حوار مع سانا حول الإعلام الشبابي
الأسئلة من السيد محمد خالد الخضر إلى الأديب غسان كامل ونوس
*كيف تنظر إلى الحراك الشبابي في مجال الإعلام السوري؟! وما هي إيجابياته وسلبياته من وجهة نظرك؟!
** لاشك في أن خسارات فادحة ألمت –ولا تزال- ببلدنا الحبيب سورية منذ نحو تسعة عشر شهراً، من جراء العدوان الواسع الذي خططت له أمريكا وحلفاؤها الغربيون أصحاب التاريخ الاستعماري النهبوي المشين، وأدواتهم في المنطقة: إسرائيل وتركيا وغالبية دول الخليج العربي والعرب الآخرين.. وبعض العاقّين من أبناء الوطن الذين سهّل يباس أحاسيسهم، وشحوب رؤاهم، وضعف وعيهم، ونضوب السوائل الزكية في جداول القلب واحتدام حقدهم، أن يكونوا عناصر سريعة العطب، وحطباً قابلاً للاشتعال والإشعال الذي ابتدأ في مواقع أكثر شحّةً في الموارد، وقتامة في الآفاق، وفراغاً وعطالة وإحباطاً وقنوطاً، وأقلّ رعاية واهتماماً.. نتيجة إهمال وإغفال وإرجاء واستبعاد.. من قبل مسؤولين من أبناء جلدتهم، وآخرين من ذوي التخطيط القاصر والتنفيذ العاثر. وكان الجيل الشاب الشريحة الأكثر تأثّراً وتأثيراً؛ على الرّغم من الإنجازات العظيمة في مجالات البناء الوطني وهيكله العام وتجذّره في الأرض الحاضنة وتفرّعاته الباسقة، وإشعاعاته المنتثرة على المحيط والعالم تاريخاً عريقاً متجدداً، وحضوراً مؤثّراً، ودوراً لا يمكن تجاوزه؛ هذا البناء الذي ظهرت مفاعيله الإيجابية في الحفاظ على البلد ومكوّناته وحدوده.. رغم شراسة العدوان، وتعدّد أساليبه وجبهاته الداخلية والخارجية؛ لكن عقائدية الجيش ووطنيته واستعداد أفراده وتشكيلاته للتضحية والفداء ذوداً عن الأرض والعرض والقيم والأصالة والكرامة، وتماسك غالبية الشعب وتفهّمه ووعيه وكبره وصبره.. جعلت هذا الوطن صامداً وقادراً على الاستمرار في المواجهة والتطوير والحياة.
وفي الوقت الذي كان بعض الشاب وقوداً للعدوان على سورية، كان للجيل الشاب نشاط مهم في الدفاع عن الوطن بأشكال مختلفة، تمثّل بعض مظاهره في الحرص على مواصلة التعلّم، والتواجد في ميادين العمل، والنزول إلى الساحات العامة رافعين علم الوطن، هاتفين باسم الوطن بمختلف أطيافه.. كما كان لمبادراتهم في التكاتف والتعاضد والمواساة وجمع المساعدات وتوزيعها.. أثر إيجابي واضح، أكّد دورهم الفاعل في الوقت الراهن، وحضورهم المأمول والمطلوب في المستقبل الواعد، ولعل الحراك الشبابي في مجال الإعلام مؤشر على الحيوية والجدّية والمسؤولية في التعامل مع عناصر أزمة مفهومة الأبعاد، مركّبة العناصر، معقدة الارتباطات والتعالقات، مفتوحة المواجهات، مضمونة الخلاص الآمن..
وتجربة الجيش السوري الالكتروني رائدة في هذا المجال، وبرز تأثيرها في إظهار الوقائع والحقائق، والتركيز على الحال الوطنية، ومواجهة الأضاليل والأحقاد.
