الفئة: مقال
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: ملحق الثورة الثقافي ع 841
تاريخ النشر: 2016-11-15

ما من مجتمع تتساوى شرائحه، وتتقارب مستويات جميع أبنائه إلى حدّ التطابق؛ مهما تبدّت رغبات وأمانٍ، ومهما رفعت من شعارات، ورسمت سياسات، أو بذلت محاولات جادّة أو عابثة، واعية أو موهومة؛ فهناك قدرات ذاتيّة تختلف، وظروف موضوعيّة تتباين، ومجالات للعمل والنشاط تتعدّد، ومسؤوليّات تتوزّع، واهتمامات تتحدّد وتتوسّع، ورؤى تفترق، وتتلاقى، وتتجدّد…

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

وليست هذه الأمور عارضة، أو راهنة؛ بل تترافق في غالبيّتها، مع تفاوت في نسبة حضورها، وتبادل في درجة تأثيرها، خلال أزمنة تطول أو تقصر، في أيّ مجتمع، ومنذ تشكّلِ المجتمعات وتطوّرها عبر التاريخ.‏

ولا بدّ من تمايز عدد من أفراد أيّ مجتمع، وبروز أشخاص فيه، متفرّقين، أو تجمعهم روابط قديمة أو مستجدّة، يكون لهم شأن وأثر وريادة، في أيّ من أحياز المجتمع، ومساراته ومشاربه.‏

____________________________________________‏

والمجتمع ليس كتلة صمّاء منسجمة العناصر، متوازنة القوى، متوحّدة الأفكار والعقائد، مستقرّة العلاقات إلى مدى غير محدود، وهو ليس منغلقاً تماماً على رياح تهبّ من جهات الخارج، وليس قادراً على ذلك مع مرور الزمن؛ لأنّ الأمر لا يتوقّف على إرادته وغاياته؛ فهناك مجتمعات أخرى لها توجّهات وتحرّكات وإمكانيّات، ترود آفاقاً، وتبحث عن شركاء وعناصر، وتكتشف؛ تحرّض وتشاكس، وتغزو؛ كما أنّ في نشاطات الكائنات الحيّة في المجتمع ذاته، وقدراته الظاهرة والكامنة، المادّيّة والمعنويّة، ما يستدعي التواصل بأيّ شكل ومستوى. وقد تضاعف مثل هذا التأثّر والتأثير- الذي ساعد في ذلك نتيجة الحاجة والضرورة والسعي- مع تطوّر وسائل الاتّصال والتواصل؛ وصولاً إلى الحالة الفضائيّة التي نعيش؛ فلا بدّ، مع كلّ ذلك، من أن تحدث تحوّلات في المناحي المختلفة، في السياق الطبيعيّ، أو نتيجة تبدّلات طارئة في الظروف الداخليّة والخارجيّة. وفي كلا الحالين، يكون للنخبة دور أو حضور أو تأثير، بهذه الدرجة أو تلك، في إيقاعات هذه التحوّلات وتوجّهاتها وحيويّتها، ومَدَياتها، ومفاعيلها، واستمراريّتها، وتبعاتها؛ كما لا يمكن أن تكون النخبة ذاتها بمعزل عن التأثّر بما يحدث سلباً أو إيجاباً، قليلاً أو كثيراً.‏

وإذا ما تجنّبنا الدخول في تعريفات متعدّدة ومتنوّعة للنخبة عبر مراحل الزمن، ولاسيّما في القرن الماضي، ومع توزّع انتماءات قائليها، واختلاف الظروف والقوى والأفكار، المنحسرة، أو المسيطرة، أو الناهضة في العالم؛ تلك التي تنتقل بالنخبة من الأسرة والوراثة، إلى الحيازة المادّيّة، والحظوة الروحيّة والمعنويّة، إلى الطبقة، والكيانات المتولّدة والمستولَدة… فإنّ النخبة توحي، حسب مفهومها العام، بأنّها مجموعة من الناس، نسبتها ليست كبيرة، تحمل وعياً متقدّماً، في مجالات محدّدة، تتقارب أو تتباعد، ولديها رؤى للتطوّر والتجديد، مع ما يستلزمه ذلك من تحصيل علميّ ومعرفي وخبراتيّ، وإمكانيّات أخرى… وتمتاز النخبة الفاعلة، أو غالبيّتها – كما أراها- بسعة الأفق، واتّساع الخطا، وامتداد الاستشعار، والانفتاح على مختلف منابع المعرفة، والاستعداد للعطاء، والحيويّة، والمرونة في التعامل مع المشكلات القائمة، والقضايا المطروحة، والمشروعات المقترحة، والمبادرات الممكنة، مع القدرة على قراءة الواقع، وتحليل المعطيات والروابط، التي تعمل أيضاً على استنتاجها، والدخول في حوار جدّي، وبذل جهد حقيقيّ؛ للوصول إلى الحلول المناسبة، وفي أقرب وقت.‏

