الفئة: رؤية
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: جريدة البعث وموقع سورياهوم نيوز
تاريخ النشر: 2013-10-04
رابط النص الأصلي: http://www.albaath.news.sy/user/?id=1821&a=150956

غسان كامل ونوس (*)

الاعتراف بالأزمة وعمقها، وتشخيصها، وتحديد عناصرها الخارجية والداخلية المسببة والمساعدة.. أمر أساسي في المعالجة والتجاوز والخروج منها بسلامة. وكلنا مسؤولون فيما كان، ومعنيون في ما سيكون، كل من موقعه ومسؤوليته ووعيه وإمكانياته.
لاشك في أن هناك مؤامرة خارجية محضرة من قبل الأعداء التاريخيين والصهاينة العنصريين، ومجهزة بمختلف الوسائل، القديمة منها، المال، والفتنة، وضعاف النفوس، والعملاء والمأجورين، من خلال استغلال الحاجات والرغبات والنزوات، وأماكن الوهن والفتور، والحديثة القاتمة رغم بهرجتها، الإعلام، والفضاء الافتراضي، والخديعة والانقلاب الحاد في المواقف التي وثقنا بأصحابها من الأشقاء والجيران إلى درجة كبيرة!

لاشك في أن منّا من شارك، وهو يدري أو لايدري، بهذه المؤامرة، من خلال الإسهام في تعميم مفهومات الفساد وعناصره وأدواته، ومن خلال حملات التيئيس من الإصلاح، وإطلاق النعوت المسيئة على المخلصين الشرفاء أصحاب اليد القصيرة واللسان العفيف النظيف، وترك المفسدين بلا محاسبة، أو مساءلة، إلا في حالات تجميلية للمشهد.
لابد من النظر إلى إيجابيات كثيرة كانت، وإنجازات عظيمة تحققت؛ والدنيا ليست خراباً جلّها؛ لو كان الأمر كذلك، لم نكن لنخرج من هذه الأزمة الحقيقية، أو نحن في الطريق إلى الخروج منها، وذلك لأن هناك بنية صلبة، وقائداً حكيماً، وشعباً واعياً، وجيشاً متماسكاً مخلصاً، ولأن محصلة القوى الخيّرة أكبر من محصلة القوى الشريرة المدعومة من جهات العالم القادر الظالم..
إن التعميم ضار، والكلام حول السلبيات لا يعني أن الجميع مقصرون في هذا الجانب أو ذاك؛ بل إن هناك مخلصين شرفاء أكفياء، علماً واختصاصاً وخبرة، أغلبهم لا يظهرون كثيراً، لأنهم منهمكون في أعمالهم ومسؤولياتهم بعيداً عن العدسات وأقلام زوار الإدارات ومواقع الانفعالات المناسباتية الوافرة!
لا بد من تعريف المعارض، المستقل؛ وهل هناك حقاً فروق جلية بين أي منهما وبين المنتمي إلى أحزاب الجبهة؟! وهل كان غير الحزبيين بلا عمل؟! أليست الاختلافات في السلوك فردية تماماً كما هي لدى الجميع؟! وهل تختلف الوسائل في السعي لتحقيق المرامي الخاصة والعامة؟! علاقات وسمسرات وانتماءات مريضة..أو انتظاراً ممضاً وخيبات؟!
وهل كان الأمر سيتحول كارثة لو تم إشراك المعارضين سياسياً بطريقة ما، وهل سيكون الخلاص في مشاركتهم اللاحقة؟!
أليس هناك معارض وطني، وبعثي وطني، ومستقل وطني..؟!
وهناك معارض مخرب، وبعثي فاسد، ومستقل نهّاز فرص؟!
وهل تجوز المساواة بين من يقبل الحوار والمشاركة مع أبناء الوطن، وبين من يرفض ذلك؟!
هل يرى من لا يقتنع بوجود عصابات مسلحة، ولا يرى تقاطر الشهداء من الجيش والأمن والمدنيين المغدورين الممثل بجثثهم، ولاالتخريب المتعمد والتفخيخ النفسي والمادي، والتكفير والإمارات المتنقلة، مسارات الإصلاح؟! هل يقبل بالديمقراطية ويتبع أدبيات التعددية؟! وهل سيميز بين الفاسد والإصلاحي..؟! وكيف سيحافظ على استقلال البلد والوحدة الوطنية؟!
(من كان بلا خطيئة فليرمها بحجر)..
الكثير من نتائج الانتخابات على المآخذ عليها يعطي مؤشرات واقعية لذلك.
