الفئة: ما كُتب عنه
بقلم: رياض طبرة
الناشر: جريدة تشرين
تاريخ النشر: 2008-03-09

09/03/2008

ما أجدى هذا الأرق ياغسان ونوس
رياض طبرة
لا يكاد عصفور غسان كامل ونوس يقع في أسر حكاية يقصها أو همّ يجتاحه فيكتب حتى يعود الى عشقه الأصيل الى مواله يغنيه والشعر غناء لكن موال غسان هذه المرة موال الأرق:

الوقت يلهج ـ وردة في البال تنشج ـ والاشارات استطالت فانزوى الدفق المؤجل في التلال.. ويداك مئذنتان للشكوى وبوح كالندامة عاقر مع سؤال مر أيعود؟ ‏

وفي فاتحة الذهول صمت وعرس وحكاية الوجد الصليل فمنذا الذي يصغي لسقسقة انتثار العنود يرفل في وشاح الوعي انفاساً وأمواجاً وهنا تبدو العناية واضحة بالصورة جدة وامتاعاً وإدهاشاً، وفي هذا الصدد تتجلى شاعرية الشاعر في التقاط مالا يقدر على التقاطه غيره حتى من أصحاب الفن والأدب كهذا المقطع: وسرى الى النزع الأخير صرير آهات الذين تلعثموا بالبوح وقد جعل للآهات صريراً وهو عادة صوت الباب فماذا أضاف فاجأهم أزيز الخوف فانصلبوا…

وفي اعتماد للمفارقة يدهشك غسان بهذا التحدي في الصورة: علت زغاريد الضحايا يرقصون على صليل الوقت ينسحقون في ايقاع خطو لايؤوب ‏

وهنا لابد من التساؤل ـ عن حيادية الفعلين انصلبوا وينسحقون فلا هوية واضحة للفاعل الذي هو واو الجماعة وهل كان الصلب فعلاً ارادياً أم قسريا وقد اضافت هذه الحيادية في الفاعل المؤثر بإعمال الفكر لاكتشاف فاتحة كي تكون فاتحة ذهول حقاً. ‏

هل هذا زبد وبياض من لون البوح وقد ارتعشت صحوة قلب الشاعر فانسكب الجمر صليلاً في نبض محموم وقد غدا الصمت بيداء نتأت فيها قبور ليعرج رحيق عبر فضاء التوق. ‏

أما مرايا غسان في هذه المجموعة وهي على وزن خطاياه في القصة فظلام ثقيل ووقت جبان وصدى عالق في غيوم الأسئلة ومنها بأي رداء تهيم الفصول ألأن الشاعر مسلوب الرغبة يتلمض ذاكرة ونبوءة منسوجاً من أرق وحكايا.. وهو الآن هنا يتساءل: ‏

كم عمر الوشم على جلدي؟ كم عمر الحيرة في صمتي وهذه الأحجية تلعق دمه لكنه يبحر في رحم الألوان صارخاً : ‏

ضاع يقيني ‏

ركب شراع سؤال ‏

ومضى في قلب اللجة ‏

ولانتظار غسان طعم آخر فهو وليمة صمت لها ارتعاش في شرايين المساء وهنا يتكئ الشاعر على حد ابتكار الصورة وحيويتها إذ الوقت بساطا من سأم وشرود وحبال مسدلة في صمت أبله.. ‏

أما في ذات صهيل فقد رعشت أهداب الغيم واهتزت أوصال الطور وفر النسغ يطارد حلماً ما أجمل هذه المطاردة اذا عرفنا أنها الى هناك حيث يحفر هذا الحلم في الأرض حكايا.. ‏

ولابد من وقفة مع موال الأرق فهو نهر من الشهوات والزفرات، أما الرغبات فهي غابات وظلال ولو عها برق وقد غدا الهمس يسرج زورق البوح اللذيذ لكن هذا النهر في تيه والبحر غصات معكرة وأمواج تلوك الزرقة الدكناء والشط ابتعد.. ‏

وقد رجع الشذا وارتد موج العطر دون فضائه الشهوي، لاوجه بغناء ولا ذؤابات ولانبض الغواية يستفيق لكل ذلك يأمر الشاعر: ان انسج شباكك من شآبيب الندم وارتق خيالك علّ شوكاً يصطفيك من أجل أن ينتشي قاع العدم ولم ذلك؟! ألولوج الجحيم إنه تحذير . ‏

هذا الموال في ثلاثة عشر مقطعاً تنتهي بأن العويل سال على ضفاف الوقت وضاق الحيز المنسول من ولع التشهي وفي هذا الموال اعتمد الشاعر على ألفاظ مائية هي من مستلزمات الإبحار فجاء كمن ولج عباب البحر فلم يعد يرى غير النهر والبحر والأمواج والشط والنوارس والملوحة والزورق والرشفة حتى للعطر في ارتداده موجات والعويل ماء يسيل .. ‏

ان تعلق غسان في الصورة ليس دليل شاعرية مرهفة فحسب بل يتعدى ذلك الى امتلاك القدرة على جعلها منسابة لاتكلف فيها ترى السهل فيها والبحر والجبل. ‏

اترك رداً