والأهم في ذلك عدم الوقوف عند الدفاع عن الوطن ورسالته وتاريخه ودوره وكرامته؛ بل قام هذا الجيش السوري الالكتروني بوعي شبابه وحماستهم وإصرارهم، بالهجوم على المواقع التي تبثّ سموم الفتنة والتحريض، واستطاع اختراق العديد منها والتشويش عليها، وفضح ارتباطاتها والعاملين فيها وصفقاتهم المشبوهة ونواياهم الخبيثة، مما ترك انطباعات إيجابية هامة وإشراقات معنوية عالية، واكبت إنجازات الجيش العربي السوري في مختلف المواقع على الأرض، كما أن هناك نشاطات أخرى هامة في التلفزة والإذاعة والصحافة.. ولأنّ في مثل هذه المبادرات روحاً وثّابة ومشاعر عاطفية وحماسة واندفاعاً، فإنّ الارتجال والتسرع والفردية يمكن أن يترك بعض الثغرات؛ سواء من حيث الشعارات والعبارات والخطوات التي تبدو ناقصة أو لا تغطي المشهد بكامله، ولا تعطي الصورة الحقيقية؛ هذا أمر متفهَّم في ظلّ عدم القدرة على الوصول إلى جميع المواقع المضطربة والأماكن الساخنة. ولعل ما ظهر في الجيش السوري الالكتروني، وعدد من النشاطات الميدانية، من روح الفريق والتجانس والتكامل، تفتقده بعض المبادرات الأخرى..
*كيف يمكننا العمل مع جميع الجهات المعنية لاحتضان الإعلاميين الشباب الوافدين إلى هذه المهنة والأخذ بيدهم وتذليل العقبات أمامهم؟!
**خرجت هذه المبادرات الإعلامية الشبابية من رحم المعاناة والقلق والأسى، مدفوعة بوعي وفهم وإحساس عال بالمسؤولية للمشاركة في الحل المأمول، وكثير من هذه النشاطات كان له الطابع الشخصي أو الفردي، ولم يكن له من رعاة حقيقيين، أو جهات داعمة كما يجب.. فبدا تطوعاً أكثر منه تفويضاً، وعفوياً أكثر منه منظماً، ولا شك في أن التجربة المديدة في خضم المشكلات وتوزعها وتنقلها وإيقاعاتها الدامية وضعته في مواقف تتطلب الإبداع والإسراع في اتخاذ الخطوة التالية، في الجهة المناسبة، رغم الإمكانيات البسيطة والخطر القائم، مع فائدة يُفترض أن لا تفقد، وهي التصرف بلا وصاية ولا توجيه أو إقحام.. ولكن هذا الجهد يحتاج إلى أن يطوَّر، ويُدعَم بالإمكانيات العملية والتقنية، وأن تؤهل الطواقم البشرية علمياً ومعرفياً وتثقف، وتتعدد الفروع والمجموعات القادرة على التحرك الأسرع والأكثر أماناً، مع الحفاظ على تنوعها واستخدام مواهبها في العمل الوطني المفيد، وتأمين إمكانية الوصول إلى التجمعات البشرية القريبة والنائية والعمل فيها، مع التغطية المناسبة لهذه الأعمال تحفيزاً وتشجيعاً، ومنح المكافآت والجوائز والحوافز التي تساعد على التسابق الإيجابي النظيف.
*ما رأيك بوسائل الإعلام الحديثة التي يعد الشباب هم المحرك لها/الفيس بوك-تويتر/، وما رأيك بالبرامج الإعلامية الموجهة لشريحة الشباب؟!
**أطلقت وسائل الإعلام الجديدة الطاقات لدى مستخدميها وفتحت أمامهم الآفاق؛ ونظراً لحداثتها، فإن الشباب هم الأقدر على التعامل معها والتعبير فيها وعبرها عن كل ما يشغلهم، وما يخطر في بالهم ويطمحون إليه ويأملون به ويسعون إلى تحقيقه..
ولا شكّ في أن اليسر والسهولة والسرعة التي أمّنتها هذه الوسائل تغري بالكثير من الانطلاق والانفلات، وتجذب إليها من لديه ما يقول، ولديه هاجس ومشروع، وغنى وثقافة وموقف ورؤيا.. كما قد تجد في ميادينها من لا يملك الحدّ الأدنى من الرؤية أو أو الإمكانيات الشخصية أو المسؤولية.. وكي لا تضيع الفضاءات والمساحات الزمنية والجهود في البحث عن المفيد والمجدي، في غابة متكاثفة من النباتات الزهرية والشوكية، والأشجار المثمرة والعاقر، ويفتقَد الكلام المفيد في الثرثراث، والقول الحق في أمواج الضلالات.. لا بدّ من توعية وتنظيم وإشراف اجتماعي: أسروي – تربوي- مؤسساتي، يتيح الحصول على الأكثر جدوى في أقرب وقت، وأقلّ جهد.