هذا الكلام يتعلق بمن يرضى بالمشاركة في الحوار والعمل في بلده، ومع أبنائه، وهذه ضرورة؛ لأن الاختلاف اغتناء، والزوايا المتعددة للرؤية تتيح قراءة المشهد بواقعية أكبر؛ أما من يرفض ذلك، ويتعامل مع الخارج، ويستعين به؛ بل يدعوه ليخرب الوطن ويقتل المواطنين، فذلك خروج عن الطاعة ومفارقة الجماعة، وخيانة عظمى.
لا بد من تحديد مفهوم الحوار وآلياته والتعامل المجدي مع نتائجه، والحوار ليس أن تقول كلمتك وتمشي؛ لابد من أن يكون كل منا مسؤولاً عن أقواله؛ ومن هنا أرجو أن لا يطلب أي منا ما لم يكن يمارسه، أو لا يمارسه، أو لا يستطيع ذلك.
إذن هل هناك غياب الرؤية الواضحة للحوار، أم أنه واجب مطلوب إعلامياً، وإرضاء شخصي؟! على الأقل! لأن ما نقوله الآن قلناه مرات، وبأشكال متعددة وأمام كبار القوم؛ فالعبرة فيمن يسمع، ويعي، ويعترف، ويمارس، ويتصرف.
إننا في مرحلة الجهاد الأكبر، وهي طويلة وليست يسيرة، حتى نستطيع أن نخرج الزير سالماً من البئر الذي رميناه فيه؛ لأن الابتلال سهل، لكن التجفيف يحتاج إلى دفء ووقت وصبر وجهد، ولاسيما إذا ما كان السائل ملوثاً! ولأن من سيقوم بالتغيير أناس منا وفينا، وليسوا كائنات فضائية..! ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!
من الغريب قلة نسبة الجيل الشاب من بين المدعوين إلى كل حوار؛ وهو خطل كبير، وثغرة واسعة؛ وغالبية الموجودين من المسؤولين الحاليين والسابقين؛ أما المسؤولون اللاحقون، أعني الشباب، فلا حضور فعلياً لهم ولا لطروحاتهم وهمومهم وآمالهم واقتراحاتهم.
في الثقافة وأهميتها
هناك محور أساسي لا يذكر كثيراً في الأوراق المقترحة؛ ربما لأنه ليس محوراً؛ بل هو انبثاث ينفذ إلى كل الأركان وعبر كل الحواجز، إنه الثقافة، العامل المعلوم المجهول..
الثقافة ليست شهادة ولا قراءة أو كتابة أو رسماً.. إنها إمكانية التبصر والتعرف والتحليل والربط والاستنتاج..إنها فراسة وإرهاص. إنها الملاط الذي يجمع المكونات والمحفوظات من دون اختلاط أو تشويش أو عكر.. إنها الزيت الذي يؤمن عمل العناصر من دون تصادم، والانتقال السلس لأوامر الحركة في المفاصل.. فالمسؤول المثقف في أي قطاع قادر على أن يتفهم أو يفهم ويستوعب ويقتنع ويقدر ويقنع بالخلق الحسن والموعظة الحسنة، فإلى أي درجة ينطبق هذا على مسؤولينا في السياسة والاقتصاد والإدارات الخدمية.. في التعليم والعمل النقابي والمهني..؟! ألم تكن بعض الإدارات ممالك.. لا يأتيها التغيير لا من فوق ولا من تحت، ولا من الجوانب الأخرى لأنها محصنة بالقوى الشائكة؟!
والمسؤول المثقف يفترض أن يكون قادراً على الرؤية البعيدة، والقريبة، وأن يكون صاحب اختصاص وأخلاق؛ فالرؤية البعيدة لوحدها تجعله يتعثر بأصغر حجر «آذن، مستخدم، مراقب دوام.. فني إصلاح..»…والرؤية القريبة لوحدها لا تنجي من ضلال التوجه، أو الوقوع ومن معه في حفرة كبيرة، أو حوض آسن!
والمسؤول المثقف يمكن تحضيره وتأهيله واختبار قابليته، ومن ثم تحميله مسؤولية متدرجة..وهناك الكثير من برامج التدريب والتأهيل والدورات.. لكن آلية العمل هي ذاتها، والخيارات عينها، وهي مبنية في غالبيتها على العلاقات والصفقات والولاءات والانتماءات..
