اقرأ..!
غسّان كامل ونّوس
اقرأ..
أينَ السِّفْر؟!
وكيفَ انثالَ الحرفُ
وفاحَ العطرُ ببابي؟!
وسراجي في الركنِ نسيسٌ
ودُخانٌ يعلو
يدنو
من كوّةِ صبرٍ
غادرَها منذ سطورٍ
نَزَقُ غبارٍ
وشعاعْ
وانسدلَ الوجهُ حميماً
والأرقُ تولّى
وتجلّى
ما بينَ الكلماتِ
حنينٌ
أشعلَ باقي الأركان
وحامتْ في أفقٍ مخنوقٍ
أطيافٌ زاجلةٌ
وانداحَ السرُّ
وشاعْ
*
اقرأْ..!
قالَ أبي
-المحظوظُ بفكّ الحرفِ-
المفتونُ بترديدِ الأشعارِ
وترتيلِ التقوى
والسِّيَرِ الأولى
وحكايا عابقةٍ أخرى
“والتغريبةُ” جائزةٌ
و”الجازيةُ” عروسُ النجوى!
اقرأْ..!
ما همَّ الشحُّ
الوعْرُ
النهرُ…
وبئسَ البردُ
“الدلفُ”
البعدُ
ونعمَ الحمدُ
الرعدُ
الهطلُ…
وقبلَ الفجرِ
وبعدَ الحفرِ
وقفرِ البيدرِ
اقرأْ…
ما همَّ الرعيُ
السعيُ
صدوعُ العتباتِ
النخْرُ بأخشابِ السقفِ
وجوعُ المَوقِدةِ الحيرى
ما همَّ النعيُ
صِلاتُ الرحمِ تنوسُ
تعالى في الوعيِ البرّيِّ
القدّوسُ
يسجِّلُ في اللوحِ المحفوظِ
دعاءَ النذْرِ
ضحايا الأعيادِ المرصودةِ
وصريرَ الموؤودةِ
قرباناً أعظمْ
والعتمُ
وهجسٌ
ورجاءٌ أبكمْ
والحَيرةُ والشكُّ
ووشوشةُ حريقٍ
ومواءٌ مكتومٌ
ولهاثٌ أشرمْ!
*
اقرأ..!
تلهجُ أمّيّةُ أمّي
وتغذُّ الهمّةَ
في هدهدةِ الأحداقِ
وذروِ الأشواقِ
تُجوجِلُ أرصدة الأحلامِ
تغالبُ أشواكَ الدربِ الوعرِ ِ
وترفو شرخاً
يتجدّدُ في إيقاعِ الروحِ
تجاهدُ في ترميمِ أثافي الوقدِ
وذاكرةٍ
تُذكي مجمرةَ الرغباتْ
والأمثالُ تناذَرُ
من حصّالةِ عمرٍ مكتومٍ
يترشّحُ كالزيتِ تعتّقَ
في خابيةِ الركنِ الأعشى
وسباقِ الرضوانِ استعصى
ونزيفِ الأوقاتْ..
*
اقرأْ..!
قالَ ملاكٌ آخرُ
في سفحٍ آخرَ
وزمانٍ قُدَّ على عَكَرٍ
وبعيداً
-غيرَ بعيدٍ-
عن كهفٍ ونيامٍ
أو غارٍ وقفارٍ
والسامعُ
منتشياً يتساءلُ
عن سرّ موؤودْ
ويرود جبالاً راسخةً
في قربٍ
أو في عمقِ المشهدِ
وتأبّطَ ما خَشِيَتْ منه رواسٍ(*)
ومضى
في سمتٍ مرصودْ
*
أَقرأُ ذنبيَ غيرَ المغفورْ
-قولُ ملاكٍ آخرُ-
ذنبي
قلبي المعتلُّ
بوجدٍ وحبورْ
وعلى أشواكِ الدربِ
بقايا وعدٍ مخمورْ
ذنبي وسواسٌ
يأتيني في عزِّ الوعيِ
فلا “أَعقِلُها” أو أتوكّلُ”..
يا هولَ البلوى!
يُدنيني هذا الخنّاسُ كثيراً
من جبِّ العدمِ
فلا أعترفُ بعريي
أو أمتدحُ وشاحَ
السلطانِ العاري
أهونُ عندي
-قلتُ لذاكَ الضلّيلِ-
رقادي في مجرى
النهرِ الضاري
من إحساسِ الندمِ
على قولٍ
جَحَدتْهُ النجوى!
*
أَقرأُ
ما خلفَ حروفٍ تسعى
في السطرِ استوفى
أو ضاقَ الورقُ
وغُصَّ البوحُ
ونفرَ الأرقُ
وعَزَّ التوقُ
استنأى..
وأواسي ما قد يتوارى
في شفقِ اللهفةِ
من زفرات
وأهدهدُ حسراتٍ مضمرةً
وسلافاتٍ تخبو
وأُدادي
أوتارَ اللحنِ فطيماً
وأُصادي النبضَ المكتومَ
وأجلو عكراً
في ملمحِ مخدوعٍ
وأوافي
الطيفَ العالقَ
ما بين بساطٍ
وسحابْ
وأسيرُ بوشمي
حتّى
إنْ أنكرَني قومي
وأناجي من فوقِ حجابْ!
*
اِقرأْ..
ما قبلَ التنزيلِ
وما بعدَ الردّةِ
قومٌ
أو قولٌ
في الممنوعِ
وفي المرغوبِ
وفي المسفوحْ..
ومواسمُ فيضٍ
وضفافٌ تعرى
وذرا تتناهضُ
وتهمُّ سفوحْ
وفروعٌ لا تصلُ إلى بارئها
وضروعٌ تُشبِعُ
وثغاءٌ مبحوحْ
وحضورٌ مشفوعٌ بغيابْ
وشروق يتناهى
في رقصِ سرابْ
وكلامٌ في العتمةِ
لا يصحو
وحدودٌ في الغايةِ عائمةً
وتعاويذُ ضبابْ
*
اقرأْ
إنّك من صلصالٍ يُشوى
وأنا لا أملكُ
-مثلُك-
إلّا الدعوى
وأنا لا أعرفُ
سرَّ النشوةِ
أو أسَّ الشكوى
وأنا
لا أَرجمُ مَنْ أنكرَني
أو أُنكرُ ما يعنيهِ
وما حيّرني
وأنا
لا أُسرفُ في البوحِ
ولا أتمادى في النوحِ
ولا أتسلّى بالحدِّ
ولا بالردِّ عقيماً
ويقيني أنّي
-مثلُك-
مهما الْـ قيلُ
ومهما الْـ قالَ
ومهما اشتطَّ النائي
واتّأدَ الرائي
لا جدوى
لا جدوى
لا جدوى!!
***
(*) ما خشيتْ من حملهِ الجبال، وحمله الإنسان: “الأمانة”.
غسّان كامل ونّوس