الفئة: شعر
بقلم: غسان كامل ونوس
الناشر: الموقف الأدبي- كانون الثاني -501
تاريخ النشر: غير محدد
رابط النص الأصلي: http://www.awu.sy

شهرزاد الزمان
إلى دمشق

أغُصُّ بما لا يُطال
وتعرجُ في الدربِ نحو اللقاءِ
الخوافي
وتعثَرُ في البوح روحي
وأرشفُ نبضَ المآقي
غباراً وملحاً
وصوتاً ينوسُ ويعلو
ولحناً تَخمَّرَ في العمقِِ
يسمو
ويوغل في السرِّ
تصحو المواويل حرّى
وتهمي السلافاتُ في الروع
تلهو الفراشات في الروضِ
يثغو النداء العميقْ
وتسترسلُ الريحُ ريانةً
بالشذا-
والتلالُ التي باعدتْ بين ظلينِ في قامةٍ
أقبلتْ تستميحُ الندى
أن يواري رحى الوقتِ
كيما تروقَ الجهاتُ
وينبت عشبُ الطريقْ

*

تغصين بالحلمِ
ما زال من زمنِ الأولين
تغصين بالحالمين
يؤمون نبضَ الزمانِ
العتيقِ
ويحْدونَ
في موردٍ لا يشيخُ
وأفقٌ يتوِّجُ هاماً
تعالى
ويهمسُ للريحِ تغزلُ
من عاطراتِ الأماني
وشاحاً
لحُورٍ تخاصرنَ مع شجرٍ لا ينام
يسوغن هذا العبورَ السخيَّ
ويمنحنَ ذا اللبِّ
سرَّ المحار
وينثرن في بيدرِ (الراغبات) الرحيقْ

*

بأيِّ المنى تهجسين؟!
وأيَّ المنى تمنحين؟!
وكلُّ الطقوسِ تقودُ
إلى معبدِ الصالحين
وكلُّ النذورِ تَزاحَمُ
كي تَقبَلي

وكلُّ العيونِ.. الثغورِ
اندياحُ العطورِ
انسراحُ الخطا
وانشراحُ اللجين
تُرى.. هلْ سوى في يديكِ اليقينْ؟!

*

تمرّينَ عبرَ الزمانِ العنيدِ
تضاريسُهُ ملعبُ اللهوِ والجدِّ
والجَزْرُ والمدُّ اهزوجتا موكبِ الخالدين
فكيف تربعتِ في الصدرِ
رغم الزحامِ
ورغم لظى الحاسدين
تشبعتِ بالعطرِ
في حضنكِ الدفءُ
والريح تمضي إلى ما تشير الذؤاباتُ
في الغرةِ السِّحْرِ
كيف المدى آيلٌ خفةً من حرير
وكيف الندى
قطرةً قطرةً
يحتمي بالجَبين
وكيف الرؤى.. فيضُها آسرٌ؟!
فهل أنتِ عرافةُ الوقتِ والحادثاتِ
وهل في يديكِ المصير؟!
وهل قد تبيَّنْتِ إذْ جاءكِ الفاسقونَ
وشاغلك الغادرونَ
وغافلك الشامتون؟!

فباحتْ إليكِ الدروبُ بإيقاعِها
وحارتْ سموتُ المداراتِ في جريِها
قبلَ أن تهتدي
-سِرُّها مضمرٌ في الأنين-
تناديتِ لم يرعَووا
تساميتِ
لم يبخلوا بالفحيح..

*

أَسِرِّي إليَّ
أنا عاشقٌ لا يخافُ
سأجهرُ أنكِ مفعمةٌ بالحنينْ
وأنكِ توأمُ أسِّ الزمانِ
ولا في الرصيدِ الفسيحِ
فضاءٌ لوقعِ الرنينْ
وها إنني ماردٌ لا يهابُ
فبُرْدكِ جنحٌ
وجنحٌ لعينكِ جَفْنٌ
سأشهدُ أنكِ عاشقةٌ من نسيجٍ فريد
وأشهدُ أنكِ عزٌّ وجاهٌ
وحبٌّ شفيفٌ يُرى من بعيد
وأصرخُ:
هلْ مِنْ مَزيد؟!