ولابد من التفريق بين المسؤول المثقف والمسؤول الثقافي؛ أي العامل في المجال الثقافي؛ فمن أولى البدهيات أن يكون ذا هاجس ثقافي، وتطلّب معرفي، وحيوية وخصوبة، وإن لم يكن كذلك، فالخسارة مضاعفة قدوة في السلوك ومثالاً يحتذى في العمل.
وكثير من المسؤولين الثقافيين، حتى لو كانوا مثقفين، يتحولون إلى مسؤولين فقط، ويضعون القضية الثقافية جانباً، وهذا أخطر؛ لأنهم يعرفون المثقفين الحقيقيين فيبعدونهم، أو يهمشونهم أو يحبطونهم.. لأنهم خطر قائم، لمجرد المقارنة مع قاماتهم!
والفساد الثقافي هو الأخطر، وكثير من النشاطات كانت وهمية، أو قليلة الحضور والجدوى.. وكانت تنفيذاً لخطط مطلوبة، ويُكتفى بأن تكون ورقية، أو تجاوباً مع مناسبة، وما أكثر المناسبات؛ أو نتيجة علاقات وإلحاح.. وفائدة متبادلة!!، كما أن رعاية النشاطات كانت في جلها وهمية ـ ولا جدوى منها! وقد دخل أمر مستجد إلى الثقافة، حين اندفع أصحاب رؤوس الأموال إلى رعاية مختلفة،أسميتها غسيل أموال ثقافياً، أفادت في جانب منها، ولكنها فاقمت ظاهرة المنفعة القائمة على الثقافة مادياً وإعلامياً!
في المحور الاقتصادي والاجتماعي
ـ لا بد من أن تكون هناك رؤية واضحة وخطط مرنة لكل محافظة، تتوافق مع الإمكانيات المتوافرة بشرياً ومادياً وعناصر، والظروف المناخية المتوقعة؛ وتحديد الأولويات في الاهتمام.
ـ وضع خطط مرنة لمواجهة الكوارث الطبيعية: الجفاف، الفيضان، الصقيع، الرطوبة.. وعدم ترك الأمور لردود أفعال لا تجدي!
ـ معالجة البطالة المنظورة والمستترة، وفق خطط معلنة ومتحركة، والبحث باستمرار عن فرص حقيقية كافية ومناسبة.
ـ لا يجوز أن تنقلب النعمة إلى نقمة؛ فالمحافظة المتميزة تعليمياً، لا بد من بحث اغتنام ذلك، وعدم ترك أصحاب الشهادات والعلوم نهب الملل والبحث المضني عن فرصة عمل كريم، وليس من المناسب إرسال المعلمات والمدرسات إلى مناطق نائية في محافظات أخرى، من دون توافر شروط لائقة في الإقامة والخدمات.
ـ للإصلاح الإداري أهمية كبيرة، لأنه يعمم على مختلف القطاعات والفعاليات، وعلى هذا الأساس لا بد من أن تكون الإدارات مسؤولة فاعلة متخصصة حسنة السلوك والقول والممارسة..
ـ لا بد من وضع المعايير الحقيقية الواضحة والمعلنة لتعيين المسؤولين، الشهادة والخبرة والسلوك الحسن، والأخلاق.. مع المقدرة الثقافية، أو إمكانية تشغيل الملكات أو قابلية لذلك.
لا أقسى من أن يقاد المرء بمن هو أدنى منه، ولا أظلم! ولاسيما إذا ما حاول تعويض عقد نقصه بما لا يتعلق في العمل وظروفه ومتطلباته. وأي تعيين جديد غير مناسب ستكون له انعكاسات فجائعية بعد كل ما مر من مواجع وإخفاقات، وتحمل الناس من غصات وخيبات؛ وهذا أمر بالغ الأهمية والخطورة في هذه المرحلة.
ـ إذا توافرت الإمكانية الشخصية صار من الممكن أن تكون القيادة جماعية لا متفردة، مع المركزية في اتخاذ القرار والمسؤولية عن تطبيقه.. ولن يعود المسؤول القاصر ينظر إلى نائبه كعدو، وإلى المسؤولين الأعلى كأنهم ملائكة قادرون، ويرى في المسؤولين الأدنى خصوماً محتملين، فيقرب الأذناب، ويبعد الرؤوس، ليحافظ على أطول فترة ممكنة..!
ـ الانتهاء من الأمراض المزمنة، فساداً وعلاقات مريضة وصفقات وواسطات، ووضع آليات فعالة للملاحقة والمحاسبة، وعدم ترك المدانين يخرجون بجلودهم وأرصدتهم أمام الملأ!
