الفئة: رأي
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: الثورة ع 16033
تاريخ النشر: 2016-03-22

من المهمّ أن يكون للمثقّف دور في المجتمع، الذي يسعى إلى الحال الأفضل، في مسارات الحياة وشؤونها المتوارَثة والمستجدّة؛ فهو الشعاع الذي يضيئ مختلف الجوانب؛ السلبيّة منها لتغييرها، والإيجابيّة لتعزيزها وتعميمها. وإذا كان هذا الدور يتعلّق بالمثقّف نفسه، وامتلاكه الأهليّة والاستعداد لتحمّل المسؤوليّة في ذلك؛ فهو يتوقّف أيضاً على أسلوب العمل وآليّاته في هيكل النظام السياسيّ العام، وخصائص البيئة، التي يتم فيها النشاط الحياتيّ، الثقافيّ وسواه. ويأخذ هذا الحضور الثقافيّ في المجتمع الطابع غير المباشر، ويتعلّق نموّه وارتقاؤه وجدواه بدرجة القبول والاقتناع، والاكتناز الذي يؤمّن الرصيد المعرفيّ والمتانة البنيويّة في الهيكل، الذي يتمثّل بالمؤسّسات، والإكساءات والاغتناءات المتمثّلة بالحواضن البشريّة في البيئات المنتجة لممثّليها في هذه المؤسّسات، التي تسمح، حين تأتي استحقاقات مهمّة في حياة البلد، كمجلس الشعب، أن تقدّم إليها من يمثّلها حقّاً؛ لا بما هي عليه، وما تحتاج إليه من خدمات آنيّة، وترميمات ضروريّة؛ بل بما يجب أن تسعى إليه، وتجدّ في السير لتحقيقه، وما تتمنّاه أو تتوق إليه؛ وقد لا يكون منظوراً لديها، أو مجسّداً في رؤاها؛ وهذا ما ينعكس إيجابيّاً على البلاد كلها؛ وهنا تأتي أهمّية الحضور المباشر للثقافة؛ من خلال الممثّلين في هذه المؤسّسة التشريعيّة الأهمّ؛ الذين عليهم أن يعوا طبيعة من يمثّلون، وخصائصهم، وما يمكنهم عمله، وما يمكن العمل من أجلهم، ويجب القيام به؛ وفق رؤى متفهّمة ومتقدّمة، وإمكانيّات شخصيّة حيويّة مبادِرة، قادرة على الوصول إلى إنجازات، أو على الأقلّ، جادّة في السعي إلى ذلك، عبر تشكيل وعي جمعيّ لدى المجلس، أو غالبيّته، بأهمّية هذا المجلس أوّلاً، ومسؤوليّته الكبرى، وقدرته على الإنجاز، وتغيير الصدى العام لدى الناس حول هلامية الهيكل، وهشاشة البنيان، وضبابيّة الأداء أو عكارته… هذا الذي ينعكس استسلاماً للواقع الذي نعيش، ويأساً من إمكانيّة التغيير إلى الأفضل، وسلبيّة في التعامل مع الحال كلّها؛ ابتداء بالترشّح، وانتهاء بالمشاركة في الانتخاب، ومروراً بحال من اللامبالاة أو القنوط، أو حتّى النفور، وصولاً إلى القناعة بعدم الجدوى…
لنعترف؛ ليس الأداء في مجلس الشعب مقنعاً للغالبيّة من المواطنين. وقبل أن نبالغ في النقد التعميميّ الذي لا يُفضي إلى نتيجة، لا بدّ أن نقول، أو نعترف، بأنّنا، نحن الغالبيّة، لا نحسن الاختيار، أو لا نفكّر كثيراً في ذلك؛ وقد نشارك خجلاً، أو بالعادة؛ ولا نتحمّس، كما نتحمّس في النقد التعميميّ إيّاه، والشكوى المطلقة إلى لا أحد؛ خارج المؤسّسات، أو المواقع، التي يمكن أن يكون الكلام فيها ذا صدى وجدوى؛ ربّما يحال سبب