاتنا من الأقربين الطاعنين في الظهر، الخارزين في العين، ونترك استهتارنا بقضايانا، والتساؤل حول مدى إيماننا بها واستعدادنا للتضحية في سبيلها، ونتغافل عن كثافة الصدوع في بنياننا، وما يتطلبه الواقع المرّ، كي نتخلص من الأدران بما يتجاوز الندب واللطم والأشجان..
سنحاول أن نقوم بكل ذلك، حتى نتطلع إلى أمرٍ أبعد وأقرب في الوقت عينه، ونستطلع مقدار تأثيرنا في الخارج، الغرب تحديداً، هذا الذي لا يملّ ولا يكلّ في التربص والهجوم والمناورة والحيلة، والتصريح بنواياه القاتمة تجاه منطقتنا العربية وشعوبها ومقدراتها، بشعارات مغرية حيناً، وعنوانات براقة أحياناً.. باستخدام إمكانياته وعضلاته، أو أدواته التي تتكلم بلساننا، وتعيش بين ظهرانينا.. وبصرف النظر عن الشكّ في إمكانية أن نؤثر في الرأي العام الغربي، الذي يمكن أن يؤثّر في قرارات حكامه وأطماعهم العابرة للقارات، فإن من مهماتنا الوجودية والحضارية والوطنية والقومية أن يكون لنا حضور في الميادين العالمية؛ حضور موضوعي يدعو إلى الاحترام بعد التعرّف والتعريف، وحضور ثقافي يغني ويثمر، ويؤكد ما لدينا من نقاط مضيئة ومراحل مشرقة، وأعلام وعلماء في العلوم والآداب وسواها..
ولا شك في أن أيّ تواصل يستدعي حواراً، ومن شروط الحوار المفيد أن يكون له هدف مقدر، وأن يكون مقنعاً ومستساغاً، أداءً وموضوعات، وأن يكون ممثلونا المباشرون يتمثّلون القضايا التي يتحدثون فيها، أو يحيطون بها على أقل تقدير، وأن تكون الجهات المقابلة المشاركة في الحوار ذات رصيد في المجتمع المدني، وذات حضور جدي في الوسط الإعلامي العالمي، لكي لا يبقى الحوار بعيداً عن الأضواء – من دون أن ننسى أهمية الحوارات غير المباشرة، أو تلك التي تجري خارج المنابر والساحات المشرعة، بعيداً عن أيدي التعكير، وألسنة السوء، ومناشر الغسيل الملطخ_ وأن يكون المحاورون متنوعي الموارد والاتجاهات في كل من الجانبين، ومن الضروري أن يكون لذلك أثر تراكمي معرفي، ليتم البناء على ما أنجز دائماً، مهما كان ضئيلاً؛ لأننا إذا كنا سنبدأ من الصفر في كل مرة، فلن ننجز أمراً.
ومن الطبيعي أن الفائدة ستكون أعمّ، لو كان ذلك من خلال مشروعات متكاملة في السياسة والاقتصاد والثقافة.. ومن خلال رؤية استراتيجية لا مرحلية آنية، تشتد وتضعف حسب حالات الاشتباك الدامي، التي لا تكاد تتوقف، إلا كاستراحة محارب.
ومن الظلم أن نقول أنه ليس بيننا من لايريد مثل ذلك التواصل المجدي، وقد لا يملك الوسائل اللازمة لذلك، ولابد من البحث عن تأمين هذه الوسائل، ولاشك في أن اللغة أساس المنابر الإعلامية والثقافية الموجهة إلى الخارج، وهي عظيمة الفائدة في الخطاب المباشر أو غير المباشر؛ فنحن نتحدث بلغتنا، ولايكاد كلامنا ينفذ من آذاننا، تلك التي ليس فيها وقر.. فكيف سيعاملنا الآخرون باحترام، وعلى أي أسس؟!
والمسؤولية في ذلك عامة؛ مسؤولية الحكومات والمؤسسات والإدارات والجمعيات والاتحادات والتجمعات..
والمسؤولية أيضاً خاصة تتعلق بالأفراد كل من موقعه الذي يسمح بالعطاء في هذا الجانب الوطني الهام، وهناك أعداد كبيرة من مواطنينا المتعلمين والمثقفين والمتحضرين، وقد درس الكثيرون منهم في الخارج، عادوا أو أقاموا، ومنهم من هو غني معرفياً وذو مكانة.. ويمكنهم أن يقوموا بأدوار، ويحتاجون إلى من يجمع ويراكم وربما يوجه ويخطط ويمول، وهذا يحتاج إلى مبادرات وإمكانيات وقناعات قبل ذلك وفي أثنائه.. وللإنصاف فإن هناك من استطاع أن يخاطب الآخرين في أحيازهم، ويحاورهم في عقر دورهم، وبلغتهم، وعبر منابرهم.. مستفيداً من أدبيات الحضارة التي يمارسون، ويدّعون، وهم يمنحون من شذاها حيناً، ويمنعون..
وهناك للأسف من تماهى مع الغرب في دعاواه ومواقفه مأخوذاً أو مسحوراً أو مستلباً أو منبتّاً متشفيّاً.. وهناك من يكتفون بأن يأخذوا علوم الغرب وإنجازاته، وحرياته ومساعداته، ويعود إلى كهفه أو ركنه المظلم أو حارته البائسة.. يجرّم ويكفّر وينفّذ الأحكام التي لا تقبل الاعتراض!
ومن الاستخفاف أن نقول: ليس هناك من يهتم بنا من الجانب الآخر، ومن ليس قلبه علينا؛ وليس هذا مطلوباً، وعلينا أن نستميل الآخرين إلينا، وأن ندفعهم غلى الثقة بنا وبقدراتنا، وأن نستفيد ممن لديهم مواقف إيجابية واعية غير عنصرية أو استعلائية.. وهم موجودون، ويجاهرون بآرائهم، ويجابهون – للأسف – بعضاً من الإعلاميين لدينا والمثقفين والسياسيين، ممن يتبنون المواقف المعادية للوطن والشعب والحقوق المشروعة.
المسألة أعقد من أن تتناول في عجالة، وأبعد من مجرد تساؤل وتقرير، وأعمق من نية طيبة ورغبة وأمنية، وأوسع من ميدان، وأهم من فتاوى حسب الطلب، ونشاطات عارضة وموسمية، ودعوات ومناسبات.. إنها حاجة وغاية ومطلب ومشروع متنوع الاختصاصات، متكامل العناصر، واعد بالإشراقات والخيرات سواء في الأوقات العادية، أو في أوقات الأزمات كهذه التي نعيشها اليوم.