ـ الشفافية في التعامل مع الآخرين رؤساء ومرؤوسين هامة ومؤثرة إيجابياً؛ ومن لا يخجل من عمله، لا يحاول إخفاءه، وإعلاء الأسوار المادية والنفسية والإعلامية حوله!
ـ من الأهمية بمكان إحساس العامل بكرامته ومسؤوليته التي تتناسب مع إمكانياته، لا أعلى منها ولا أقل!
ـ لا منة لحزبي في موقع على آخر حزبي أو مستقل، ولا إرضاء لنفوذ أو انتماء.
ـ تشجيع المبادرات وخلق الحوافز لذلك باستمرار.
ـ دعم القطاع العام، وتحديثه، والحد من الحملات المتلاحقة لتشويهه وإقناع الناس بأن مرضه مستعصٍ؛ في حين إن مرضه من أمراضنا جميعاً، وأمراض دوائرنا ومؤسساتنا وإدارتنا وقراراتنا..
الاهتمام بجيل الشباب وهم شرائح أيضاً..
ـ المتعلمون في المدارس، هناك توسع في الأبنية والمعدات واستيعاب للطلاب، ولكن هناك قصوراً في الاستثمار.. وخواء في المحتوى.. ألم تسمعوا بصفوف تشغر في شباط وآذار في بعض الصفوف الانتقالية، مع وجود أدوات تصوير وتواصل وبثّ بحضور المعلمة أو المدرس..؟!
ـ أين الاحترام المتبادل بين الطلبة وأساتذتهم؟!
ـ أين فرص العمل للخريجين والخريجات..؟! وماهي أسباب عجز مكاتب التشغيل عن تقديم ما يلزم؟!
ـ من يرصد المواهب والقدرات والإمكانيات لدى الشباب، ومن يهتم بها ويرعاها..؟! قلص دور اتحاد شبيبة الثورة، فمن شغل مكانها غير الكافي أصلاً؟!
ـ من يهتم بمن لم يتعلم منهم، ويذهب إلى العمل الحر..؟!
لاحظنا أن كثيرين من المتورطين في أعمال الإجرام كانوا من أصحاب المهن الحرة، هذه الشرائح الواسعة متروكة لأقدارها: السائق، والطيان، والدهان، والنجار وعامل الديكور.. فمن أين يأتيها الاهتمام والاحترام وفرص التشارك مع الجماعة؟!
ـ أين الحضور الثقافي والإعلامي والفعالية والمشاركة في البيئات المكتظة والمغلقة؟! أليس من الطبيعي أن الجراثيم والطفيليات تجد في مثل تلك البيئات مرتعاً لها ومفاقس مثالية؟! وإذا ما أتيحت لها الفضاءات الافتراضية فبماذا تكون اهتماماتهم ومتابعاتهم..؟!
ـ هناك قرى قريبة أو نائية منفتحة، أثبتت مناسبات ونشاطات فيها حضور العلم والثقافة والمواهب والمواكبة.. فأين الاهتمام بها؟!
ـ لقد أمن الفضاء الافتراضي إمكانيات الانطلاق والتعارف والتعرف والتشارك، لكنه يحتاج إلى أدلاء ورعاية، كيلا يضيع الوقت والجهد قبل الوصول إلى الثمار التي دونها ألف مطب ورغبة ونزوة وانعزال وقنوط واكتئاب.
ـ يحتاج الشباب إلى اهتمام خاص وبرامج مشاركات فاعلة، تتشابك فيه الأسرة والمدرسة والمنظمات والمراكز الثقافية والنوادي الخاصة والعامة ومقاهي الانترنيت.. يتم فيها توزع النشاطات والفعاليات في المدن والمناطق والقرى وخلال فصول السنة.
ـ وهناك شريحة هامة ظهرت تبعاتها في الأزمة التي ما نزال نعيش أوقاتها العسيرة؛ إنهم السجناء الذين يخرجون لانقضاء فترات أحكامهم أو بمراسيم عفو تكررت في الأشهر الأخيرة؛ فإذا لم يكن من ينتظرهم في المجتمع، ويهتم بهم لإعادة تأهيلهم، ويؤمن لهم فرص عمل ومداخيل معقولة، فمن الطبيعي أن يتبعوا أقرب الطرق إلى الموارد لتأمين الحاجات، وهي ليست طرقاً خيرة أو آمنة بالضرورة، ويتعلق هذا أيضاً بمدى الرعاية والإصلاح داخل السجن.
