حفظ
في أرق الثقافة
ملحق ثقافي
12/7/2011
احمد حسين حميدان :عبر إصداره الجديد « في الثقافة والأدب « يودع غسان كامل ونوس العام الراحل بأسئلة الكتابة ومأزق الثقافة حاملاً إياها إلى أعتاب العام الجديد
كدلالة أكيدة على استمرارية الأزمة المعرفية برمتها وهو لا يخفي من البداية محاولته تلمس أسبابها مؤكداً في مطلع بحثه من البداية بأن المثقف الحقيقي ليس كائناً عادياً وعليه أن يؤثر بالرأي العام ولا يتقولب داخل الأزمة.. ص6 وهو يمضي في هذا السياق إلى حدٍّ يضع فيه الثقافي في مقدمة السياسي مطالباً إياه أن يكون مرشداً له لا مروجاً لمسيرته معيداً إلى الأذهان إشكالية هذه العلاقة التي أفصح الثقافي والديني عن مأزقها في خطابه للسياسي المتشكل منذ عهد بني أمية وذلك من خلال قول الإمام ليزيد: « إذا أرضيناكم أغضبنا الله، وإذا أرضينا الله أغضبناكم!..» فهل ثمة ما يمكن أن يُنهي هذه الهوة ويُنهي هذا التعارض القائم بينهما أم أن ثورية المثقف والأديب في معارضته الجذرية للثقافة السياسية السائدة قد تلاشت بالفعل مع انعطافة القرن الحادي والعشرين كما يعبر تيري إيغلتون؟!..
إن غسان كامل ونوس يصرُّ عبر كتابه « في الثقافة والأدب « على استقلال فعالية المثقف باعتباره متحرراً من التكتيك الذي يخضع له السياسي ويقول في سياق ذلك: إنه ليس من اللائق أن يبدو الثقافي مروجاً للسياسي..ص16 ويرى في غياب المثقف عن ساحة الفعل لن يكون إلا الخواء فقلة هي التي تمارس الفعل الثقافي كما يقول غرامشي.. وباعتبار أن الأدب جزء رئيس من هذه الثقافة, فهو واقع في أتون الأزمة ذاتها وعالق في حبائل مأزقها الذي انطلق منه غسان كامل ونوس ليقول: أن تكون كاتباً لا بأس, لكن أن تُصبح كاتباً هاماً هنا تكمن المسألة..ص64 وهو ما يعيد إلى الأذهان حلم يوسف إدريس الذي جهر به في أواخر الحوارات التي أجريت معه حين سُئل بمَ تَحلم أجاب وقتذاك: أحلم بكاتب يُحيلني إلى قارئ!.. كيف يمكن أن تُحيل كاتباً كبيراً بقامة يوسف إدريس ـ أو ما يماثله ـ إلى قارئ؟!.. إن بلوغ هذا المسعى إن لم يكن مستحيلاً فليس سهلاً بكل تأكيد.. ويبدو أن ما ذهب إليه القاص ونوس في كتابه « في الثقافة والأدب» لايبتعد عن مطالبة الأديب والمثقف العربي المضي في تأدية هذه المهمة وذلك من خلال منافسة الآخر ومنافسة الذات أيضاً وتجاوزها باضطراد.. كما أنه طالب الأديب العربي طرح أسئلة الكتابة التي يجب أن لا تقف عند حدود لمن نكتب.. ومَنْ سيقرأ هذه القصيدة أو هذه القصة أو الرواية, بل لابد من الانتقال بها إلى كيفية صياغة النص الإبداعي على نحو عميق ومميز.. ويشير ونوس إلى أن أهمية هذا النص الإبداعي لا تكمن عند هذه الحدود وحسب, بل تنبع أيضاً من مقدار الأسئلة التي يثيرها ومن مقدار ما يوقظ من رغبات تدفع للبحث عن إجابات عميقة لتلك الأسئلة المُثارة باعتبار أن الحدود في الراهن الثقافي المعاصر ما عادت جغرافية بقدر ما هي معرفية ومن المحال أن تكون الثقافة حية وفاعلة ما لم تكن قادرة على تجديد ذاتها عن طريق المراجعة كما يقول الشاعر عبد المعطي حجازي وذلك للتأكد من جدوى وكفاءة ما سلَّمَت به خلال سعيها استقراء الواقع والإحاطة بمشكلاته المختلفة وعقد العزم على مواجهتها فمنذ آماد والثقافة لم تكن في أحسن أحوالها لأن تكوينها الحقيقي قائم على اتجاه معاكس للاسترخاء أمام السائد باعتبارها تناقضه وتشاكسه باستمرار.. وإذا كان ذلك قد أغرى الشاعر والمسرحي البريطاني هارولد بينتر لطرح جملة من التساؤلات حول ثورية المبدع في أعتاب القرن الحادي والعشرين وحول طبيعة الممارسة الإبداعية والمسؤولية الأخلاقية والفعالية السياسية للأديب والآفاق الجديدة بين الفعل والكتابة, فإن هذه التساؤلات القديمة الجديدة عاودت طرح ما يشغلها بين دفتي كتاب غسان كامل ونوس « في الثقافة والأدب « وظلت على سطوره معلقة بحبل قلقها الاستفهامي والاستفساري طالبة من ثورية هذا المبدع المقترح للقرن الجديد البحث عن إجابات مازالت طي الغياب..