وكيف عبرتِ
وحراسهُ صارمون
وفي كلِّ مفترقٍ
عينهُ لا تنامُ
ورأسكِ لم ينحنِ
وما فوقُ قبعةُ الاختفاءِ..
وما السحرُ
من طبعِ قافلةِ الخصبِ
لا تنثني..
ولا تستريحُ على القارعاتِ
ولا تستجيبُ لصوتِ النعيبِ
ووقعِ النحيبِ على ضائعٍ
لا محال..
ولا لفتةٌ.. ولا رفةٌ في الجفونِ
إلى ما يقال
عن العندِ والاغترارْ
ولا تأبهينَ بمنْ قد تباكى مراراً
على من يقول:
“الجهادُ، الجهاد”
وأفتى:
“فليستْ سوى نزوةٍ
أو ضلال”!
ألا بئسَ ما قيلَ
أو قد يقال!

*

نغصُّ كلانا بوجدٍ
نهيّجُهُ كلَّ حينٍ
وكنّا التقينا كوعدٍ
وبُحْنا كأُلفَينِ سَمْتُهما واحدٌ
وتوقٌ يسوِّرُ وصلاً نديّاً
ويفتحُ صوبَ الجهاتِ
الشعاعَ الرضيَّ
فينضج نبضُ الأديمِ العصيّ
ويخصبُ عقمُ الزمان
وها نحنُ في الحالكاتِ
قناديلُ من ألفةٍ واصطبار
قرابينُ
للنهرِ كيما يعيدَ الصهيل
وللصوتِ كيما يطوفَ
لعلَّ الذين
ينامون في غفلةٍ
لعلَّ الذين
يموتون في قهرهمْ
لعلَّ الذين
أصمُّوا مساماتِهم
واحتمَوا بالفتات
يقومونَ من كهفهمْ
ينهضون
يرونَ الشروق الدمشقيَّ
متصلاً من قيامِ الزمان

*

وكنّا على شاطئٍ حائرٍ
وكنّا أسارى الحصارِ اللئيمِ
نجدّف
ما بينَ نصلِ العيونِ تحدِّقُ
من خارجِ الوقتِ والأمرِ
والقَدَرِ الجاهليِّ
وعشنا نعشِّبُ أيامَنا
نبضةً نبضةً
نحطِّبُ أقواتَنا في التضاريسِ/
نحفَظُها غائراً شاهقاً
وتقرأُ أنفاسَنا أُلفةً رغبةً
وتعرفُ/نعرفُ
أنَّ الذي قدْ يجيءُ
سيمضي بلا حسرةٍ
بعد حينْ
وأنَّ الظلاماتِ في الأفقِ
عابرةٌ
وفي البالِ منها زفير
وأنَّ على أذرعِ الريحِ تلويحةً
كالتي في دمانا
ونعرفُ كيفَ تكونُ الحياةُ
بلا غرةٍ أو صدى
ونعرفُ كيفَ نلملمُ آهاتِنا
نقتفيها
وكيفَ نبلسمُ نزَّ الجراحِ
بأحداقنا

ونعرفُ كيفَ تضيءُ المروءاتُ
أركانَنا
مثقلاتِ الحنين
وكيفَ نسدُّ الثغورَ
نصدُّ المراكبَ
نحرقُها قبلَ سورِ العرين

*

يقولُ الذي
مثقلَ الصحوِ يهذي
ويُسرجُ نبضَ الخيال
وقد عادَ من صهوةٍ لا تُطال:
لماذا نحلِّقُ في كلِّ صوبٍ
ولا نستريحُ
وتتعبُ منا التلال
لماذا نطوفُ
على خابياتِ الزمان
نعتِّقُ ما عزَّ ما لذَّ من زادِنا
لماذا نسبِّحُ للحقِّ في العالياتِ
ونسترقُ العريَ
أو نحتفي بالنزيفِ الأليفِ
نَلَمّظُ طِيبَ الأُخوَّةِ
لحماً وعظماً؟!
لماذا
وفي الحيِّ معتركٌ وانهزام؟!
لماذا تضيءُ المناراتُ
نبضَ السموتِ
وتغرقُ أرواحُنا في الظلام؟!
لماذا
تعرّش أقدامُنا في السفوحِ
ونخطئ في القربِ سمتَ السهام؟!
لماذا لماذا..؟!
أغصُّ/ نغصُّ بما لا يُطال
وتسكتُ عن بوحنا
شهرزادُ الزمان؟!
***

اترك رداً