ويفترض أن لا تأخذ هذه الوسائل الانشغال كله والأوقات جلّها؛ تلك التي ينبتُّ فيها الشخص عن أسرته ومحيطه، ويصبح الأمر إدماناً يفاقم التباعد الاجتماعي وتبدد الروح الجماعية، ليبقى الفرد أسير نفسه ورهن رأيه، ويبحث عما يعزز ذلك؛ فيما المطلوب أن تكون الشراكة هي الأساس، والحوار هو السبيل، بعيداً عن التعصب والتطرف والكلام القاسي لفظاً ومضموناً، وبعيداً عن الحدود الإقصائية. وحبذا لو يتم التعامل جماعياً أو عن طريق ورشات عمل أو مجموعات بحث تؤمن التواصل المثمر والمفيد، كما لا بدّ من الانطلاق مع الشباب إلى أماكن نشاطاتهم التعليمية أو الترفيهية أو السياحية أو الإعلامية أو التخصصية..
أما فيما يتعلق بالبرامج الموجهة إلى الشباب، فإنها تحتاج إلى متابعة للخوض في تقويمها، ولكن لا بدّ من أن تبتعد عن الوصاية والتحديد والتعليب والتلقين، وأن يشرف مختصون اجتماعيون تربويون علميون، وأن يترك مجال واسع لمشاركة الشباب في عرض مشكلاتهم وهمومهم وآمالهم وأحلامهم، ومناقشة الحلول أيضاً، وعدم فرضها، ولا بدّ من الاهتمام بالمسألة التثقيفية بشكل جذاب، والعروض التطبيقية في المجالات المختلفة، والفترات المنوّعة.. وقد سبق أن تابعتُ بعض الحلقات التي يقدمها الشباب في قنواتنا المحلية، وكان لذلك نكهة خاصة، لأنها الأقرب إلى المتلقّين من الأعمار المتقاربة، من دون أن ننسى الخبرة والاختصاص والعلمية، وإتاحة المجال أمام المواهب الشبابية المتنوعة في الفنون المختلفة، وحتى في التقديم والإلقاء، ويفترض أن يتم اختيار العاملين بناء على الكفاءة والإمكانية والملاءمة لخصوصية البرنامج وطبيعة المادة والمنبر: مرئياً أو مسموعاً، أو مطبوعاً ورقياً، أو الكترونياً، مباشراً أو مسجلاً أو ممنتجاً؛ حوارياً أو وثائقياً أو إخبارياً.. وطبيعة المادة: معلومات، أو تغطية، أو تعريفاً، أو تقويماً، أو خدماتية، وأيّ الشرائح تستهدف، أو تعني..
*ماذا ينقص الإعلام السوري ليكون جذاباً ومشاهداً من قبل شريحة من الشباب؟!
• **أعتقد أن لدى الإعلام السوري قدراً مهماً من المصداقية والواقعية منذ وقت طويل، ظهر ذلك جلياً في السنوات الأخيرة، ولا سيما خلال شهور الأزمة، وله دور في إظهار الوقائع وعرض المشاهد الحقيقية، وله تأثير في الرأي العام من خلال كشف ما يضلل ويشوه ويصنَّع في أجهزة الإعلام المأجورة والمحرّضة والشريكة في العدوان على الشعب السوري.. ولهذا بدأت محاربته مؤسساتياً من قبل مجلس الجامعة العربية، وعملياً من خلال التشويش ووقف البث على الأقمار الاصطناعية، وإجرامياً بالتفجير في المواقع الإعلامية والهجوم عليها، والاعتداء على العاملين في الإعلام السوري بمختلف أنواعه، واختطاف الإعلاميين واغتيالهم وتهديدهم، وسوى ذلك.
لكن المطلوب من هذا الإعلام الوطني العام والخاص أكثر في موضوع الشفافية والجرأة. ولا يعني هذا الوصول إلى التهجم الشخصي أو إطلاق الأحكام المتسرعة والتعميم أو الإغراق في التفاصيل التي لا تغني ولا تسمن.. وأن تظهر الروح في البرامج إلى جانب المادة والمعلومة، وأن لا يلقن المتلقي، أو تبرز القضايا الثانوية والتفاصيل والأمور السطحية على حساب المسائل الرئيسية، من دون إغفال إعطاء الموضوع حقه في الاستقصاء وإظهار وجهات النظر المختلفة، والاهتمام بشرائح المجتمع المتنوعة بشكل مناسب، لا بالقريب منها والمعروف والموافق لآرائنا وتوجهاتنا، من دون أن يتحول الإعلام إلى منابر عرضحالية استعراضية، أو مواجهات انفعالية ارتجالية افتعالية ساخنة في الشكل باردة في العروق مرمّدة في المضمون.