ولا تتكوّن النخبة في وقت قصير، ولا بقرار وشعار؛ بل تنمو نتيجة عمل مسؤول، وخطط ومبادرات ورؤى ومشروعات، من دون أن يعني هذا عدم إمكانيّة ظهور أناس بمواهب فريدة، وجهود مميّزة، وإمكانيّات ذاتيّة، وتَكَوّنِ مجموعات في ظروف خاصّة؛ ولا يعني الحديث عن النخبة أنّها وحدة متكاملة، أو موحّدة، متوافقة أو متجانسة، تعمل في إطار واحد، أو تلتئم في تنظيمات، وتشترك – حتماً- في أعمال ومشروعات؛ مع إمكانيّة ذلك، وأهمّيّته.‏

إنّ وجود النخبة، في حدّ ذاته، مهمّ للناس، الذين ينظرون إلى الأمام، فيرون من هم أكثر ثقافة وحضوراً وتحصيلاً ونفوذاً، فيتمثّلونهم، ويجهدون كي يصلوا إلى ما وصلوا إليه، وهنا تأخذ النخبة دور القدوة والمثال من دون أن تكون –بالضرورة- ذات سلطة. ويمكنها أن تتمثّل دور القيادة غير المباشرة، الحاكمة بالوجود والتفاعل والمقارنة، ولها تأثيراتها وإشعاعاتها وإشراقاتها، التي تزداد معها حيويّة المجتمع ونضارته.‏

ومن المهمّ جدّاً أن يكون للنخبة احترامها، وتقديرها، من قبل الأوساط جميعها، وإعطاؤها ما تستحقّ من ميزات وإمكانيّات، وإشهارها، وتحفيزها على المشاركة الفاعلة في شؤون المجتمع؛ ومن الضارّ مجتمعيّاً ووطنيّاً وإنسانيّاً، أن تُهمل، أو أن تواجَه في مبادراتها، فيتمّ إعثارها أو تشويهها، أو توريطها بما ليس من مجالاتها، وليس من خصالها أو سماتها أو أفعالها.‏

والنخبة ليست منبتّة عن المجتمع، الذي ظهرت فيه، وتنتسب إليه، وتنمو أو تعيش في ثنيّاته، أو يُفترض أن تكون كذلك، بل تعبّر بشكل من الأشكال عن سِماته، وتحمل جيناته وبصماته، لكنّها لا تستسلم لها، ولا ترضى أن تكبّلها، ولا تقف عندها. وليس من الممكن أو المقبول، أن نقول عن مجتمع إنّه متقدّم، إذا كانت نخبته، أو بضعة من أفراده، يعيشون في الذروة شهاداتٍ وامتيازاتٍ وجوائز، فيما غالبيّة أفراده يقبعون في القاع، والعلاقات بين الفئتين والمستويين عسيرة أو محدودة؛ لضعف الموارد، وتراكم العادات، وتشدّد العقائد، وصعوبة المسالك ذات المنزلقات الأكثر من السلالم والأدراج، ويحتاج الصاعد إلى متكآت ومساند وشدّادات، وعليه أن يسعى إليها، وسيتعب في ذلك؛ كما ليست النخبة في حِلّ من المحاولات الجادّة لتأمينها؛ قبل أن تلجأ قوى أخرى قادرة ومتحفّزة لذلك؛ لغايات وأهداف مختلفة.‏

