الفئة: ما كُتب عنه
بقلم: المحرر الثقافي
الناشر: جريدة تشرين- موقع منقول
تاريخ النشر: 2010-04-27

(في الضفة الأخرى) شخصيات محاصرة تبحث عن نجاة

يأخذنا القاص غسان كامل ونوس في مجموعته القصصية الجديدة (في الضفة الأخرى) إلى شخوصه القصصية وأحداثها، ليتركنا مع هذه الشخوص لتبوح عبر حواراتها الداخلية بمكنونات نفوسها القلقة المضطربة، شخصيات عشقت عالم الحبر والقص بعد أن اتضح لها أن الحياة الخارجية ضيقة وحادة وصعبة، وفيها من الظلم الكثير.

لغة القاص ونوس القصصية تنحو نحو المواربة أحياناً، فيأتي المعنى بعد حين من السرد مغايراً لما نتوقعه في بداية السرد كما فعل في قصة (الرقدة الحلوة)، وفي أحيان أخرى يكون الحدث واضحاً، فيذهب السرد إلى غاياته دون مواربات أو دون تغليف للمعنى، وفي إحدى القصص بقي المعنى ملتبساً غير واضح (قصة العودة) ‏

ويبدو أن هذه القصة جاءت في سياق آخر غير كل القصص والسبب هو غموضها. ‏

يعتمد القاص على قاموس لغوي غني، فيه المفردة التي تناسب المعنى، قاموس يحيلك إلى الحياة بكل غناها وتنوعها واتساعها. ‏

واللافت في قصص هذه المجموعة غياب الأسماء عن الشخصيات وهذا بحد ذاته ميزة أغنت المعنى والسرد فحملته أقصى مايستطيع من دلالات، شخصيات القصص رغم أنها تملك وجهها الخاص إلا أن لها أيضاً وجوهاً أخرى.

في قصة (الضفة الأخرى) يعيش البطل حصاره الفيزيائي و الفكري والاجتماعي (فاض المسيل، عجزت عن العودة إلى البلدة التي ترقص لفوز أبي رماح، سيتسيدها أعواماً، سيكون واجهتها بأصواتنا، بعدما ساسها بأمواله وعلاقاته، إنهم لابد يقولون، هذا فرح السماء بفوزه) في هذه القصة صراع الجهل مع التنوير، وكشف لبؤر التخلف في مجتمع لايقدر نخبه المتنورة، ورغم الحصار تبقى شعلة الأمل موجودة يقول البطل : (علي أن أجرب، أن أصرخ، أشعل شيئاً). ‏

في قصة (الدليل) يحاول بطل القصة الموظف الشريف، النزيه إثبات فساد مديره من خلال دليل حصل عليه، دليل كفيل بإثبات رأيه، في هذه القصة كشف لفساد النظم الإدارية والآليات التي أوصلت هذه الشخصيات على مواقعها الإدارية، والدليل أن بطل القصة شاهد مديره في (مكان مشبوه، منعزل وملعون ومنبوذ) ص 38 ‏

في قصة (قمر) حوار داخلي لموظف كره الرتابة والتكرار العام، تكرار القوانين، شروق الشمس وغيابها، الذهاب إلى العمل والعودة منه إلى آخر هذه السلسلة من الأعمال، في هذه القصة محاولة للانعتاق، محاولة للبحث عن الحرية، كما يريدها الإنسان، حرية لاتقدمها مئات القنوات الفضائية، ولا الحياة اليومية بكل ما تحمله من تكرار في الواجبات والمسؤوليات، في هذه القصة دخول إلى مغاور النفس الإنسانية القلقة، وبحث داخل تلك المناطق المجهولة. ‏

في قصة (السر) دخل القاص إلى إشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة، حيث يحب بطل القصة أكثر من امرأة، في هذه القصة لعب سردي ممتع حيث يقنعنا الراوي بان البطل يحاور المرأة الأولى التي أحب والعائد إليها، ونكتشف مع النهاية أن كل هذا الحوار يجري في نفس البطل، حوار داخلي محض (لم لاتفتحين الباب الذي لم أطرقه إلى الآن). ‏

وفي العودة للحديث عن لغة القاص نقول إنه يشبع الحدث مناقشة وتعرية، يجعل شخصياته تقول كل شيء، تحكي مالها وما عليها، ولعلها تبوح بصدق تام لتعري بيئة اجتماعية متخلفة أوصلت بطل قصة (النوم سلطان) إلى حال لايحسد عليه حيث يتكلم هذا البطل في منامه، نكتشف أنه ضحية لبيئة اجتماعية فقدت نبضها الإنساني، ففي المدرسة عانى البطل من مزاجية الأستاذ، كما عانى من سطوة الوالد القادر المتسلط، ومن قسوة الأم المهانة، ومن قلة الموارد وقهر الأعياد. ‏

يقول هنري ميلر (هل نستطيع أن نصارع الحياة في مقدرتها على ابتكار الأساليب الفنية ؟ إن كل حركة فيها، كل إشارة، كل صوت، كل حادثة، هي آية من آيات التعبير، وعلينا أن نقلدها دائماً، فلنسرد الأشياء الحية في عفوية الحياة، وعندئذ نكتب ما يمكن أن يبقى إلى الأبد) وأظن أن القاص غسان كامل ونوس في مجموعته هذه كان قريباً من المعنى الذي أراده هنري ميلر. ‏

الكتاب: (في الضفة الأخرى) ‏

صادر عن دار شرق وغرب للترجمة والطباعة والنشر والتوزيع ‏

عدد القراءات: 60
جريدة تشرين
2010-04-27

اترك رداً