ليس آخراً
الأديب ابراهيم خريط
وأشياء لا تنسى
غسان كامل ونوس
اسم وهيئة وأداء.. بعض أشياء لا تنسى، بعد أن تلتقي ابراهيم خريط الأديب المعروف.. ولا تلبث العلاقة أن تترسّخ بيسر، وتتوثق بودّ، بعد أيّ لقاء عابر؛ فكيف إذا ما تواصلت اللقاءات، وتعدّدت منذ نحو عقدين، في مناسبات ثقافية متواترة في دمشق، واجتماعات شهرية في جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب، وسواها.. كان يحرص الشهيد (أبو هاني) على الالتزام بحضورها رغم البعد ومشقة السفر، والظروف الطبيعية المختلفة؛ وفي دير الزور كان وجوده بارزاً ودائماً خلال نشاطات أدبية، نحرص على أن نقدمها في الفرع أو المركز الثقافي أو جامعة الفرات، لنلتقيه مع جمع من الأدباء الأصدقاء، وظل الشهيد رحمه الله سنوات عديدة عضواً في المكتب الفرعي للاتحاد في دير الزور، الذي كان يرأسه الأديب الصديق الشهيد الآخر محمد رشيد رويلي (أبو عبادة)، وتعدّ الأسبوع الأدبي ملفاً عنه ينشر قريباً..
لقد كان الأديب ابراهيم خريط، حاضراً في الوسط الثقافي السوري، من خلال إصداراته المتعددة والمتتالية في القصة والرواية، ومن خلال مشاركاته الحيوية قاصاً على المنابر في مختلف المراكز الثقافية وفروع الاتحاد وسواها، وكاتباً للنصوص القصصية والزوايا الحياتية الناقدة والساخرة، في دوريات اتحاد الكتاب العرب، والصفحات الثقافية في المجلات والصحف المركزية في دمشق، والمحلية في دير الزور، ومحكّماً في مسابقات أدبية عديدة، وقارئاً للمخطوطات الأدبية المقدمة للنشر في اتحاد الكتاب العرب أو عن طريق وزارة الإعلام، والنتاجات المقدمة لينتسب أصحابها إلى اتحاد الكتاب العرب، سنوات عديدة.. وحين ابتدأنا مهرجان القصة القصيرة السورية في طرطوس، كان ضيفاً عزيزاً في أولى أيامه، لتزداد متانة علاقتنا الإنسانية والإبداعية، العلاقة التي اغتنت برفقته أياماً ثمانية في وفد اتحاد الكتاب العرب إلى إيران، ضمًنا والأديب الصديق مصطفى صمودي، ابتداء من الثلاثين من نيسان عام 2006م؛ ألفة ووداد وسمر واطلاع ومعرفة وانشراح، وتعارف وتواصل مع أدباء ومثقفين في منظمة سمت، وجامعة طهران، وجامعة الزهراء، وجامعة اصفهان، والمركز العربي السوري في طهران، وتحدث في الملتقيات هناك الصديق المفتقَد ابن الفرات عن الشاعر محمد الفراتي وترجماته ونتاجه، وقدّم بعضاً من إبداعاته؛ أما الساعات الأهمّ في تلك الرحلة المميّزة، فتوزّعت على مدى يومين في رحاب معرض طهران الدولي للكتاب، الذي افتتحه بحضورنا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد..
البساطة والشفافية والهدوء والصدق.. سمات أخرى لدى الأديب الإنسان ابراهيم خرّيط، سرعان ما تلحظها بلا بحث مضن ولا تكلّف، فترتاح إليه، وتتوق إلى مجالسته، وتستمتع بمصاحبته، فتطمئن إليه، وتأمن جانبه.. هو الذي لم يسلَم حتى في مأمنه؛ ولم ننجُ من فقدانه، ولن نقدر على نسيانه، وقد أبت يد الغدر إلا أن يضاف خسارة هامة إلى الخسارات التي تتراكم وتتبدّد في أركان الوطن ودروبه وربوعه، جباله وسهوله وفيافيه، مدنه وقراه ومزارعه..
ولعلها من المفارقات أو من سخرية الأقدار؛ فالرجل الذي أمضى حياته راصداً للظواهر السلبية والعادات المتخلفة للتخلص منها، كاشفاً الكثير من الضلالات والفجور والانتماءات الضيقة والأحكام الجائرة.. لمواجهتها، مضيئاً الحالات التي تعاني منها الشرائح المعذبة المحتاجة إلى رعاية مساراتها الشائكة في سبيل العيش بكرامة وأمان، وحماية طموحاتها المشروعة، وردّ الظلامات عنها، وصيانة مصائرها المهددة.. هذا المكافح الذي لم يهن، ولم يضعف، يسقط ضحية ظلم وغدر وضلال، مع ضحايا كثر؛ بل ربما كان هذا ما يؤكد طبيعة الأشياء؛ أن الأدباء في عين الاستهداف الجاهل، وفي بؤرة الكيد الآثم والغايات القاتمة..
رحم الله الأديب الصديق الشهيد ابراهيم خريط، وجميع شهداء الوطن العزيز الصامد المقاوم.
***