ومن الظلم والظلاميّة أن نلوم المتعلّم أو صاحب النظرة الثاقبة، والإمكانيّات الفريدة على تميّزه؛ كما لا يمكن أن نلوم العاجز على أمراض لا تقاومها مناعته، وقوى أكبر من قدرته على المواجهة؛ لكنّ لكليهما مسؤوليّة السعي الجادّ نحو الآخر، ليسيرا معاً باتّجاه واحد؛ خلاصاً من العثرات والقيود، ووصولاً إلى أفضل الظروف، وأبعد مدى ممكن من الإنجاز؛ فليس من المنطقيّ أن يبقى المتميّز، فرداً أو فصيلاً، أو الراغب بالتميّز والساعي إليه، في حيّز محدود؛ شاكياً وحدته أو نكرانه، منتظراً قيامة الناس إليه، ووصولهم إلى مكانه ومكانته؛ ليبدأ مسيرة التقدّم؛ كما لا يمكن أن نرضى للغالبيّة أو الجموع أن تنتظر، حتّى تأتي المظلّات أو الرافعات، أو المساعدات المشهودة، وقد تتأخّر، أو لا تأتي، ولا تكفي، ولا تستطيع..‏

إنّ الصلات يجب ألّا تكون منقطعة، بين فئة عالمة قادرة، وأخرى شحيحة الموارد والعلم.. ولا بدّ من تواصل ووسائل اتّصال، وآليّات فعّالة ناشطة راغبة جدّيّة. وهنا تكمن القواعد الصالحة والروابط الأكثر جدوى للوصل بين الجانبين، والوصول إلى حلول ومخرجات حقيقيّة. ويمكن أن يكون ذلك عبر مجموعات لها مواقعها، أو توضع في هذه المواقع، في المنطقة الفاصلة الممتدّة مسافات متباينة بين مجال وآخر، ومجتمع وآخر، تقوم بنقل المعلومات والمفاهيم والتقنيّات، وتبسيطها للناس، وتأهيل من يستطيع تمثّلها واستثمارها، وهم موجودون، ولا بدّ من البحث عنهم والاعتماد عليهم..‏

ومن هذا التفاعل تخرج خبرة وعلاقات وعلامات وإشارات، يحتاج إليها الراغبون بالتطوّر، أو المستهدفون بالتقدّم، في إغناء معارفهم، وترقية أفكارهم، وتنمية قدراتهم، وتحفيز تطلّعاتهم، وتحسين ظروفهم، وشحذ مَلَكاتهم؛ كما يستفيد منها أصحاب المشروعات النهضويّة، في تجذير رؤاهم، وإطلاق مبادراتهم، واختبارها، وتصويب مفاهيمهم التي قد تكون نظريّة، عبر تجارب طبيعيّة وليست مفتعلة، وعمليّات تفاعليّة حقيقيّة غير مدّعاة، وتكون النتائج تقارباً وتواشجاً وتعاضداً، وتثبيتاً لأسس ومتّكآت ومفاصل في الطريق الطويلة التي لا تنتهي. وكلّما ازدادت كتلة هذه الشريحة، ارتقاء، واقتراباً من النخبة، تحتضنها وتغذّيها، وتغتذي منها ما تعطيه للبقيّة في المستويات الأدنى، كان المجتمع أكثر خصوبة وعافية، وأكثر جدارة بالوجود في مقام الأسوياء المتحضّرين، ومضى أكثر فأكثر في طريق التقدّم والازدهار.‏

ولكي نبتعد عن الحدّيّة في ما يعرف من الحوار المتداول في الأدب، بين أبي تمّام وسائله: لماذا لا تقول ما يُفهم؟! وجواب الشاعر: لماذا لا تفهم ما يقال؟! مع نقل حال التمثيل هذه إلى مختلف المجالات؛‏

فإنّ ثمّة عملاً مهمّاً يجب إنجازه، للتقريب والترغيب، ومن الطبيعيّ أن تعمل النخبة، بما تملكه من قدرات، على المساعدة في التثقيف والتنوير، ورصد الآليّات، التي تقع على أصحاب الصلاحيّات والإمكانيّات في المجتمع، ومنها السلطات المتنوّعة، مسؤوليّة تأمينها وتحضيرها وتطويرها لرأب الصدوع، وجَسر الفوالق والانهدامات، ومتابعة التحرّك بوعي وجدّيّة وإرادة وإصرار..‏