ولا بد من مشاركة الأجيال بتنوّعها وتكاملها في العملية الإعلامية إعداداً وتقديماً وتقويماً، وأهدافاً وأحلاماً ورغبات وأمنيات وهمزماً ومشكلات، والأولوية للجيل الشاب حامل الجذوة المشتعلة، والطاقة المتأهبة للعمل والعطاء، ومن الضروري الاستفادة من المواهب وتأهيل الموجود وتدريبه وتثقيفه..
والإعلام من دون ثقافة تهويم وتلميع وفقاعات وبهرجات، ولدونة وغلظة وشحوب، مهما استخدمت الزينات، ومهما تعددت عبارات الترحيب ومعلقات الإنشاء. والاختصاص أمر هام؛ فمن يقدم برنامجاً له صفة محددة، يفترض أن يكون له به علاقة وافية، وأن يعرض من خلال آراء مختلف الرؤى والتصورات، وأن يحضّر لذلك ويتهيّأ ويتنبّه لكل موقف، ولا تعرض الثقافة عرض الاقتصاد، ولا تدخل الرياضة مدخل العلوم التقنية.. ولا يجوز الإفراط في تقديم الوجوه والشخصيات حتى لو كانت مقبولة لدى الناس؛ ففي استهلاكها ضرر لها ولمن تمثل ولما تدعو، ولمن يحبّها؛ وهناك دائماً آخرون، وخاصة من القادمين الشباب، لديهم ما هو جديد ومفيد أيضاً، يجب ألا يظلموا، ويظلوا بعيدين، أو يستبعدوا، فتكون الخسارة مضاعفة.
*ما هي نصيحتك للإعلاميين الشباب؟!
** لا أحب تقديم النصائح، بل الحوار مع أصجاب العلاقة للوصول إلى المفيد في القول والخطو؛ ولكن أتمنى على الإعلاميين السوريين الشباب أن يكونوا أصواتهم لا أصوات سواهم، وأن تكون لهم شخصيات ذات حضور محبّب لا منفّر، ومظهر لائق لا فاقع، ورأي يمكن أن يناقشوا به، لا أن يفرضوه على الآخرين الذين يحقّ لهم أن يعبروا عن آرائهم بحرية بعيداً عن التلقين والإقحام.. وأن تكون لدى الإعلاميين الشباب القدرة على الإصغاء والحوار، من خلال الثقافة والجدية والموضوعية، والتنبه العالي والحساسية التي تجعل المرء معنياً بالأحداث والأقوال والمواقف، لكنه ليس إقصائياً أو انفعالياً.. وأن تتميّز حركتهم بالنشاط والحيوية والمسؤولية في الحالات الطارئة.. التي يمكن أن تفاجئهم، وأن يكونوا أوفياء لزملائهم في الجيل الشاب من خلال احترام إمكانياتهم والاهتمام بكل ما يخصهم.. وأن لا يمارسوا عليهم دور الأستذة والفوقية، مهما اختلفت مستوياتهم، وأن لا يُؤخذوا بالظواهر ويتأثروا بالنجومبة، ومن المهم قربهم من القلب والروح، بلا فظاظة واستعداء أو استغباء أو إشفاق.
ولا بدّ من السعي إلى التطور والاغتناء والاكتناز العلمي والمعرفي إلى جانب الموهبة، وأن لا يعد الوصول إلى منبر إعلامي نهاية المطاف، وأن تظل المنافسة للظهور اللائق والمحبب قائمة وشريفة.
ولا بد من مبادرات يقوم بها الإعلامي للوصول أكثر إلى أعماق النفس وأبعاد العيش ومفاوز الرغبات والهموم. وأن يقدم الواقع كما هو، لا كما نريد، مع السعي الجاد إلى أن يكون كذلك.
والقدرة على الاقتناع أمر في غاية الأهمبة، حتى إن كان المرء مختلفاً أو مفارقاً ما يجري أو ما يقال.. وإذا ما كان واقعياً صريحاً.. ومن المأمول أن يعد الإعلاميون الشباب موادهم، ويستعدوا لأيّ مفاجآت ناتجة عن إشعاع الحياة المنتثر في كل اتجاه، وفيضان الوقائع والأحداث الداهم.. وتحتاج مواكبة كل ذلك إلى إرادة وهمة وقدرات وحصانة وثقة ووعي..
***
غسان كامل ونوس
نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية