الفئة: ما كُتب عنه
بقلم: عبد الكريم السعدي
الناشر: النور
تاريخ النشر: غير محدد
رابط النص الأصلي: 

(أوقات برية) وحقيقة الإنسان والحيوان في العمل الروائي لغسان كامل ونوس

بقلم: عبد الكريم السعدي
تطرح رواية (أوقات برية) المتناقضات المرفوضة في مجتمعاتنا بجرأة الكاتب الخبير بالسلبيات وتوظِّفها لعلاج تلك المشكلات بما يفيد وينفع.
وكنت أرغب في عرض الوجه الآخر للمتناقضات السلبية الحياتية الحالية في واقعنا بمرارة أخرى تعزز الصورة الإنسانية نحو الأفضل، فمع التقدم الحضاري ترتقي المجتمعات وترتقي معها القيم الإبداعية فنية أو موسيقية أو أدبية، وربما في هذا رأي للكاتب باضمحلال القيم وانسحاب الأخلاقيات رغم انخراط (أشخاص كثر) في ذلك الجو. ولهذا كانت جملة (أوقات برية) للرواية كعنوان شيء يدلك على الزمن كأوقات وبرية كمكان للبراري والصحارى والمكان الذي يخرج عن المجتمع المتحضر. ففي العنوان أمران هامان كالمكان والزمان في عناصر بناء الرواية مضافاً إليهما اللغة والحدث والحبكة و.. و.. فالخاتمة.
فالعنوان كان متلازماً بمغزاه ومعناه مع مضمون أحداث الرواية، كما أن اللوحة الخارجية للغلاف دلّت على شكل يشبه الإنسان ويشبه الحيوان، ويشبه أي شيء ولا يشبه شيئاً بعينه، وهذا كان متواقفاً مع غرابة الأحداث وتناقضاتها.
إن الكاتب كان موفقاً منذ البداية في اختيار العنوان للرواية، كما كان موقفاً في اختيار اللوحة التي تختصر المضمون في مجلة تخدم الغرض، وفي ذلك كانت جرأة مزدوجة في طرح المشكلات الحياتية الجنسية، والفرق ما بين عملية إخصاب الحيوانات بشتى أنواعها وما بين خصوبة الرجل والجماع غير المشروع الذي يستمر معه باستمرار مقدرته على القيام بهذا الفعل. وأعتقد أن الكاتب حاول توظيف هذه المعلومة كمعرفة من المعارف التي قد يكتسبها الكائن الحي من خلال قراءته للرواية.
لذلك ربما في هذه المعلومات والمعارف التي يقدمها الروائي في عملية تقديمه فوائد عدة، ربما يقبلها البعض على أنها كشف جديد لحقائق قد غابت عنه، وربما يرفضها لأنها تسويق لمعلومة أو جملة معارف قد كسبها وألم بها، فهي تصادر رأيه وتنفيه عبر سياق القراءة لأحداث الرواية وتفاعلاتها. على كل حال فالعمل الروائي الذي أنتجه الكاتب غسان كامل ونوس يحاكي لغة الواقع بما يتلمسه من سلبيات ومتناقضات شحذت عنده القلم فصور ذلك كله بعين المتبصر العارف وعكسه بمرآة رؤيته ليتجسد عملاً فاعلاً مفيداً.
لهذا كانت معظم أحداث الرواية تتقاسم العمل بين الشخصيات في صراع الرغبة والمتعة والشهوة والحب الذي تأزم في كل حين عكس ما تفعله جميع الحيوانات في حيواتها مع الفحولة عندما تطلبها، فهي تلبي رغبتها في وقت الخصوبة وما عدا ذلك يبقى متقارباً ما بينها دون إثارة أو اتصال، لأن الأمر مرهون عند الإنسان بخياله الجامح الذي يحفز الإثارة فلا يعرف زمناً واحداًَ أو وقتاً، لذلك فالفضاء مفتوح لديه وعنده،ما دام الخيال والتصور والاشتهاء من مدركات الحس والمتعة والتخيل. وهذا الذي يميز الإنسان عن الحيوان في هذا المجال، لأن الحيوان لا يملك غير غرائزه الفطرية، مما يجعله يعود للاستكانة بعد فترة الإخصاب. أما الإنسان فهو دائم التصور والتخيل، وقد هذب هذا الفعل في الإبداعات الأدبية: كالشعر والفن والموسيقا والرسم والنحت والتصوير والكتابة بشتى أنواعها.
أما لغة الرواية فكانت تتسم بالعفوية والانسيابية، جمل تتدفق لدى الكاتب من غدير رقراق تتراقص فيه بعض الجمل والكلمات التي اكتسبت جدة من توليد المعاني والاشتقاقات التي تفيد في سياق العمل الدرامي الروائي (مثل الإعثار).
أما الزمن فقد اشتغل عليه الكاتب كما اشتغل على المكان، فوظفهما كخيار فاعل لأحداث الرواية الرئيسية والفرعية بتساوق مستمر وتعانق دائم. فالأوقات دائمة الصيرورة في فعل الحدث، والبرية دائمة الوجود في تلقي الأشخاص ووجودهم عليها، ذلك أنها منذ اللحظة الأولى وهي تنهد لإشباع الفعل ما بين الزمان والمكان، وتجاوب الشخصيات في حوارها المتدفق لبناء العمل الروائي. ومن هذا كان الكاتب يسعد بعالم أوقات برية التي يملؤها الطير والحيوان والكائنات الأخرى التي تعيش حياة أقلها عالم الوحوش وعالم الغاب. فهو بنظر الكاتب ورؤيته الحياتية أقسى وأعتى وأكثر وحشية وإجراماً وقتلاً منها، فهو يختم عمله بقوله: في صفحة (214) (لو كان الوقت نهاراً، لسبحت البطات في المياه، ولزقزقت الطيور المشاكسة حول البركة، وربما حام نسر عابراً قبة السماء فربما لاحظت عبوره).
عبد الكريم السعدي

اترك رداً