فليس من المفيد كثيراً أن يُبَثّ بالألوان، فيما أجهزة الناس جميعاً تستقبل ما يرسل بالأبيض والأسود، وليس من المنطقيّ أن يبقى البثّ بلا ألوان، حتّى يتغيّر الواقع على الأرض، ولا بدّ من السعي في المنحيين، ومن هنا يأتي موضوع التكامل في عمل النخب السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والاجتماعيّة؛ لكي يكون التقدّم عاماً، والتطوّر شاملاً. وإذا كان من الطبيعيّ- والحتميّ-؛ إضافة إلى إمكانيّات النخبة الذاتيّة، وطاقات المجتمع الذي تعيش فيه، أن تكون لها مصادرها ومواردها من خارج المجتمع، من لدن أصحاب التجارب السبّاقة في أيّ مجال؛ فليس من المجدي أن يؤدّي هذا الأمر إلى أن يجعل النخبة مغتربة عن مجتمعها وناسها؛ لا لغتها لغتهم، ولا لاهتماماتها صدى في القاعدة التي تتحرّك فيها وتنشط، ولا لإنجازاتها تأثير جدّي مفيد للمواطنين؛ حيث تعيش وتعمل. ومن الضروريّ أن يكون للنخبة عين إلى فوق، أو نظرة إلى الأمام، وهمّة واستعداد للتجاوز ورغبة بالتقدّم، وعين إلى تحت، تراقب ما يجري، وترى ما هو مطلوب، وترصد آمال الناس، وأن يكون لها أذن تلتقط شارات أبناء شرائح الشعب المختلفة، وهمومهم ومعاناتهم، وردود أفعالهم تجاه القضايا العامّة، وتجاه ما تقوم به هذه النخبة، وما تطرحه من أفكار؛ لتظلّ العلاقة قائمة وحيويّة. وليس للنخبة أن تعيش في تخيّلاتها أو نظريّاتها أو أوهامها، حتّى لو كانت ذات حضور في مكان آخر من العالم؛ فمن المهمّ أن يكون لها مثل هذا الحضور في موائلها وأوطانها.‏

ويمكن أن يتحقّق هذا من معرفة جليّة بعناصر الواقع وصفاته وميزاته، وإمكانيّة استثمار ما تحقّقه، أو ما تنوي تحقيقه في مجتمعها.‏

إنّ من مهام النخبة في الأوقات العاديّة؛ أي بشكل دائم، أن تقوّي الشعور بالانتماء، وتقويّ المناعة الذاتيّة، التي تشكّل الثقافةُ نسغَها، وتعزّز الشعور بالمسؤوليّة، والإحساس الوطنيّ العام، وكلّ هذا يجعل مواجهة الأزمات والحصار والعدوان أكثر فاعليّة وجدوى. وليست مقبولة منها ممالأة أصحاب النفوذ بشتّى أنواعه، وتعدّد أشكاله، وليس ممكناً السكوت على الممارسات والسلوكات الخارجة على القانون؛ بحجّة عدم اختصاص أعضاء النخبة، أو عدم تدخّلهم بما لا علاقة لهم به؛ أو بهدف كسب دعم النافذين بمختلف أشكال الدعم لخططهم ومشروعاتهم، على حساب الناس البسطاء، أو بعيداً عن هموم غالبيّة المواطنين؛ لأنّ من تبعات هذا أن يتعمّق الانقسام في المجتمع، ويسهل التأثير على الطبقات المحرومة من قبل أصحاب النفوذ، بمشاركة النخبة، أو بسكوتها على ذلك.‏