ـ أما العمالة السورية خارج الوطن، فتكاد لا تذكر، رغم ما تلاقي من غبن وظلامات، ولاسيما في الأوقات التي يحدث فيها جفاء بين بلدهم الام والبلدان التي يعيشون فيها، كما هي الحال الآن؛ فهناك من قتل منهم في ما مضى، وأهين، وضاعت عائداتهم التي تؤمن الكثير للوطن؛ إنهم أمانة ورصيد وموارد ومواطنون لهم حق الاهتمام والمتابعة. وللأسف أيضاً كان للبعض دور سلبي في الأحداث الأخيرة، تواصلاً مع أشخاص محرضين على التخريب في بلدنا، وبعضهم موجود في البلدان الأخرى ومن مواطنيها أو مواطنينا الفارين لارتكابات وجرائم، ومنهم من نقل أموالاً وأسلحة.
في الإعلام
يذكرني الحديث في الإعلام بشخص كان يقف في ساحة الشيخ ضاهر في اللاذقية أواخر السبعينيات قرب إشارة المرور، ليشير إلى السيارة التي تتوقف كي تقف، والسيارة التي تسير بأن تسير!؟ فهل هذه مهمة الإعلام الفاعل والمؤثر؟!
وهل الإعلام مجرد مواكبة للقادرين المسؤولين النافذين، ونشر غسيل من يقع، أو تصدر بحقه تقارير الرقابة والتفتيش؟! وهل يسهم الإعلام في الكشف عن التجاوزات، وإضاءة الخصوبة، وتشريع الالتزام والإخلاص؟! هل يدخل من دون أمر، ويتحقق من دون دعوة، ويفند من دون أجر؟!
وعلى هذا؛ ألا نرى إعلاميين لا يقربون دوائر أو مؤسسات إلا للتقريظ والمديح، ولا يتوانى عن النيل من آخرين، لأنهم لا يهتمون بهم! والتعميم ليس في محله حتماً!
إن بإمكان الإعلام الرسمي أن يكون ممثلاً لأكبر شريحة من الناس بأفكار مختلفة وآراء متعددة، ويمكنه؛ بل من واجبه، الإشارة إلى الأخطاء، ورصد التجاوزات، وتعرية الوقائع، بلا اتهام مجّاني أو تشهير من دون حساب، وبلا خوف من خسارة أو انكفاء! كما أن من واجبه حماية السلم الأهلي، ومواجهة إثارة الفتن، والعمل على الحدّ من تفاقم التصدّعات والشروخ بين أبناء البلد الواحد؛ وذلك واجب على الإعلام الآخر أيضاً مهما كانت درجة تخصيصه!
هناك حقائق يمكن أن يسبب نشرها نتائج كارثية، ويكون من الصالح إغفالها أو تجاوزها، أو التعامل معها بحذر وعقلانية، ولا يعني هذا اقتصار البثّ على الأمور الزاهية، والأحداث المفرحة المنتصرة، رغم أن في ذلك فائدة وتحفيزاً للعمل من أجل الفوز؛ لكنه قد يتحول إلى غشّ وادّعاء، حين نبالغ في تصويره والاحتفاء به، ويتحول إلى تحايل وتكاذب، حين نظهره بما ليس فيه من جمال أو بهاء أو رضا؛ فتبقى العلة كامنة تتفاقم، وتبقى البؤرة آسنة تتكاثر فيها الجراثيم وتتكاثف الفيروسات.
ومن المفترض والطبيعي أن يكون في موقع القرار الإعلامي من هو قادر على التحرك بوعي ومسؤولية، ولديه من الخبرة والثقافة والإدراك ما يجعله يوجه العاملين لديه الوجهة السليمة، وتكون التغطية أو الإضاءة أو المقاربة ضرورية ووافية.
ولا بد هنا من تأكيد أهمية العاملين في الإعلام، بمهنيتهم وثقافتهم وخبراتهم ومبادراتهم. ومن البدهي اختيار الأكفأ والأكثر قدرة على الفهم والصياغة والحوار في البرامج المتنوعة.. ومن الأهمية بمكان أن لا تبدو السذاجة والسطحية والتعمية في التعليق أو الأسئلة أو النقاش، وأن لا يظهر عبء الواجب وأمر الوظيفة في الأداء رتابة وبرودة وفجاجة، كما يفترض التخصص والمعرفة في القضايا المتناولة، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية.
(*) نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية

اترك رداً