الفئة: رأي
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: جريدة الثورة
تاريخ النشر: 2013-04-08

القصة القصيرة في سورية..ماض مزدهر وواقع باهـت..تألق فـي الماضـي..وفتور في الحاضر

من المقولات التي سادت سنوات -وما تزال- إن جنس القصة القصيرة يناسب الإيقاع السريع للعصر الحديث، واحتشاد الأوقات بالكثير من الانشغالات، لما تمتاز به القصة من قِصَرٍ وموضوعات، وحالات تتناولها، ومحدودية في الأحداث، والشخوص، والأحياز المكانية والزمانية التي تشغلها حركة أو تفكيراً أو احتلاماً أو نيات أو مشاعر وأحاسيس.. ويختلف ذلك بلا شك حسب الكتّاب وأساليبهم ومواهبهم وإمكانياتهم واهتماماتهم وبيئاتهم وزمنهم؛ وعلى الرغم من أنّ هناك من يعدّها جنساً حديثاً ومستورداً، مع أن الطبيعي اتصالها، بهذا القدر أو ذاك، بما يعرف من أشكال قصّ أو حكي في السرديات المتوارثة.. فإنّ هذا الجنس-الحديث!- طرأت عليه تغيرات أساسية «ما بعد حداثية» ربما؛ سواء أكان ذلك في العرض أو في المضمون؛ فحتّى الزمن القصير تشظّى، وانعرجت مساراته، وتبدلت سياقاته واتجاهاته، والحدث تناهى إلى تبعات وأصداء وإرهاصات، وشحنت اللغة و«تفجرت طاقاتها»؛ تأخّرت المقدمات، أو انتفت؛ والخواتيم زهدت، أو انفتحت؛ وتكاثفت المتون، اكتنزت، تفتقت، تقطعت.. في النص الواحد؛ وتقلّص النص، أو اُختزِل، أو مُسِخَ إلى «قصة قصيرة جداً»!‏‏

ومن النافل القول إن تلك التغيّرات قد شملت مختلف الكتابات الأدبية الإبداعية النثرية والشعرية، بشكل أو آخر؛ ما جعل القصة تتعالق مع أجناس أخرى بعناصر وسمات، وتتماهى بعض علاماتها الفارقة, وعلى الرغم من ذلك، لم تصل الفروقات بين النصوص القصصية المتلاحقة أو المتزامنة ولا الجدال حولها -بما فيها الـ ق ق ج- إلى المستوى الذي بلغته الحال مع الشعر! لكنها بقيت الجنس الإبداعي الحيوي المرن المراوغ الذي يغري ويؤمّل ويداني، كما يوغل ويلمّح ويطوف؛ يسلس، ويستعصي، ولايسلّم قياده بانصياع، ولا يأتلق بسهولة!‏‏

ويمكن للمتابع أن يلحظ في بضع سنوات ماضية فتوراً في المبادرات القصصية، أو المغامرات التي تضيء بجدية وثقة؛ رغم اليسر في النشر والقراءة في المنابر الثقافية، والزيادة في المطبوعات، والجوائز المخصصة، وانفتاح منافذ الفضاء الافتراضي.. بعد أن مرّ زمن لمّا يصبح بعيداً، كان للقصة القصيرة فيه حضور جليّ؛ ومن المؤكد أن الملاحظة هذه، التي قد لاتقتصر على القصة، تحتاج إلى نقد وتوثيق للتأكيد أو النقض؛ من دون أن يعني ذلك الانتقاص من هذا الجنس الأدبي الحاذق الشائق، واستمراره مع كتّاب ومبدعين وإصدارات ونشاطات.. !‏‏

ومن المفارقات التي تدعو إلى التفكّر والدراسة والبحث، ما يكاد لايُختلَف على تعويمه إعلامياً وتسويقياً على الأقل، من أن للرواية الآن هيمنة أكبر من بين الأجناس كلها؛ وهناك من تحوّل من الكتابة القصصية إلى الكتابة الروائية، على الرغم من أن العصر تسارع أكثر، وتبددت لدى كثيرين فرص التفرغ للقراءة، وتضاعف الضغط والجهد والانفعال..‏‏

إن للنص القصصي خصائص، تجعل أمر تقديم قصة مميزة في بضع صفحات أو أسطر، يحتاج إلى موهوب مجتهد يستطيع الإقناع صوغاً وانتثارات وانعكاسات.‏‏

ويزيد من إمكانية ذلك وأهميته وجدواه -ليس في القصة وحدها- مايفترض أن يكون عليه القاص من ثقافة واطلاع وملاحظة وخيال وانفتاح نفسي وإنساني.. فيغتني النص، وينبض أكثر، حتى لو لم يتضمن حدثاً ضاجاً أو شخصية مثيرة؛ فالحركة التي تميّز القصة -كما أرى- عن المقالة أو الخاطرة، يمكن أن تظهر بأشكال حيوية تختلف بين قاص وآخر؛ وقد تتجاوز أن تكون انتقالات فيزيائية في المكان والزمان والكتلة، إلى تبدل وانزياحات في الأفكار والحالات النفسية والظرفية المتنوعة، أو احتمال ذلك، أو التكهن به، أو انتظاره؛ وكما لا تحتمل القصة التسطح والابتذال والتصحر، والإغراق في القول والوصف والتفاصيل؛ إذ سرعان ما تظهر علامات الترهل والتشوه؛ فهي لا تُغبِطُ إذا ما تجرّدت أكثر مما يجب، أو تفتّتت! وللقصة القصيرة متلقّوها ومحبوها ومنتظروها، وسيبقى لها قدر مهم من المتابعة والاحترام والاهتمام، ومن الطبيعي أن ذلك قد يختلف حسب الوسط الثقافي، والموئل الحاضن، والحوارات الجدية، والتحفيز والتسويق بالمعنى الثقافي والأدبي والنقدي..‏‏

إذ لا بد من تأكيد أن القصة القصيرة في سورية تحتاج إلى نقاد ودارسين أكثر مما هو موجود، للرصد والتوصيف والتصنيف.. والمقاربة مع مستوياتها وحالاتها في والوطن العربي، والعالم.. ربما!‏‏

اترك رداً