ويتجلّى دور النخبة أكثر، حين يتعرّض المجتمع لهزّات تصيب الوطن، وكوارث ونازلات؛ .. فعلى النخبة ألّا تبتعد عن الناس، فتتقوقع وتتماوت، ولا أن تكون أنانيّة، فتهرب برصيدها المعنويّ والماديّ خارج البلد؛ حتّى إن وجدت ملاذاً ومرغّبات، وقد يكون هذا جزءاً من المخطّط العدوانيّ؛ ناهيك عن الصمم تجاه ما يجري من اعتداء وظلم؛ بل لا بدّ من الإبقاء على الروابط والعلاقات وتقويتها مع شرائح المجتمع؛ والاستمرار في المشاريع؛ بل يجب اجتراح أساليب وطرق وآليّات لتصبح النخبة أقرب إلى المواطنين؛ فتشرح الأسباب، وتبيّن المخفيّ من الوقائع، وتسهم في تحصين ما تبقّى من مناعة، وتساعد في تجميع ما تناثر من قوى وإمكانيّات، وترأب الصدوع، وترفع المعنويّات، وتحضّ على المواجهة الذاتيّة، وتكشف الأخطاء، وترفع الغطاء عن المهملين والفاسدين، وتعمل على إصلاح ما يمكن؛ كما تؤكّد أهمّيّة مواجهة الأخطار، ومقاومة المعتدين، الذين لا يمكن الركون إلى أقوالهم مهما عسلت، ولا مسوّغاتهم مهما تزيّنت، ولا يمكن أن يكون همّهم سلامة البلد وأبنائه، وأمنهم ورقيّهم، مهما ظهر من تضليل أو تعويم للمصطلحات المشرقة والمفاهيم الحضاريّة؛ وللنخبة هنا دور أساس في كشف زيف الادّعاءات، وبيان الفروق الهائلة بين حلاوة أقوال المعتدين وفظاعة أفعالهم وغاياتهم، وإعطاء الشواهد والأمثلة على ذلك في التاريخ وعلى امتداد العالم.‏

ومن الطبيعيّ والمأمول أن تزداد فعاليّتها في مرحلة إعادة البناء.‏

ولمفهوم النخبة- كما أسلفت- معنى إيجابيّ، يجب استثماره في خدمة الناس، وصالح المجتمع، والبلد، والإنسانيّة بشكل عام. وليس من النخبة، القادرُ علميّاً، أو في أيّ مجال آخر، ويستغلّ قدرته في أفعال شرّيرة؛ تحريضاً سياسيّاً وإعلاميّاً ودعويّاً، وفتنة طائفيّة أو عرقيّة، وإمداداً بوسائل القتل والتخريب، وليس بنخبة من يتعالى على أبناء جلدته، وينبتّ عنهم بأيّ حجّة ولأيّ

غاية. والنخبة القريبة من الناس تعزّز دور الجماعة؛ بما هي قادرة على التعاون وجمع الطاقات لإنجازٍ أكبر في خدمة المجتمع، وليس بما تحمل من عقائد، وتتمثّل من شعارات..‏

ومن الخطورة بمكان أن تأخذ النخبة دور السلطة في محاولة الهيمنة على «العامّة»، والحكم عليهم بالجهل والسذاجة والعقم المعرفيّ، ومطالبتها لهم بالانقياد إليها، وطاعتها كأولي الأمر!!‏

وقد تتعاون بذلك مع السلطات، أو تنافسها عليه.‏

وقد تتنافس النخب فيما بينها أيضاً، وتتصارع إلى حدّ الاقتتال، وقد تَفسُد، وتُفسِد، أو تسهم في الفساد بأشكاله المنظورة والمستورة، وتتشارك مع رموزه؛ وهي تعطي، بمثل هذه الممارسات، أسوأ الأمثلة، فتخسر إمكانيّاتها، وتفقد جمهورها، والأهمّ، افتقاد الحافز، وتبدّد الحماسة إلى القدوة، ويصبح الآخرون عرضة لأيّ اعتلال، متقبّلين للتدخّلات الأخرى من قوى أخرى متربّصة للدخول إلى ساحاتٍ صار جمهورها بلا بوصلة!‏

وتكون الخسائر مضاعفة.‏

فيما الواجب أن تستمرّ في ريادتها، مهما كانت الظروف، وأن تتنامى خطواً وعدداً وحضوراً، وتسعى إلى جَوهرة كيانها؛ والإقناع بأهمّيّتها وجدواها، بمواقف وإنجازات ونشاطات حيويّة وطنيّة إنسانيّة…‏
***

اترك رداً