الفئة: كلمات ملقاة
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: الأسبوع الأدبي-ليس آخراً
تاريخ النشر: 2013-03-09
رابط النص الأصلي: http://www.awu.sy

كلمة اتحاد الكتاب العرب في ذكرى تأسيس الاتحاد؛ تكريم المتقاعدين، وتوزيع جوائز مسابقة “الأسبوع الأدبي” للعام 2012م
الثلاثاء 5/3/2013
تكامل المعنى

كأنّ الأيام شعثاء صرعى؛ الإصباح ليس بأمثل، والنهارات كالليالي..
كأنّي على أرق ووجع، والمخارز تحتي، و”الحدود” فوقي، والهوّات دوني، وفي مساماتي ضجيج، والغصة تمنعني من إتمام صلاة الجنازة.. حتّى على نفسي!
كأنّي ما بلَغتُ، وما بلّغتُ؛ كأنّي ما حبوتُ وما صبوتُ، وما رميتُ السهام، وأبعدتُ مرماي؛ كأني أنازع من صَليات أخرى، وأهداف مغايرة لغاياتي التي.. جُلَّ أن تُسمَى!
كأنّي تقاعدتُ من الحياة بلا عُمْرٍ، أو تقاعد الزمن؛ إذ يتهشّم الوطن؛ فأنا لسوريةَ منذور، عشت فيها، نبتُّ، وأينعتُ، وطوّفتُ، وانتشيتُ، وشاكستُ، وعاندتُ.. وللوطن ما تقدّمَ منّي وما تأخّر، وما يتبقّى من إنجاز ورصيد!
الوطن خالد، ونحن زائلون؛ الوطن وجود، إحساس ومسؤولية وإبداع، لم يهرم، ولن يتقاعد؛ إلا في نفوسنا الواهنة ونوايانا القاتمة، حين نبخل ونتبلّد، وتخفت حماستنا، وتضعف همّتنا..
فهل أذرى بنا الدهر، بعد صول وجول؛ وأودت بنا الحادثات..؛
لأنّ الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي.. لمختلف جدّا؛
لقد هدموا بيتي، وما وَفَرتُ لحومهم؛ فهل بالقعود والتقاعد والقنوط والنّدب والثّأر والاتّهام، والتّقاوي بالغريب والجاهل والنّاكر والجاحد.. أعيد مجدي، وأبني لهم مجدا؟
فهل الدهر من أذرى بنا؟! وهل الدهر يأبى، وقد صحّ منا العزم؟! أم معاذ الله، أنا أنتَ لا الدهر؟!
لا بأس؛ هناك زهرة تتفتّح في قلب الصخر، ووردة ناهضة في جوار العبور، وفرع يخضوضر حتى في ركن مهمل، وطيف ابتسامة في محاق الوقت، ورعشة في المسجّى؛ لم يمت؛ لن يموت؛ فلا تسارعوا إلى الدفن!
تصلّبت القلوب وتجمّدت الحواس، وتماوتت الأعصاب.. لكنّ الوطن ليس صخراً أصمّ إلّا في وجه العاصفة والتسوّس والتصحّر؛ الجذع مال ربما، تشقّق لحاؤه، وتقشّرت بثوره، والنسغ يصّاعد ما يزال؛ وما تزال في الناس المسرّة، والرغبة في الحياة، والتّوق والأمل.. لولا ذلك ما كنّا هنا معاّ، نحتفي بكم، بأنفسنا، نثمّن الخيّر من الماضي، ونثري الحاضر، ونرهص بالمستقبل؛ لأننا نقدّر جهداً كان وتضحية، ووعياً يكون، وشآبيبَ إبداع لا يهون، ولآلئَ احتراق لا تأفل..
فالإبداع لا يتقاعد، والنّبض لا ييئس، والمرارة لا تميت؛ إلا إذا ما ضاعت الرؤى، وتاه الدليل..
ليس أوّلَ عدوان، ولا آخِرَ تربّص وغدر؛ ليست متطلباتٍ طارئةً ولا ناشزة، ولا احتياجاتٍ عارضةً ولا نافرة؛ ولا رغباتٍ عابرةً، ولا أمنياتٍ غابرةً، ولا أضغاثَ أحلام..
ودم الأبرياء ليس بلا ثمن، ومصابرة الأولياء ليست بلا قيمة، والجروح إلى ترميم، والهشيم والصدوع، والربوع تهفو إلى ثغاء يآلفها، والضّروع إلى أفواه تُرطّبها، والجيرة إلى دعوات ولمّات..