هذه الحال المَرضيّة، إلى تجارب سابقة، وفي هذا الميدان أو سواه، أو بأنّ من يترشّحون، أو من يُرشَّحون، لنختار من بينهم، أو لنختارهم، لا يحظى قسم مهمّ منهم، بالرضا العام، فلا يكون الدافع كبيراً؛ لكنّ الموات أقسى من الموت، والإحساس باستفحال المرض والاستسلام لأعراضه، والعجز عن تحمّله ومواجهته، أصعب من المرض ذاته؛ كما أنّ الإرادة في الشفاء تُعين عليه، والقبول بالمشاركة في العلاج الطبيعيّ؛ اعتماداً على النفس، وتحفيزاً للطاقات، وتمثّلاً بالقدوة الحسنة تاريخيّاً وحاليّاً، في المنطقة، ومناطق أخرى من العالم- تسهم في تحسّن الحال بشكل أسرع وأقوى؛ إنّ هذا الامر ليس خياراً؛ ولا سيّما في هذه الأوقات التي تعيشها سوريّة، وبعد هذه الخسائر الكارثيّة، في الأرواح والأعمار والمقدّرات؛ فهل يمكن أن نترك ما تصدّع، يتهاوى على رؤوس من بقي حيّاً، بحجّة اليأس من القدرة على إصلاحه، أو الحنق ممّن لم يُحسنوا إنشاءه أو حمايته؟! وهل نقبل أن نُكمل–مع الآخرين- على ما تبقّى من إمكانيّات، وهي ليست قليلة؛ بجريرةِ ما كان؟!
تلك هي الثقافة التي تحمل المعنى الإيجابيّ دوماً، وهي التي تساعد على استثمار الفرصة والاحتمال والوقت والجهد، وهي التي يجب أن تكون حاضرة في الخطوات التي تؤدّي إلى المطلوب، في المسار الذي يؤمّل الوصول عبره إلى المكان، الذي يفترض أن ينجز المرتَجى… الثقافة التي يجب أن تكون حاضرة هناك أيضاً، لا بعدد مهمّ من المثقّفين الحقيقيّين فحسب؛ بل بمن يمتلكون الوعي، والقدرة على قراءة الواقع وحيثيّاته، وتقرّي ما وراء الوقائع والأحداث؛ وبأصحاب الرؤى المستقبليّة المشرقة؛ بالإضافة إلى الشهادة والخبرة والسمعة والسلوك؛ وبمن لديهم الطاقة والحماسة، والإرادة المتفهّمة المتفانية المضحيّة؛ أسوة بمن يتفانى ويضحّي في مواقع كثيرة مدنيّة وعسكريّة؛ وأهمّها تلك البطولات المتميّزة على مختلف الجبهات، في مواجهة العدوان المتعدّد الأشكال والعناصر والغايات القاتمة…
إنّها الثقافة التي تحصّن هذه المؤسّسة التشريعيّة الأهمّ، وتجعل عملها مجدياً ومرموقاً؛ وهو ما ينعكس على ما عداها من مؤسّسات، ومنظومات عمل، ومراقبة، ومحاسبة؛ وهو ما نحتاج إليه في المرحلة القادمة، المكتظّة بالمتطلّبات، والمشروعات، والآمال…
لا شكّ في أنّ من حقّ من يشاء أن يتقدّم إلى هذا المضمار؛ لكنّ من حقّ الناس؛ بل من واجبهم، أن يختاروا من بين المرشّحين، من يعتقدون أنّه يستطيع أن يحقّق هذه الغايات، ويرغب بتحقيقها؛ لا بالسعي إلى وجاهة أو نفوذ، أو استعراض للقوّة والمال وأشياء أخرى، أو ظهور برلمانيّ تاريخيّ للموافقة الآليّة، أو تحقيق حضور سياسيّ أو إعلاميّ بثمن أو من دونه! إنّ في وصول أمثال هؤلاء كارثة أكبر؛ بل طلقة الرحمة على جسد مثخن بالجراح، التي يزيد من آلامها، أنّ كثيراً من “الحدود” التي رسمتها ليست غريبة!
***

اترك رداً