أطلال…!
ملحق الثورة الثقافيّ-
غسان كامل ونوس-
ينسدل الوشاح على المشاهد؛ لا يهمّ لونه، ولا تهمّ تفاصيلها؛ فلست في قابليّة للتصفّح ولا للتقرّي، ولست على استعداد للتأمّل والتوغّل أكثر في ما وراء السفوح والذرا والآفاق؛ سواء أكان البحرُ، سريرُ الشمس الآفلة، بعدها، أو كانت هضاب تتصاعد بتثاقل، وذرا أخرى تتراكب متداخلة؛ لتوشج المعالم والملامح المتلاشية في ما يشبه الغمر الرماديّ..
وتُلملم الأحاسيس بلا إدراج، بعدما أوصدت الحواسّ بمغاليق الانبتات عن عالم الكينونة المراود، وتُخزّن المشاعر بلا توضيب أو تمييز؛ فليس الوقت؛ هذا الوقت للتمحيص والتجريب..
وتُحايد أعضاءك، وتعطيها استقلالاً غير منتظر، وتتركها لترتاح من متطلّباتك، التي تكاد لا تتوقّف، هل هي في عزلة الآن؛ وهي تتعالق- ما زالت- في جهاتك المنذورة للامتداد، ولم تعتد الانكماش، الذي تحاول أن تسبغه عليها؛ لترتاح هي الأخرى من سياط التسابق، الذي يكاد لا ينتهي، وغلواء الحماسة والتلهّف والتوق إلى ما بعد، أو ما تحت، أو ما فوق؛ لم يعد للمستويات معنى؛ بل ربّما إلى ما في المراكز أو الهوامش؛ لا فرق، من محفّزات أو مرغّبات..
هل كنت تحاول الوقوف على أسرار تدهشك، ومسوّغات ترضيك؟! أنت الذي لا ترضى من دون حدس وتوقّع واحتمال، من دون وعي وإدراك ومحاكمة واقتناع؟! وهل لديك ما يكفي من القدرات لبلوغ هذا؛ هل لديك من الشجاعة والجرأة على الوصول إلى ذلك؛ أم تهلك، ستهلك دونه؟!
هل كففتَ عن السعي بعزم وإرادة؟! هل افتقدت الرغبة، أم انتابك اليأس، وسيطر عليك القنوط من هول ما ينتظرك، أو من بداهته، أو بساطته أو غايته، التي قد لا تنكشف لعاقل؟!
هل انتقلت إلى مجال آخر من المواجهة، وشكل آخر من الصراع، وحيّز آخر من الانفتاح على ما لا يحدّ أو يُنال؟! وأنت في مقرّك، أو لا مستقرّك؛ هذا الذي تتخامد فيه؛ تحسب ذلك!
ماذا ستكسب إذاً؟! وماذا ستفعل مع– أو يفعل بك- ما يستوطن خلاياك من حاثّات ومهاميز وكائنات غير منظورة، تقذف بك- كانت- إلى حواف الجروف الحادّة، أو تسوسك إلى مشارف الغواية، وأطراف الهاوية؟!
وماذا بعد؟!
هل اكتفيت ممّا لاقيت، أو لم تلاقِ، من مشجّعات أو مخيّبات؛ من ميسّرات أو مثبّطات؛ من تبعات أو أصداء؟!
أم أشفقت على ما تبقّى لك من وجود، وقد أسرفت في استنفاد ما لا أمل من التخويض فيه، أو المضيّ إليه، أو الانشغال به؟! أم أعرضت عن الانخفاء في ضباب يحوم، أو الانغراق في طمي يلحّ، أو الانغمار قي فيض يلجّ؟! وآثرت الانكفاء بأقلّ الأرباح، أو الانطفاء بأقلّ الخسائر؟! هذا الذي سيأتي لا محالة، وإن بعد حين!
وهل تحسب في هذا الانقباض فكاكاً من الوقوع في المحظور؟!
وهل تظنّ أنّ بإمكانك التفلّت من فتك براثن الوقت، ومسنّنات القضم المطّرد لبساطك الطائر، والنزع المدمّى لخوافيك وقوادمك؟!
وماذا سيحلّ بك مع هذا، أو قبل هذه، أو بعد تلك؟! وماذا فعلت، أو تفعل؟! وكيف ستتصرّف؟! ومتى؟!
وماذا تعتقد أنّك جانٍ من انغماسك في التخويض الغريزيّ، وتماهيك مع توسّلات الأضاحي؟! أو انحسارك في مدّ الرؤيا، وانحدارك صوب التخافت؟!
وما هي مكافأتك، أو أيقونتك؟! وما هو وسامك؟! ومن سيقلّدك التاج في الحالين؟!
هل أفلتّ من وخز الوساوس، وارتحت من لكز الهواجس؟!
هل أوشكت على الخروج من الموجة، بالانغطاس في تلافيفها؟!
أنت لا تريد أن تنتهي كبش فداء على عتبة العبور الغامض، ولا تودّ أن تأفل عن كوّات الرصد، وشاشات المراصد؛ عائداً من مغامرة مجنونة، أو عائذاً من سباق بلا فائز، أو لائذاً بما لا تعرف، أو لا تثق، أو منسحباً أمام من لا تقدر على مقارعته؛ لكأنّك تحارب طواحين الهواء!
فتحمّل عبء ما جرّبت، وما لا ترتكب، وتجمّلْ بالبلاهة واللامبالاة واللا وعي، وامض إلى حيث لا تريد، ولا تأبى، أو اقضِ في عرض الحنين إلى ما تجهل، وهمهمات السنين تترامى في وديان اللايقين؛
لا مناص ولا خلاص!
***
غسّان كامل ونوس