غسان ونوس: (أبعاد إيجابية هامة)
الأديب غسان كامل ونوس نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب قال: لو أن افتقاد المنابر الثقافية للحركة والضجيج اقتصر على التصفيق والمواكبة والصراخ، لما كنا محزونين كل هذا القدر، ولقلنا إن ذلك فضيلة من تبعات الأزمة؛ التي ليس فيها الكثير منها.. لكن الواقع يشير إلى أن الهجران والنكران؛ بل التنكّر،جاء معظمها من بعض من كانوا يصولون ويجولون ويقرّرون ويقوّمون ويمنحون ويمنعون.. من أدباء ومثقفين ومعنيين بالثقافة أو معيّنين فيها! ولعلّها فضيلة أخرى أن يتم انكشاف هؤلاء وترسّبهم،وتساقطهم أو تقشّرهم عن الجذع الذي ما يزال يقاوم التسوّس والريح و«الحدود» المشحوذة بالحقد والظلام.. ومايزال النسغ يسري في العروق المصونة الصائنة، وما تزال الغصون التي لم تتقصّف، تستعد لربيع حقيقي بعد فصول عجاف..
وإذا كان ممكناً تفهّم الظروف التي أثرت على القول إبداعاً وتعبيراً وإفصاحاً، فانكفأ أصحابه أو صمتوا أو ثبتوا، فإنّ هناك الكثير مما لا يمكن قبوله أو تسويغه, ولا بد من الاعتراف استطراداً أو استباقاً أن كثيراً من النشاطات الثقافية التي كانت، لم تكن لعينِ الثقافة، ولم يكن هاجس القائمين بها، ومنفّذيها، ومَن وراءها وأمامها ثقافياً إبداعياً..
ولذلك لم يكن التحضير في غالبيته مؤسّساً، ولا الإعلان مناسباً، ولا الإعلام محفّزاً، ولا الحضور مشجعاً، ولا الحوار مفعلاً؛ ناهيك عن التوقيتات والموضوعات والأصداء المطلوبة أو المرغوبة، والأجر المحسوس والمنتظر.. ولا ننسى دخول أصحاب الأموال على خط الثقافة «تبييضاً» أو دعاية لمشروعات وأفكار بغايات ليست مشرقة!
ومع ذلك، كان هناك من يقول بصدق، وينتقد بوجع، وينبّه بمسؤولية، ويشارك بأعصاب وأطياف وآمال وآفاق من دون انتظار وليمة، أو ثمن، أو رضا، أو موقع.. لكن المشكلة في من يسمع أو يرى أو يحس أو يهتم؛ كانوا قلة، لكنها فرص وإمكانيات ومجالات كان يمكن التحرك فيها أكثر، والجَني أوفر!
لقد وجد كثيرون من الأدعياء والأوصياء على الثقافة ومنابرها في الأزمة،التي تشغل الثقافة حيزاً مهماً منها أسباباً وعلاجاً، كلّ الأسباب «المشروعة» التي تسبّب الموات أو التماوت، فارتكنوا قصياً، أو قعدوا يسيّرون الأمور الوظيفية في حدودها الدنيا؛ كما أن هناك من «استفاد» من هذه المنابر، وخرج للتمويه أو التشويه أو التجريح! ومن الإنصاف القول إنه ما تزال منابر محدودة تقوم، مشكورة ومقدّرة، ببعض النشاطات الهامة، وتحاول أن تقدّم ما يفيد، وما يساعد على تجاوز الغصات؛ مع العلم أن لمجرد التحرك في هذا المجال أبعاداً إيجابية هامة.
إن هذا المفصل الأساس في حياتنا وفي نهضتنا؛ أقصد الظهور الثقافي الجادّ والناظر إلى ما وراء «الخرابة» بوعي وثقة، تتأكّد أهميته في مثل هذه الأوقات العصيبة أكثر فأكثر؛ فالقصور والفوضى والارتجالية والاستغلالية التي اكتنفته قبل الأحداث وخلالها كانت عوامل تفسّخ وتصدّع، ولا شكّ في أن معالجة ذلك،ومتابعته والاهتمام بأركانه القائمة والمتحركة، المادية والمعنوية، الميدانية والنظرية، البشرية والبنيوية من الأشياء التي يجب أن تكون منظورة ومدروسة ومقوّمة ومطوّرة؛ لأن الثقافة تؤثر في جميع مناحي الحياة، ولا سيما في مرحلة إعادة البناء والترميم والتأهيل التي نرنو إليها جميعاً بأمل وثقة