ليس ذنبَ الوردة افتقادُ البصر، ولا إثمَ الدّربِ عماءُ البصيرة، وليست جريرةَ البصرة أننا نتنافس في الرّجم والطعن والشماتة، من دون أن نتساءل مَنْ منّا بلا خطأ أو خطيئة، وما الذي أدّى إلى خرابها؛ من منّا لم يوهنها بإهمال أو تغافل، أو شهادة زور، أو سكوت عن قول الحقّ، أو تيئيس أو تبخيس؛ ناهيك عن الهتك والتزوير والتضليل والتجهيل؛ أما الإفقار والتنكيل، والتسفيه والتشويه، وصولاً إلى التهليل بلا مسوّغ، والتبجيل من دون استحقاق، والتعويم بلا أساس؛ فالطامة الكبرى! فهل نكتفي بما كان من خراب، ونمضي في سبيل الصواب!
أحيّيكم أيّها الأخوة والأصدقاء، وأرفع إليكم احترامي وتقديري أيّها الرّواد في الذّوب والذّود والاحتراق، الشهّاد على زمن وقلق وحلم وخيبة.. فلا ابتردت العواطف، ولا انكفأت المشاعر، ولا الآمال والأمنيات والرغبات، ولا إمكانيات المساعدة في لملمة الأنّات، وبلسمة المواجع، وهدهدة الأوقات..
وعلى الرّغم من أنّ الدمع لا يكفكف، والدّماء نوازف، واللغط والهرج والأزّ بلا حسبان.. فها نحن في اتحاد الكتاب العرب نحيي ذكرى التأسيس بتكريم بعضٍ من الأدباء أعضائه متقاعدي عامي 2003 و2004م؛ وهذا ليس استمراراً في تقليد نجدّده، أو تعبيراً عن احترام الكائن الذي يتعرّض للتعرية والتقزيم، والقيم التي تُحوَّر، والعقل المحاصَر والمروَّع فحسب؛ بل تأكيد لجدوى الحياة المستمرة بأجيالها، الحيوية بالمشاركة والتواصل والتفاعل..
وهذا ما أصررنا في الاتحاد على متابعته –من دون أن نكون راضين عما أنجزنا- من خلال اللقاءات المتعدّدة، والنشاطات المتنوّعة والدوريات الفصلية والشهرية والأسبوعية.. التي لم تتوقّف ولم تتأخّر؛ ولا سيما جريدة “الأسبوع الأدبي”، التي كان حضورها المتصل في مواعيدها المقررة دليلاً على مواصلة العمل والثقة والأمل، والكتابة والإبداع، وقد أنجزت الجريدة أعدادها وملاحقها وملفاتها في أوقاتها المقدّرة، كما أنجزت مسابقتها السنوية للعام 2012م، وهي المسابقة الوحيدة في الاتحاد التي استكملت بعد إعلانها؛ فبلغت المشاركات التي وصلت ضمن الفترة المحددة ستاً وعشرين قصة قصيرة في أدب الأطفال، وقُوّمت من قبل لجنة تحكيم شكّلها المكتب التنفيذي؛ ونحتفي اليوم أيضاً بالأدباء الفائزين بجوائزها وفق النتائج التي أعلنت في الجريدة قبل نهاية العام 2012، كما نشرت النصوص الفائزة والمنوه بها في العدد الثالث عشر من ملحق “الأسبوع الأدبي” الخاص بأدب الأطفال، الذي صدر منذ أسبوعين؛ وبهذا تتكامل معاني إحيائنا لذكرى تأسيس الاتحاد هذا العام بتكريم الأدباء المتقاعدين، وتكريم الأدباء الماضين في الدرب الشائق الشائك ذاته، الفائزين بمسابقة في أدب الأطفال.. لعلّ خلاصنا يكتمل بأن نحتفي قريباً بقيامة سورية العراقة والكرامة والعزة، سورية الصامدة المقاومة لكلّ عوامل الظّلم وعناصر الفتنة وفصائل العدوان وعوارض الموات والهوان..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نائب رئيس الاتحاد
رئيس تحرير “الأسبوع الأدبي”
غسان كامل ونوس

اترك رداً